من كوسوفو إلى سوريا، بدأ فلاديمير بوتين، فور وصوله إلى السلطة في موسكو، سلسلة من الهجمات الإجرامية وفرض الانقلابات وزعزعة الاستقرار السياسي.

بحرب شاملة، باستخدام سلاح الجو والدبابات وما يقارب من 20000 جندي، كان الهجوم على أوكرانيا هو سادس تدخل عسكري مباشر لروسيا خارج حدودها منذ وصول فلاديمير بوتين إلى السلطة. ولأكثر من عشرين عاما، ضاعف الرئيس الروسي من الصراعات، وقام بشن حرب تلو الأخرى في مختلف أنحاء العلم، في أوروبا والشرق الأوسط وبطريقة ما في إفريقيا، لإعادة فرض روسيا كقوة عالمية.

كوسوفو

كان بوتين، الخليفة المستقبلي للرئيس بوريس يلتسين، عندما بدأت آخر نزاعات البلقان في عام 1998. ففي كوسوفو، إحدى مقاطعات صربيا آنذاك، ثار الألبان على سلطة الرئيس الصربي سلوبودان ميلوسيفيتش الذي تسبب في تفكك يوغوسلافيا في عام 1989. قام الجيش الصربي بقمع التمرد بشدة، مما أدى إلى مقتل أكثر من 11000 مدني وتشريد مئات الآلاف من السكان. وبعد فشل “الأمم المتحدة” في تنفيذ قراراتها وحظرها، تدخلت قوات “الناتو” في آذار 1999، وبدأت بشن حملة جوية ضد الأراضي الصربية. في حين تم إرسال الجيش الروسي بدوره إلى الميدان لدعم صربيا، كما فعل في صراعات البلقان السابقة، لكن في مواجهة الضغوط الغربية، تراجعت موسكو وقامت بسحب قواتها المسلحة، وتعهدت بالمشاركة في استقرار كوسوفو. وفي تموز/يوليو 1999، تم توقيع اتفاقية في هلسنكي (العاصمة الفنلندية) بين موسكو وواشنطن، تنص على مشاركة روسيا في قوات حفظ السلام في كوسوفو، ثم وافق المقاتلون الألبان بعدها على تسليم أسلحتهم.

الشيشان

كانت هذه هي الحرب الأولى الطويلة بقيادة بوتين، الذي وصل لتوه إلى السلطة وواجه الانفصاليين الشيشان فيما يسميه “عملية مكافحة الإرهاب”. فقد اندلعت حرب أولى بين عامي 1994 و1996 في جمهورية القوقاز آنذاك، بين الانفصاليين والقوات الروسية، بعد ثلاث سنوات من تفكك الاتحاد السوفيتي، حيث أرسلت موسكو 30 ألف جندي لإعادة المقاطعة المتمردة إلى صفها. وفي عام 1995، دخل الجيش الروسي العاصمة غروزني بعد أن قصفها بكثافة. وبذلك احتلت روسيا الشيشان حتى التوقيع في آب 1996 على اتفاقية سلام مع موسكو تفتح الطريق أمام الاستقلال الفعلي لهذه الجمهورية.

وبعد ثلاث سنوات، بدأ الروس في قصف الشيشان من جديد، ودخلت قوات بوتين البلاد في تشرين الأول/أكتوبر 1999 لمواجهة “الإرهابيين الإسلاميين” الشيشان، كما يسميهم بوتين. في شباط 2000، استولت القوات الروسية على غروزني التي كادت أن تدمرت بفعل القصف.

وكانت حصيلة سنوات الحرب هذه فادحة، حيث يقدر الخبراء الألمان عدد الضحايا الشيشان بـ 80000 بين عامي 1999 و 2005. وعلى الجانب الروسي، تشير الأرقام الرسمية إلى مقتل أكثر من 4500 في صفوف القوات الفيدرالية، وقد يصل هذا الرقم إلى خمسة أضعاف، وفقا لبعض التقديرات. ومن عام 1991 إلى عام 1999، غادر أكثر من 250000 روسي الشيشان، وكذلك التتار والإنغوش واليهود. وفي شباط/فبراير 2007، نصب فلاديمير بوتين رمضان قاديروف على رأس السلطة في البلاد.

جورجيا

سيناريو مشابه جدا للسيناريو الحالي في أوكرانيا تم تنفيذه بواسطة بوتين في جورجيا. ففي آب 2008، بعد هجوم مسلح شنته القوات الجورجية على المقاطعات الانفصالية في أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، تدخل الجيش الروسي مدعيا ​​إنقاذ السكان الناطقين بالروسية في هذه المقاطعات التي ستكون فيما بعد مهددة بـ “إبادة جماعية”.

وقد برر بوتين العملية آنذاك بالحاجة إلى مواجهة ما سماه بـ “السياسة الإجرامية” لجورجيا، داعيا إلى تقديم مساعدات دولية عاجلة. بعد خمسة أيام من القتال، وافق المتحاربون على خطة تفاوضت عليها فرنسا، والتي تولت بعد ذلك الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي. وبعد إرسال برنارد كوشنير، وزير الخارجية الفرنسية حينها، إلى العاصمة الجورجية، ذهب نيكولا ساركوزي إلى موسكو وتبليسي وتفاخر بنجاحه الدبلوماسي الذي كان يرى أنه مكنه من وقف تقدم الجيش الروسي. وفي الواقع، أتاح تدخل فرنسا والاتحاد الأوروبي قبل كل شيء المصادقة السياسية على انتصار روسيا العسكري وسيطرتها على أراضي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، أي 20 بالمئة من الأراضي الجورجية.

شبه جزيرة القرم ودونباس

أكثر من مجرد حرب، لقد كان انقلابا قويا فرضه بوتين على العالم في عام 2014، ليضع يديه على شبه جزيرة البحر الأسود الاستراتيجية، التي كانت تابعة لأوكرانيا. وبدأت العملية في اليوم التالي لقمع الثورة الأوكرانية في شباط 2014 وإقالة الرئيس الموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش. ولاعتباره الحكومة الأوكرانية الجديدة “غير شرعية”، نشر بوتين الجيش الروسي على طول الحدود وفي شبه جزيرة القرم. ادعت موسكو بأنها “قوات دفاع عن النفس محلية”، ليعلن برلمان القرم استقلال “جمهورية القرم ذات الحكم الذاتي”. وتم تنظيم استفتاء على عجل في 16 آذار/مارس 2014، في شبه الجزيرة التي يسكنها بشكل أساسي الروس الذين يطالبون بالانضمام إلى الاتحاد الروسي. وبذلك، تعين على الحكومة الأوكرانية سحب قواتها من القرم في انتظار رد فعل دولي والذي لم يتجاوز إدانة شفهية بالإجماع وعدم الاعتراف بالأمر الواقع لهذا الضم.

سوريا منذ العام 2015

كشفت الحرب السورية رغبة روسيا في إظهار قوتها العسكرية بعيدا عن حدودها. فبعد ضمان دعم سياسي ودبلوماسي قوي لحكومة دمشق.

زعمت روسيا التدخل ضد تنظيم “داعش”، “بناء على طلب الحكومة السورية” في 30 أيلول/سبتمبر 2015. خلال أشهر من القصف الجوي المكثف على المناطق التي تسيطر عليها فصائل المعارضة.

اتفق فلاديمير بوتين، لاحقا، مع إيران ومع تركيا على بسط نفوذهم على البلاد، لاسيما وأن الدول الغربية آنذاك فقدت الاهتمام بسوريا، خاصة بعد هزيمة تنظيم “داعش” الإرهابي، بحسب ما أفاد به تقرير لصحيفة “ليبراسيون” الفرنسية، وترجمه موقع “الحل نت”.

في حين وبالرغم من نفيها التدخلات في إفريقيا، بالإضافة إلى هذه الحروب التي أعلنها جيشها صراحة وعلنا، فقد تورطت روسيا عسكريا في عدة نزاعات بعيدة عن حدودها. يستخدم فلاديمير بوتين مرتزقة من مجموعة “فاغنر” للقيام بذلك، وهي شركة يديرها أحد أقرب مساعديه ومرتبط مباشرة بـ “الكرملين”. وقد ظهرت هذه الميليشيات في العديد من مسارح العمليات العسكرية التي شاركت فيها عدة قوى دولية، بما في ذلك ليبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى ومالي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.