يزداد تراجع الاقتصاد السوري والأوضاع المعيشية في سوريا، لا سيما في العامين الماضيين، في ظل السياسات الاقتصادية الخاطئة لحكومة دمشق ورفع الدعم الحكومي الأخير عن المواد والسلع الأساسية التي يحتاجها السوريين.

يترافق كل ذلك مع ازدياد المخاطر المحيطة بالسوريين واقتصادهم المتدهور بشكل متزايد خلال السنوات الماضية، وارتفاع نسب البطالة وازدياد نسبة الفقر بين السوريين بشكل مخيف، في الوقت الذي فشلت فيه العقود الاقتصادية الموقعة مع الجانبين الروسي والإيراني في مختلف القطاعات عن توفير السيولة المالية اللازمة لتخفيف من الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، ما يدلل على فشل تلك العقود المبرمة في تحسين الواقع الاقتصادي، ولتؤكد على هيمنة روسية إيرانية دون النظر إلى أي نفع قد يتحقق للمواطن السوري الذي حذرت العديد من التقارير من خطر مجاعة باتت تهدده.

وكان وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارتن غريفيث، قدّر نهاية العام الفائت أعداد السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر بأكثر من 90 بالمئة من إجمالي عدد سكان البلاد، وأشار إلى أن كثيرا منهم يضطر إلى اتخاذ خيارات صعبة للغاية لتغطية نفقاتهم.

لقد انخفض الناتج المحلي الإجمالي إلى ثلث ما كان عليه قبل الأزمة، وارتفعت معدلات البطالة والفقر وتدهور مؤشر الأمن الغذائي، وتم استنزاف رأس المال البشري بسبب تدني خدمات التعليم والصحة، وكذلك الهجرة القسرية لرؤوس الأموال السورية، بالتوازي مع ارتفاع الأسعار بمعدلات عالية وتدهور سعر صرف الليرة السورية، في وقت تعترف فيه حكومة دمشق بضرورة التخلي عن سياسة الدعم الاجتماعي لتغطية عجز الموازنة العامة للدولة.

ليبرز التساؤل الأكبر هنا حول إمكانات تحسين الواقع الاقتصادي السوري، في ظل غياب الحلول السياسية والتوافقات الدولية، وهيمنة إيرانية روسية على الاقتصاد السوري، ومدى تصحيح الواقع الاقتصادي بالاعتماد على الإجراءات المحلية والأدوات الاقتصادية.

أخطاء بالجملة

يعتبر المستشار المالي، رفعت رشيد، أن أخطاء عدة ارتكبتها حكومة دمشق خلال السنوات الماضية، كان أهمها؛ إخفاء حقيقة الوضع الاقتصادي الحقيقي من خلال حجب المؤشرات الاقتصادية، واتخاذ دمشق إجراءات تقليدية لاحتواء التدهور الاقتصادي والمعيشي، دون أي تعامل على أساس خطط طوارئ تتناسب والواقع المتدهور، إلى جانب الاعتماد على سياسات انكماشية في أحيان وتوسعية في أحيان أخرى، “كذلك لا يمكن إغفال دور السياسات الخاطئة للبنك المركزي ما أدى إلى استنزاف احتياطي العملات الأجنبية الذي بلغ 18 مليار دولار”.

في حين يرى الخبير في السياسات الاقتصادية العربية، ياسين المحمدي، أن حكومة دمشق لا بد عليها من تحسين المناخ الاستثماري، وترميم البنية التحتية، وإعادة وتحسين الأداء المصرفي.

ويضيف بالقول “قد تكون أي خطة إصلاحية للواقع الاقتصادي المتدهور متسببة بارتفاع الأسعار، وانخفاض سعر صرف العملة المحلية، لكنها لا بد من أن تؤدي إلى تحسين الاقتصاد الكلي، وخلق فرص العمل وزيادة الإنتاج والتصدير”.

تعاني سوريا بشكل دوري من أزمات في مجال المحروقات والخبز بشكل رئيسي حتى قبل 2011، ويعود ذلك لسوء تقدير الطلب وعمليات التوزيع العشوائية التي تتبعها مؤسسات الحكومة، إلا أن الأزمة الحالية بدت أكثر وضوحا عما ذي قبل، وفق تقرير نشره مركز “جسور للدراسات”.

كذلك أشار التقرير إلى أن نسبة العجز في موازنة 2020 على سبيل المثال قد وصل إلى أكثر من الثلث، ولكن الواقع الفعلي يقول أن جزءا كبيرا من المشاريع المخطط لها لم تنفذ، مما يعني أن العجز الحقيقي كان أكبر من هذه النسبة.

ومقارنة مع الموازنات السورية منذ الاستقلال، كانت موازنة 2021، والتي تمت مناقشتها في أواخر أيلول/سبتمبر 2020، وأقرت بمبلغ إجمالي 8.5 ترليون ليرة، هي الأكبر من حيث قيمتها بالليرة والأقل مقومة بعملة أجنبية.

بينما يعتبر رشيد أن تحسين مناخ الاستثمار يواجه عقبات عدة تتعلق بالبيروقراطية المتجذرة في مؤسسات الدولة السورية، وصعوبة تخفيض كلفة الأعمال وسوء الإدارة الضريبية والجمركية، فضلا عن عدم وجود أسس محددة وشفافة لحل النزاعات التجارية على أساس حكم القانون، وعدم إمكانية تأمين التمويل والبنى التحتية اللازمة بخاصة الكهرباء، ولعل الأبرز من بين هذه العقبات يتجلى بوجود “أمراء الحرب” وسيطرتهم على واجهة القطاع الخاص.

صعوبات عديدة

ويبدو أن إمكانية تحسن الظروف الاقتصادية في الفترة الحالية محدودة أكثر مما هو متوقع، فالمؤشرات الاقتصادية المتدنية والمؤسسات الحكومية المسخرة لخدمة الحرب، وتداعيات فيروس “كورونا”، إضافة إلى أسلوب تعامل حكومة دمشق مع التجار ورجال الأعمال خاصة المقربين منه يؤشر على استمرار هذه المصاعب دون حدوث أي تغيير إيجابي على الوضع الاقتصادي، إلى جانب وجود احتمالية حدوث مزيد من الانخفاض للعملة السورية، كما أن قدرة الحكومة على تأمين مواردها الرئيسية ستكون موضع شك، مما سينعكس على وظائفها الرئيسية، بحسب “جسور للدراسات”.

يتوجب على دمشق ضمن مواردها المالية المتاحة، ضرورة ترميم البنى التحتية من كهرباء وماء ومواصلات واتصالات على حساب ترشيد ما أمكن من الإنفاق العسكري، وذلك لتسهيل الاستثمار وتنشيط الأعمال وخلق فرص العمل، وهذا في الوقت الحالي غير ممكن الحدوث أو البناء على أسس ناضجة لتحقيق التحول الاقتصادي المرتقب لتحسين أوضاع المدنيين، وفق رفعت رشيد.

ويتابع “هناك صعوبات حاليا تواجه قطاعات الصناعة والزراعة، لاسيما وأنها أبرز المجالات التي لا بد للاقتصاد السوري من الاعتماد عليها لتحقيق النقلة النوعية، لا سيما وأن المساحات القابلة للزراعة محدودة، واستصلاح الأراضي غير ممكن لعدة عوامل فنية ولوجستية”.

كما يعتبر المستشار المالي بأن النشاط الاقتصادي في سوريا لا بد له من سياسات مالية ونقدية سليمة، تستند فيها على الشفافية والتنسيق، وتحديد موارد الموازنة العامة للدولة وسبل إنفاقها وتغطية عجزها. “يجب الاعتماد الأكبر على إصدار سندات الخزينة وشهادات الإيداع بالعملات المحلية والأجنبية بدلا من التمويل بالعجز، كما يجب إلغاء جميع الرسوم الجمركية وغير الجمركية على مدخلات الإنتاج الصناعي والزراعي. أعتقد أن كل ذلك صعب التحقيق في ظل الاستمرار على نهج عدم إيجاد سياسات اقتصادية ملائمة”.

دقّت دراسة بحثية نشرت أواخر العام الماضي حول الأمن الغذائي في سوريا ناقوس الخطر، محذرة من أن البلاد تمضي نحو مجاعة استنادا لمجموعة مؤشرات، ما قد يتسبب بتعميق الكارثة الإنسانية التي يكابدها السوريون.

وقال “مركز السياسات وبحوث العمليات” في دراسة جديدة نشرها “معهد الشرق الأوسط للدراسات”، إن الأوضاع الإنسانية في سوريا تستمر بالتدهور، مدفوعة بثلاثة عوامل، فيما تتنامى الحاجة لاتخاذ إجراءات عاجلة لتجنب حدوث مجاعة، حيث يبرز العامل الأول من خلال الجفاف الشديد، ويتمثل العامل الثاني بتدهور الأمن الغذائي، وأما العامل الثالث يبرز من خلال نقص أموال المساعدات الإنسانية الدولية المقدمة إلى السوريين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.