تسعى الحكومة السورية، مستغلة أي مناسبة لمحاولة الالتفاف على الأوضاع الاقتصادية والسياسية المتردية في البلاد، حيث تعمد إلى البحث عن أي زاوية تمكنها من العمل على الخلاص من العقوبات وإعادة الإعمار.

ومع تعنت دمشق، في الوصول لحل سياسي، وفق القرار الأممي 2254، القاضي بتشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات، والفشل في عمل اللجنة الدستورية، وحتى معارضة مقاربة المبعوث الأممي بيدرسن الأخيرة “خطوة مقابل خطوة”، فقد اتجهت لإعادة فتح ملف اللامركزية الإدارية بالتوازي مع الحديث عن إعادة الإعمار.

ففي لقاء عقده وزير الإدارة المحلية والبيئة، في الحكومة السورية، حسين مخلوف، قبل يومين، مع رؤساء المجالس المحلية والمكاتب التنفيذية في محافظة السويداء، دعا إلى إعادة النظر في الاستثمارات القائمة وفتح استثمارات جديدة، والتشجيع على المشاريع الصغيرة وغيرها من الاستثمارات، للانطلاق من الاستهلاك إلى الإنتاج على مستوى المجالس المحلية والوحدات الإدارية وفق مصادر محلية.

وأضاف مخلوف، أن المجالس المحلية مسؤولة عما يدور في قطاع عملها بمختلف أنواع الخدمات ومراقبة الأسعار والحفاظ على حقوق الناس داعياً للتواصل والتشبيك مع المجتمع لما فيه خير الأهالي.

ما هي اللامركزية الإدارية

تختلف اللامركزية الإدارية من بلد لآخر، تبعا للاستراتيجيات المتبعة من طرف الدول، وتطبق بعض الدول في إداراتها التنموية وحتى السياسية، أساليب إدارة مركزية أو لامركزية أو الاثنين معا.

وتعرف اللامركزية الإدارية، بأنها، ” أي فعل تقوم الحكومة عبره بنقل السلطة والمسؤولية رسميا إلى فاعلين ومؤسسات على مستوى أدنى في تراتبية سياسية وإدارية ومناطقية”، وبمعنى آخر هي عملية ترمي إلى نقل أنشطة اقتصادية وخدمية من منطقة مركزية مسيطرة إلى أقاليم قليلة النمو.

ويخضع تطبيق اللامركزية إلى وجود بعض الشروط الضرورية، ومنها، وجود مصالح محلية ذاتية تتمتع بالشخصية المعنوية، و تنظيم مجالس إدارية محلية مستقلة تنتخب من بين الناخبين المسجلين في المنطقة ومن قبل هؤلاء الناخبين، وألا تخضع أجهزة السلطة المحلية لرقابة صارمة من قبل السلطة المركزية.

إقرأ:ملفات إعادة الإعمار وعودة اللاجئين تتحكم بالتطبيع مع الأسد؟

فرص تطبيق اللامركزية الإدارية في سوريا

أصدر الرئيس السوري، بشار الأسد، في آب/أغسطس 2011، المرسوم التشريعي رقم 107، والمتضمن لقانون الإدارة المحلية، والذي ينص على تطبيق اللامركزية الإدارية بالنسبة لمجالس المحافظات، والمجالس المحلية، ولكن في الحقيقة، هو ليس قانون ينص على اللامركزية الإدارية بشكل كامل.

فهو ينص، حسب الخبير في الحوكمة، مظهر شربجي، خلال حديثه لموقع “الحل نت”، على أنه إذا صدر أي قرار من مجلس محلي، أو مجلس محافظة، فيجب إعادة القرار إلى المحافظ لاعتماده، أو إلى الوزير المختص، حسب نوع القرار، أي أن القانون بالنهاية يعيد الأمور إلى المركزية.

ويضيف شربجي، أن هذا القانون بحاجة للتطوير، وإزالة كل ما يتعلق بالسلطة المركزية، طبعا دون أن يتم فصلها تماما عن الإدارات اللامركزية، ولكن بحيث أن يكون لها دور في التوجيه والإرشاد والمراقبة، ودون التدخل في عمل المجالس، فاللامركزية، تقوم على نقل الصلاحيات من المركز للفروع.

وقد حظيت الصيغة المستقبلية للحوكمة في سوريا، باهتمام كبير خلال فترة الأزمة السورية، وبعد صدور المرسوم 107 لعام 2011، ابتكر الناشطون السوريون في مناطق المعارضة مجالس وفق هيكلية لامركزية أثبتت نجاحها في بعض المناطق كغوطة دمشق، حيث جرى انتخابها بشكل حر، ومنعت هذه المجالس السلطات المحلية الممثلة بالمعارضة المسلحة آنذاك التدخل فيها.

لكن بعد العام 2016، بدأت الحكومة السورية باستعادة السيطرة على الأراضي السورية، مع إغفال كامل لتطبيق المرسوم 107، حتى في الانتخابات المحلية الأخيرة عام 2018 لم يكن هناك تطبيق لفكرة اللامركزية الإدارية التي نادى بها القانون.

ويرى شربجي، أنه منذ صدور القانون 107، وحتى الآن لم يصدر أي قرار ينص على تطبيق هذا القانون، وحتى الآن لا تزال قوائم المرشحين الأساسيين، تضم ممثلي الجبهة الوطنية التقدمية، وحزب البعث، ويجب أن يكون رئيس المجلس المحلي بعثيا، فما جرى لم يكن سوى كلام نظري، حتى في مجال الصلاحيات، فعلى سبيل المثال، لا يملك رئيس مجلس المحافظة أي صلاحيات، إنما كل الصلاحيات بيد المحافظ وحده.

وأشار شربجي، إلى أن النظام الانتخابي للمجالس المحلية لا يزال يتم وفق نفس الطريقة السائدة منذ عقود، إضافة إلى وجود مناطق تم تهجير أهلها بعد 2011، وهذه لا يوجد فيها انتخابات أصلا، وإنما يتم تعيين مجالسها، وهذا أيضا مخالف للقانون.

وأكد شربجي، أنه في النهاية، لا يمكن تطبيق اللامركزية الإدارية في سوريا، إلا بانتقال سياسي كامل وفق القرار الأممي 2254،ووفق دستور جديد.

اللامركزية وإعادة الإعمار وحوارات الحكومة

حاولت الحكومة السورية الطرق على بوابةإعادة الإعمار مرارا، وفي دعوات كثيرة، لتصطدم دائما بالرفض الغربي، الذي يشترط حدوث انتقال سياسي حقيقي يرضي كل السوريين.

ولذلك جاء لقاء الوزير مخلوف في السويداء كمحاولة للإشارة إلى إعادة الإعمار من خلال الحديث عن الاستثمارات القائمة، وجلب استثمارات جديدة، حاصرفكرة إعادة الإعمار بمشاريع محلية صغيرة، في حين أن إعادة الإعمار تحتاج لجهد دولي في تنظيم مشاريع متكاملة لإعادة إعمار ما دمرته الحرب.

وحسب مظهر شربجي، فقد حاول مخلوف الالتفاف على الاحتجاجات الشعبية الأخيرة في السويداء، من خلال حديثه عن المشاريع، ومن خلال منح بعض الصلاحيات لبعض المسؤولين المحليين، وذلك كعادة الحكومة تمنحها بيد وتصادرها باليد الأخرى بعد فترة.

وبالنسبة لإعادة الإعمار، يرى شربجي، أن دمشق تحاول استجداء الأموال لإعادة الإعمار، ولكن لن يكون بمقدورها جلب الأموال اللازمة، حتى الدول الصديقة لسوريا لا يمكنها الدخول في مشاريع إعادة الإعمار في ظل العقوبات الحالية، مشيرا إلى أن ملف إعادة الإعمار لن يفتح إلا بعد تطبيق القرار 2254.

ولفت شربجي، إلى أن الحكومة السورية، وحلفاءها الروس يطلقون شعارات تطبيق اللامركزية، ولكن دون أن يتم العمل عليها فعليا، متسائلا، عمن يمكنه منع الأجهزة الأمنية من التدخل في كل شيء، وقبولها أصلا بتطبيق نظام إداري لامركزي.

وحتى في حورات الحكومة مع الإدارة الذاتية، فيرى شربجي أن دمشق تحاورها من أجل مصالح لها فقط في شمال وشمال شرق سوريا، ولا يعني هذا قبولا من دمشق بأن تكون مناطق سيطرة الإدارة الذاتية مناطق لامركزية، فدمشق لا تقبل إلا أن تكون كل السلطات بيدها حصرا.

قد يهمك:إعادة الإعمار في سوريا.. هل تُجبر بوتين على تسوية سياسية دولية؟

إذا إن روح القانون 107 لعام 2011، في حال تطبيقه سيكون وفق منح الرئيس، إن كان رئيس مجلس محافظة، أو رئيس مجلس محلي، سلطات مطلقة، تعتبر كالسلطة المركزية، وهذا ما ينافي فكرة اللامركزية الإدارية التي تدار الأمور فيها بطريقة ديمقراطية

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.