لم تنقض أيام على صدور الحكم في قضية الضابط السوري أنور رسلان، المتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، في محكمة كوبلنز في ألمانيا، حتى بدأت محكمة جديدة، للطبيب السوري علاء موسى، والتي كانت أولى جلساتها في 19 كانون الثاني/يناير الماضي، في محكمة فرانكفورت الإقليمية العليا، بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وفق الاختصاص العالمي للمحاكم الألمانية.

وجاءت لائحة اتهام موسى متضمنة نحو 18 تهمة، بينها تعذيب معتقلين في عامي 2011 و 2012 في مستشفيات عسكرية في حمص، وسجن المخابرات العسكرية في حمص، لأنهم معارضون لحكومة دمشق، إضافة لإلحاق الأذى الجسدي والعقلي بالمعتقلين، وارتكاب القتل العمد عن طريق الحقن للمعتقلين، كما تضمنت اللائحة قيامه بحرق العضو الذكري لطفل، وضرب معتقل مصاب بالصرع على رأسه ما أدى لوفاته في وقت لاحق.

محاكمات بدأت تأخذ صدى واسعا، بعد عجز المجتمع الدولي عن تقديم أية مساعدة قانونية للشعب السوري، ومحاكمة حكومة دمشق عن الانتهاكات التي ارتكبتها خلال السنوات الماضية.

أهمية المحاكمات الفردية
تتمتع المحاكم الأوربية بسلطة الولاية العالمية القضائية، بحيث يحق لها محاكمة الأفراد الموجودين على أراضيها إذا ثبت ارتكابهم جرائم حرب، أو جرائم ضد الإنسانية، أيًا كانت جنسية هؤلاء الأفراد، ولهذه المحاكمات أهمية سياسية وأخلاقية بالدرجة الأولى.
يقول المحامي ابراهيم القاسم، عضو مجموعة ملفات قيصر، لموقع “الحل نت”، إن هذه المحاكمات لا تحاكم حكومة دمشق بشكل عام، ولكن تحاكم أفراد هم جزء منها، وفي النهاية فإن مجموعة هذه المحاكمات تشكل إدانة أخلاقية وسياسية لها، وفق اعتباره.

وأضاف القاسم، أن هذه المحاكمات وإن كانت لا تشمل كل الحكومة وهذا غير ممكن حاليا، وفق تعبيره إلا أنها قادرة على تحصيل ولو جزء من حقوق الضحايا، وهي أفضل من الانتظار ربما لسنوات حتى تكون هناك محاكمات شاملة، ومع ذلك فهي ليست بديلا لمحكمة الجنايات الدولية، بحسب قوله.

وأشار القاسم، إلى جانب اعتبره مهما في هذه المحاكمات، تتمثل بملاحقة المدنيين الذين ساعدوا دمشق، وبإرادتهم في ارتكاب الانتهاكات، وهذا يدل أندمشق لم تعتمد فقط على العسكريين، وإنما على المدنيين أيضا.

وألمح القاسم إلى الفرق بين محاكمة موسى، ورسلان، موضحا أن الأول يحاكم بتهم ارتكاب جرائم قام هو بتنفيذها، بينما حوكم رسلان بجرائم وقعت خلال توليه منصبا أمنيا في المنظومة الأمنية، وكان بإمكانه أن يمنع وقوعها لكنه لم يفعل، مؤكدا أن هناك ناحية مهمة في محاكمة أنور رسلان السابقة، وهي استعراض السياق السياسي السوري، وتاريخه وتركيبة المنظومة الأمنية.

هل تنظر الجنائية الدولية في ملف الانتهاكات السورية؟
لم تفلح كل الجهود الدولية، وجهود المنظمات الدولية والمحلية، بالتأثير لتحويل ملف الانتهاكات السورية إلى محكمة الجنايات الدولية، رغم طرح الملف أمام مجلس الأمن لأكثر من مرة.

ومن حيث المبدأ، لا يمكن تحويل ملف الانتهاكات السورية لمحكمة الجنايات الدولية إلا بتحقق شرطين:
الأول هو وجوب أن تكون الحكومة السورية، مصادقة على ميثاق روما الأساسي الناظم للمحكمة الجنائية الدولية، وعلى ميثاق المحكمة، إلا أن الحكومة السورية غير مصادقة.
بينما يتجلى الشرط الثاني من خلال وجوب تحويل ملف الانتهاكات بقرار من مجلس الأمن، وبأن توافق عليه الدول الخمس الكبرى، لكن ذلك يصطدم باستخدام روسيا والصين لحق النقض “الفيتو” لأكثر من مرة، من أجل تعطيل اتخاذ مشاريع قرارات تقدمت بها عدة دول أوروبية.

لذلك ترى المنظمات الحقوقية السورية، والدولية، وحتى بعض الدول أنه من الأفضل إجراء محاكمات فردية، كمحاكمة رسلان الذي صدر بحقه حكم بالسجن المؤبد، ومحاكمة موسى الذي ينتظره مصير مماثل، مع في انتظار أن تتغير الأوضاع السياسية في سوريا، والتي سيكون لها التأثير الأساسي في نقل ملفات الانتهاكات في سوريا إلى لاهاي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.