في خطوة لافتة على طريق محاكمة منتهكي حقوق الإنسان ومرتكبي جرائم الحرب في سوريا، قررت الجمعية الوطنية الفرنسية “البرلمان” يوم أمس الأربعاء، تعديل القانون الخاص بملاحقة المجرمين عن الجرائم المرتكبة في سوريا، وذلك ما فتح الباب أمام المحاكم الفرنسية لملاحقة مرتكبي هذه الجرائم المقيمين على الأراضي الفرنسية.

وقد أصدرت وزارة الخارجية الفرنسية، يوم أمس، بيانا أكدت فيه دور فرنسا في ملاحقة مجرمي الحرب في سورية ومحاسبتهم، وشدد البيان على مسؤولية فرنسا في وضع حد للإفلات من العقاب، في جميع جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت في سورية.

وجاء في نص البيان المشترك بين وزارتي الخارجية والعدل الفرنسيتين، وفق ما ترجم موقع “الحل نت”، بأن فرنسا “تحشد كامل طاقتها لتحقيق مكافحة إفلات مرتكبي الجرائم الدولية من العقاب، سواء تلك التي وقعت في سوريا أو خارجها”.

قدمت الحكومة الفرنسية قانون يقر بالموافقة على “اتفاقية التعاون القضائي الدولي بين حكومة الجمهورية الفرنسية، ومنظمة الأمم المتحدة ممثلة بالآلية الدولية المحايدة والمستقلة الخاصة بسوريا، وقد تم اعتماد مشروع القانون هذا للتو من قبل الجمعية الوطنية، ويجب أن ينظر فيه من قبل مجلس الشيوخ الفرنسي.

على وجه الخصوص، سيسمح هذا الاتفاق بنقل المعلومات من المحاكم الفرنسية إلى الآلية الدولية المحايدة والمستقلة، وبالتالي يشكل هذا الإجراء جزءا من الأولوية التي توليها فرنسا لمكافحة إفلات مرتكبي الجرائم”. 

ولاية جزائية دولية للمحاكم الفرنسية؟

يعتبر القانون الجديد نقلة نوعية في تعاطي القضاء الفرنسي مع الجرائم المرتكبة في سوريا، ففي السابق كان لا بد من أن تكون الجريمة المعاقب عليها في فرنسا، معاقبا عليها في سوريا حتى يتمكن القضاء الفرنسي من ملاحقة مرتكبيها، لكن القانون الجديد أزال هذه العقبة.

يقول المحامي أنور البني، مدير “المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية”، لموقع “الحل نت”، إن  المحاكمات في ألمانيا شجعت كل الدول الأوروبية على اتخاذ إجراءات قانونية متعلقة بسوريا، حتى فرنسا التي كان لديها قصور قانوني، فقد تجاوزته، بحسب تعبيره.
 
وأضاف البني، أن منظمات فرنسية ودولية، بخاصة “أمنستي”، إضافة لبرلمانيين وسياسيين فرنسيين، تبنوا طرح مشروع القانون أمام البرلمان الفرنسي، وكان من المفروض أن يأتي القانون بشكل واسع، بحيث لا يقل عن القانون الألماني بمحاكمة المجرمين خارج ألمانيا، إلا أنه ينص على إجراء المحاكمات للمجرمين داخل فرنسا، ولكنه مهم لتجاوز العقبة المشار إليها سابقا.

وأشار البني، إلى أن القانون بعد إقراره أصبح ساري المفعول، وقد ألغى العقبة السابقة التي تشترط أن تكون الجريمة المعاقب عليها في فرنسا معاقبا عليها في سوريا، وأصبح لدى المحاكم الفرنسية ولاية جزائية بموجب القانون الدولي الإنساني، والقانون الجزائي الدولي.

إقرأ أيضًا:أنور رسلان.. محكمة ألمانية تقضي بسجن ضابط سوري مدى الحياة

عشرات التحقيقات جاهزة ضد مجرمين سوريين في فرنسا

مع إقرار القانون الخاص بمحاكمة مرتكبي الجرائم في سوريا، ستبدأ عمليات الملاحقة والتوقيف والمحاكمات، فهناك نحو 80 تحقيق مفتوح ضد مجرمين سوريين يتواجدون في فرنسا، منها 14 تحقيق على درجة مهمة، وهناك منظمات بدأت بمتابعة هذه التحقيقات، بحسب البني.

ولفت البني، إلى أنه قد تم تدريب 30 محاميا في العام الماضي، على ملاحقة المجرمين، وإعداد ملفات وكيفية التواصل مع المدعي العام، منهم 4 موجودون في فرنسا، ويمكنهم متابعة هذه التحقيقات والمحاكمات.

أما الصحفية، لونا وطفة والتي غطت محاكمة الضابط السابق أنور رسلان، وتغطي محاكمة الطبيب علاء موسى في ألمانيا، أفادت لموقع “الحل نت”، بأن قرار البرلمان الفرنسي جاء كضرورة لابد منها، إذ أن وضع حد لسياسة الإفلات من العقاب هو مطلب إنساني قبل أن يكون قانوني، مضيفة أن هذه المحاكمات تأتي في إطار عدم السماح لمرتكبي جرائم الحرب أينما كانوا بتهديد السلم والأمن العالميين، “من هذا المنطلق تجد أهمية مثل هذه الخطوة لجميع الشعوب وليس فقط للشعب الفرنسي، حيث سيكون هناك فرصة لمحاسبة مرتكبي الجرائم المتواجدين في فرنسا”.

وأضافت وطفة، أن الولاية القضائية العالمية، تتيح إمكانية المساءلة والمحاسبة عندما يكون من المستحيل تحقيق العدالة في البلدان التي وقعت فيها تلك الانتهاكات والجرائم، وبالتالي هي حل بديل يعطي إمكانية الضحايا من محاسبة من ارتكب بحقهم ذلك، في إطار جرائم ممنهجة ضد المدنيين ولكن بشكل محدود.

وتأمل وطفة، بأن يتم التعامل مع هذه الانتهاكات بصرامة أكبر وإنهائها على الفور وتطوير آليات المساءلة الجنائية على المستوى الدولي، ليس فقط لأن مرتكبي الانتهاكات ضد الإنسانية وجرائم الحرب في سوريا لازالوا على رأس عملهم وفي مواقع سلطة حتى الآن، وإنما لأنها ستبقى تهديد يطال البشر جميعا في أي زمان ومكان طالما الجناة لم يحاسبوا بعد.وختمت بالقول “لذلك آمل أن تحذو دول أوروبية وعالمية أخرى حذو فرنسا الآن، ومن قبلها ألمانيا والسويد والنمسا، لأن الانتهاكات ضد البشرية تمس البشرية جمعاء، وليس فقط السوريين”.
قد يهمك: الطبيب السوري علاء موسى يواجه السجن المؤبد في ألمانيا
إن الأمر المهم في القانون الفرنسي الجديد، ليس المحاكمات بحد ذاتها، وانما تبني الدول الأوربية لملف العدالة، واعتباره الأهم، وأن العدالة لابد أن تحكم المسار السياسي، فلا يمكن التعامل دوليا بعد الآن مع المجرمين الذي لا يزالون على رأس سلطاتهم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.