مع تصاعد التوترات بين موسكو وحلف شمال الأطلسي “الناتو” بشأن أوكرانيا، يبدو أن روسيا مصممة أكثر فأكثر على استخدام قواعدها العسكرية في سوريا كوسيلة ضغط على الغرب. ففي الأسابيع الأخيرة، أرسل “الكرملين” طائرات مقاتلة تحمل صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت من طراز “كينجال” وقاذفات استراتيجية طويلة المدى من طراز “توبوليف” إلى قاعدته الجوية في “حميميم” بمحافظة اللاذقية، كجزء من مناوراته في البحر الأبيض المتوسط. وقد تم تنفيذ مناورات كبيرة بالتزامن مع مناورات “الناتو” في هذه المنطقة.

توضح آنا بورشيفسكايا، الخبيرة بالسياسة الروسية في الشرق الأوسط في “معهد واشنطن”، من خلال إجاباتها عن أسئلة صحيفة “لأورينت لوجور” الفرنسية ضمن مادتها المنشورة يوم أمس الاثنين وترجمها موقع “الحل نت”، حول أهمية القواعد العسكرية الروسية في سوريا، ضمن سياق الأزمة الأوكرانية.

-ما مدى أهمية الوجود الروسي في قاعدة حميميم، وفي التواجد البحري في طرطوس بالنسبة لموسكو في سياق تنافسها مع الناتو؟

هذا أمر حيوي من الناحية الاستراتيجية، لأن شرق البحر الأبيض المتوسط ​​كان دائما ساحة رئيسية للمنافسة بين الكرملين والغرب. وقد سعت كل من الإمبراطورية الروسية وروسيا السوفيتية إلى الحصول على موطئ قدم هناك، حيث أدركت موسكو أنها ستكون في وضع أفضل مقابل الغرب على جبهات متعددة إذا كان لها موطئ قدم في هذه المنطقة. وقد استخدمت روسيا بالفعل موقعها في حميميم وطرطوس كنقطة انطلاق لإبراز قوتها على الجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي، وجنوب أوروبا بشكل عام، وشمال إفريقيا، بما في ذلك ليبيا.

-ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه القواعد الجوية والبحرية الروسية في حميميم وطرطوس في الأزمة الحالية في أوكرانيا؟

جاءت زيارة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إلى سوريا مؤخرا، بينما كان “الكرملين” قد أعلن في وقت سابق، في 20 كانون الثاني/يناير الماضي، أن البحرية الروسية ستجري عددا من التدريبات الضخمة التي ستشمل جميع أساطيلها، من المحيط الهادئ إلى المحيط الأطلسي. وبعد فترة وجيزة، نشرت موسكو قاذفات بعيدة المدى وذات قدرة نووية وطائرات مقاتلة تحمل أحدث صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت في قاعدة “حميميم” للمشاركة في التدريبات.
إن نشر صواريخ “كينجال” في سوريا أمر يستحق أن يتم إيلائه أهمية خاصة، حيث يرى المحللون أن موسكو تعتزم إظهار قدرة الجيش الروسي على تهديد مجموعة حاملة الطائرات الأمريكية الضاربة في البحر المتوسط. لكن السياق الأكثر أهمية في هذا الصدد هو الأزمة الأوكرانية، والتي هي من تدبير موسكو بالكامل. ويستخدم الكرملين كل وسائل الضغط لديه، وتموضع روسيا في السواحل السورية في البحر الأبيض المتوسط اليوم ​​يمنحها خيارات إضافية في البحر الأسود للضغط على أوكرانيا.

-تستخدم روسيا قاعدة حميميم منذ تدخلها العسكري في سوريا نهاية عام 2015، بعد عام من ضم الكرملين لشبه جزيرة القرم. فما مدى ارتباط الجبهتين الأوكرانية والسورية؟

أعتقد أن هناك علاقة واضحة بمعنى أن فلاديمير بوتين يشعر بنفسه أكثر جرأة خلال هذه السنوات الحرجة. لقد أرسل فشل الرئيس الأمريكي باراك أوباما في فرض “الخط الأحمر” في سوريا إشارة عالمية بأن الولايات المتحدة لن تتابع تهديداتها. فقام بوتين بضم شبه جزيرة القرم في العام التالي، وتدخل في سوريا بعد ذلك بعام. ومن الواضح أن هذه الأحداث لا تتوقف عند هذا الحد، لكن الرئيس الروسي لا يخوض عادة معارك لا يعتقد أنه قادر على الفوز بها. وقد ساعده الإدراك المستمر للضعف الغربي على الاعتقاد بأنه يمكن أن يفلت من عواقب تدخلاته. وحتى الآن، للأسف، ثبت أن هذا هو الحال في كل من أوكرانيا وسوريا.

-في الأسابيع الأخيرة، ورد أن روسيا كانت حريصة بشكل خاص على إبقاء إيران بعيدة عن موانئ طرطوس واللاذقية، وغضت الطرف عن الغارات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية في سوريا. فهل يرتبط ذلك برغبة روسيا في ضمان سيطرتها على هذه المنطقة، في وقت تتصاعد فيه التوترات في أوكرانيا؟

لقد غضت روسيا الطرف بانتظام عن الغارات الإسرائيلية في سوريا، وهذا ليس بالشيء الجديد. السؤال الأساسي هو أن الأزمة الأوكرانية تمس الجميع، وبالتالي فإن إسرائيل تجد نفسها في موقف صعب تجاه روسيا. فهذه الأخيرة تسيطر بالفعل على الأجواء السورية، وبالتالي تعتمد إسرائيل على الإرادة الروسية لمواصلة عملياتها.

-ستسعى روسيا أيضا إلى ربط موانئ طرطوس واللاذقية بميناء القرم. فما هو الهدف الروسي من مثل هذه المناورة؟

لقد عملت موسكو بالفعل على إنشاء روابط بين شبه جزيرة القرم وقواعدها العسكرية في سوريا، وهذا مستمر منذ عدة سنوات. هدف روسيا هو تعزيز موقعها الاستراتيجي في هذه المنطقة، أي البحر الأسود وبحر قزوين والبحر الأبيض المتوسط​​، حيث سعت تاريخيا إلى تعزيز قواعدها. وبذلك يمكنها ممارسة الضغط على أوكرانيا وعلى أوروبا بأسرها، لاسيما على حلف شمال الأطلسي، دون أن تنسى إبراز قوتها في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

-ما هي استراتيجية بوتين المستقبلية تجاه مواقعه العسكرية في سوريا؟

يبدو أن بوتين يريد الحفاظ على إنجازاته وتوسيعها كلما أمكن ذلك، بشرط ألا يترتب على ذلك تكاليف باهظة، فهذه منصة مفيدة لتسليط الضوء على القوة الروسية في اتجاهات متعددة، وتود موسكو التمسك بها، لذلك ستواصل روسيا، إلى أقصى حد ممكن، السعي وراء منافذ استراتيجية أخرى في المنطقة، كما هو الحال في ليبيا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.