ربما تشير الضربات التي شنها الحرس الثوري الإيراني مؤخرا إلى أن إيران تزداد جرأة ورغبة في الرد المباشر بالصواريخ الباليستية على خصومها في المنطقة.
 

فقد أطلقت إيران ما يقارب من 12 صاروخا باليستيا من طراز “فاتح -110” على أهداف في أربيل شمال العراق، بالقرب من مجمع القنصلية الأميركية يوم الأحد الماضي 13 آذار. حيث أسفر الهجوم عن إصابة شخصين على الأقل وإلحاق أضرار جسيمة بعدد من السيارات والممتلكات، بما في ذلك غرفة الأخبار في قناة “كردستان 24”.

ووفق تقرير لمجلة “ناشيونال إنترست” وترجمه موقع “الحل نت” فإن هذا الهجوم أثار المخاوف بشأن تصعيد إضافي وسط الجهود المتعثرة لإحياء الاتفاق النووي، والمعروف رسميا باسم “خطة العمل الشاملة المشتركة”.  

وفي إعلانه عن مسؤوليته عن الهجوم، أعلن “الحرس الثوري” الإيراني، أنه استهدف “المركز الاستراتيجي للمؤامرة الصهيونية والشر” في أربيل ردا على غارة إسرائيلية قتلت ضابطين من “الحرس الثوري” الإيراني في دمشق في السابع من شهر آذار الجاري. وتعهد “الحرس الثوري” بالرد “بضربات قاسية وحاسمة ومدمرة” ضد أي من الإجراءات “المغامرة والحاقدة” الإضافية. 

وفي وقت لاحق من إعلان المسؤولية عن الهجوم، بدأت وسائل الإعلام الموالية لإيران بالادعاء بأن هجوم “الحرس الثوري” الإيراني على أربيل، أسفر عن قتل وجرح العديد من أعضاء “الموساد” الإسرائيلي، وأن الهجوم جاء ردا على هجوم إسرائيلي بطائرة مسيرة في 14 شباط نفذته في إقليم كردستان العراق. وفي تصريحات لوسائل إعلام، نفى محافظ أربيل أن إسرائيل كانت موجودة في إقليم كردستان العراق، إلا أن صحيفة الواشنطن بوست ذكرت في تقرير لها أن المسؤولين الأمريكيين يعتقدون أن الحرس الثوري الإيراني استهدف منازل “يُشتبه أن خلية للموساد تعمل فيها”. وبالرغم من مزاعم التدخل الأجنبي المحتمل في العراق، وصف الرئيس العراقي برهم صالح الهجوم بأنه “عمل إرهابي”، واستدعت وزارة الخارجية العراقية السفير الإيراني احتجاجا على ذلك.  

لقد أصبحت إيران خلال السنوات الأخيرة أكثر حساسية للوجود الإسرائيلي، لاسيما منذ اغتيال الولايات المتحدة القائد السابق لـ “فيلق القدس” التابع لـ “الحرس الثوري” الإيراني قاسم سليماني في كانون الثاني/يناير 2020.
 

ومع ذلك، تشكل نوايا إيران لتحدي الوجود الإسرائيلي المزعوم في العراق مخاطر بالنسبة للولايات المتحدة. ففي أعقاب الهجوم الصاروخي الباليستي الأخير، أصدر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس، بيانا وصف فيه الهجوم بأنه “انتهاك شائن لسيادة العراق”، إلا أنه أشار إلى “عدم وجود مؤشرات تفيد بأن الهجوم موجه للولايات المتحدة”. وكذلك قال مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، في تصريحات صحفية لـ “شبكة سي بي سي” أنه “لم يصب أي مواطن أمريكي… ولم تُستهدف الصواريخ أية منشآت أمريكية”. 

هذا ويضيف تقرير المجلة الأميركية بضرورة الاهتمام بهذه التصريحات لسببين: أولا، بأنها تشير إلى تقدم قدرات إيران الصاروخية الآن لدرجة أن “الحرس الثوري” الإيراني قادر على أن يدمر أهدافا قريبة من الأميركيين بدقة ودون التسبب بأضرار جانبية غير مرغوب فيها أو تدمير الدفاعات الصاروخية الأمريكية بشكل موثوق. ثانيا، أظهرت إيران قدرا ملحوظا من ضبط النفس في الرد على العدوان الملموس، وخلقت مساحة لكل من الانتقام وخفض التصعيد اللاحق.  

وفي حين أن كبار القادة العسكريين الأميركيين كانوا سابقا قد أقروا بهذه الحقيقة، بعد أن شنت إيران هجمات صاروخية انتقامية في أعقاب مقتل سليماني على قاعدة جوية أميركية عراقية مشتركة، الأمر الذي أدى إلى إصابة أكثر من 100 جندي أميركي وليس قتلهم، فإن الهجوم بالصواريخ الباليستية الذي شنته مؤخرا جاء كدليل آخر على قدرات ونوايا إيران.  


ومع ذلك، قد تشير ضربات “الحرس الثوري” أيضا إلى أن إيران تزداد جرأة واستعدادا للرد المباشر بالصواريخ الباليستية ضد خصومها. فبحسب جون كرزيزانيك، الباحث المشارك في “المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية”، فإن إيران استهدفت مواقع في سوريا والعراق بالصواريخ الباليستية ستة مرات منذ العام 2001، جاءت خمسة من تلك الحالات بعد العام 2017. لكن من غير الواضح سبب اعتماد إيران الآن على صواريخها الباليستية في كثير من الأحيان، مع وجود خيارات متعددة غير متكافئة للرد على العدوان الملموس. 

لا تعتبر هذه الأخبار سارة بالنسبة للولايات المتحدة، التي سعت منذ فترة طويلة إلى تجنب الانجرار نحو الصراع الإيراني الإسرائيلي، حتى في الوقت الذي ألقت فيه بثقلها خلف إسرائيل وقصفت بين الحين والآخر الأصول العسكرية الإيرانية. فعلى سبيل المثال، عرضت إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، مثل هذا الدعم المكثف للحرب الجوية الإسرائيلية ضد النفوذ العسكري الإيراني في سوريا، بحسب صحيفة “جيروزالم بوست”. كذلك كان وزير الدفاع جيمس ماتيس، قلقا من ارتداد الأعمال الإسرائيلية على الولايات المتحدة. وبالرغم من أن الرئيس جو بايدن أمر أيضا بشن غارات جوية على الميليشيات المدعومة من إيران، كان آخرها في سوريا في شباط 2021، إلا أنه من غير الواضح ما إذا كانت إدارته قد حافظت على دعم أسلافه الراسخ للعمليات العسكرية الإسرائيلية.  

من المؤكد أن التوترات الثلاثية بين الولايات المتحدة وإيران وإسرائيل، أدت إلى تعقيد جهود واشنطن وطهران المضنية لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة. كما لا تزال الحكومة الإسرائيلية تعارض بشدة إعادة الاتفاق، الأمر الذي يؤدي إلى استمرار عداءها حتى مع تولي حكومة جديدة زمام الأمور في الكنيست في القدس، وبالرغم من تدفق الحلول الشافية من قبل مسؤولي الأمن الإسرائيليين السابقين بأن الصفقة تبقى في إطار المصلحة الوطنية لإسرائيل. فقد استخف رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، الشهر الماضي بالاتفاق النووي الوشيك لكونه “أضعف” مما كان عليه في السابق، بينما أشار سلفه بنيامين نتنياهو، إلى هجوم 13 آذار على أربيل كسبب آخر لعدم إمكانية الوثوق بإيران والتزامها المحتمل نحو خطة العمل الشاملة المشتركة.
 

ولحسن حظ نتنياهو، فإن هناك مخاوف من أن موسكو قد تحاول أخذ محادثات خطة العمل الشاملة المشتركة كرهينة من أجل جني الفوائد من “خرق العقوبات”، أو الاستفادة من هذه الخطة كورقة مساومة للتوصل إلى اتفاق مع الغرب بشأن أوكرانيا. 

ولكن بغض النظر عن دوافع موسكو، فقد توقفت المفاوضات وأصبحت إيران والولايات المتحدة في حالة من السكتة الدماغية. ففي واقع الأمر، على الرغم من حرص إيران على عدم تعريض علاقاتها الوثيقة مع روسيا للخطر، أعلن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، أنه “لن نسمح لأي عوامل خارجية بالتأثير على مصالحنا الوطنية” وطلب “توضيحا” من روسيا على موقفها. وكان رد الفعل في واشنطن أكثر جرأة، فقد رفض المسؤولون الأميركيون بشدة مطالب روسيا “غير ذات الصلة”، وهددوا باستبعاد موسكو من خلال استكشاف حلول بديلة إذا لم يتراجع الروس. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.