عقوبات قانون قيصر: هل ستتضرر الحكومة السورية من رفع العقوبات عن الشمال السوري؟

عقوبات قانون قيصر: هل ستتضرر الحكومة السورية من رفع العقوبات عن الشمال السوري؟

تعتبر عقوبات قانون قيصر إحدى أهم أسباب الأزمات الاقتصادية، التي تعاني منها مناطق سيطرة الحكومة السورية، والتي تزايدت بشكل كبير بعد الغزو الروسي لأوكرانيا. وتدرس الولايات المتحدة مؤخرا استثناء مناطق في الشمال السوري، تقع تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد” والمعارضة السورية، من العقوبات. فيما تحاول حكومة دمشق كسب التعاطف والتأييد على المستويين الإقليمي والدولي، من خلال الحديث عن مخطط أميركي لتقسيم سوريا.

ونقلت صحيفة الوطن الموالية للحكومة السورية، عن ما أسمته مصادر مطلعة على مجريات الأمور في مناطق شمال وشمال شرق سوريا، أن “عزم الإدارة الأميركية استثناء تلك المناطق، التي تسيطر عليها ميلشيات قوات سورية الديمقراطية الانفصالية الموالية لواشنطن، وميليشيات ممولة من النظام التركي، من العقوبات الأميركية، التي نص عليها ما يسمى قانون قيصر ضد شركات خاصة ومستثمرين، ما هو إلا محاولة للهروب إلى الأمام من استحقاقات إيجاد حل مستدام للأزمة السورية، يضمن وحدة أراضي سوريا وإحلال الأمن والاستقرار فيها. والهدف منه إذكاء النزعات الانفصالية، وشرعنة تهريب النفط السوري المسروق”. حسب ما ورد في الصحيفة.

كما أشارت “الوطن”، نقلا عن المصادر ذاتها، إلى وجود “معوقات عملياتية ولوجستية، ستمنع استفادة الإدارة الذاتية من مبادرة فريق بايدن على الأرض. منها حدود مناطق هيمنتها المغلقة مع دول الجوار، باستثناء معبر سيمالكا الضيق مع مناطق إقليم كردستان العراق. وعدم وجود عملة خاصة بها، أو اعتمادها عملات أجنبية مثل الدولار واليورو. إضافة إلى غضب النظام التركي من تشجيع الخطوة، التي تحرض على الانفصال، وانعكاساتها على الداخل التركي”.

من جهتها نشرت وزارة الخارجية السورية بيانا رسميا، على صفحتها في موقع فيس بوك، قالت فيه إن استثناء مناطق في الشمال السوري من عقوبات قانون قيصر “مجرد خديعة أميركية رخيصة للشرعية الدولية، والقيم التي تنادي بها الأمم المتحدة في كل قراراتها ذات الصلة بسوريا”.

فما الغايات الفعلية لحكومة دمشق من معارضة استثناء الشمال السوري من عقوبات قانون قيصر؟ وهل يتعارض هذا الاستثناء مع آمال تعقدها الحكومة السورية حول سلسلة من المكاسب الواسعة، المتعلقة بعقود إعادة الإعمار، واستمرار تدفق النفط السوري، وبسط السيطرة العسكرية على كامل الأراضي السورية؟

خنق الحكومة السورية اقتصاديا عبر استثناء الشمال من العقوبات

“تعتبر حكومة دمشق بأن رفع عقوبات قانون قيصر عن الشمال السوري رسالة قاسية وقوية توجهها واشنطن، مفادها إصرارها على دعم المناطق السورية الخارجة عن سيطرتها”، وفقا لأيمن عبد النور، مدير موقع “كلنا شركاء” المعارض، الذي يضيف، في حديثه لـ”الحل نت”، أن “الحكومة السورية تدرك أن هذه الخطوة ستؤدي إلى انتعاش اقتصادي وخلق فرص عمل في الشمال السوري، ما سيخلق متاعب كبيرة بالنسبة لها. لاسيما لدى مقارنة مواطنيها الأوضاع الكارثية التي يعيشونها بما ستؤول إليه المناطق الخارجة عن سيطرة حكومة دمشق من ازدهار اقتصادي”.

محمد العبد الله، الباحث في مركز عمران للدراسات، يرى أن “خطوة الإدارة الأميركية برفع العقوبات عن الشمال ستعرقل مخطط الحكومة السورية المستقبلي للسيطرة على عملية إعادة الإعمار، التي تعول على عقودها المربحة لإعادة إحياء اقتصادها المتدهور بشكل حاد”.

ويضيف العبد الله، في حديثه لـ”الحل نت”، أن “حكومة دمشق بذلت جهودا ضخمة في سبيل الاستفادة من عملية إعادة الإعمار، أبرزها وضع استراتيجيتها الخاصة في هذا المجال، وتكييف جميع القوانين ذات الصلة لمصلحتها، إلى جانب تأسيس عديد من الشركات المرتبطة بالمحسوبين عليها، للاستيلاء على الجزء الأكبر من عقود إعادة الإعمار. وبالتالي قد يُبطل استثناء الشمال من عقوبات قيصر ادعاءاتها بالحق في السيطرة على كامل الأراضي السورية، وسيجعل لها شركاء سوريين آخرين في عملية إعادة الإعمار. ويؤشر إلى نية الولايات المتحدة بالشروع في العملية بالتعاون مع الكيانات الحوكمية القائمة في مناطق الشمال السوري، بل وإعادة تأهيلها لهذا الغرض”.

مصير النفط بعد رفع عقوبات قانون قيصر

وحول إمكانية توقف شحنات النفط، التي كانت تمرر بشكل متقطع من مناطق شرقي الفرات نحو مناطق سيطرة حكومة دمشق، يرى أيمن عبد النور أن “قسد استبقت القرار المتعلق برفع عقوبات قانون قيصر بإنشاء مصفاة لتكرير النفط، بإمكانها تكرير ثلاثة آلاف برميل يوميا، تمهيدا لتقليص اعتمادها على المصافي الكبيرة، التي تمتلكها الحكومة السورية، والتي كانت تشكل حافزا لقسد لعقد صفقات تمرير شحنات النفط نحو المناطق التي تسيطر عليها حكومة دمشق”. مشيرا إلى أن “تخفيف اعتماد قسد على تكرير النفط الخام في مصافي بانياس يعني تقليص حجم النفط المورّد نحو مناطق الحكومة السورية”.

أما الباحث محمد العبد الله فيتوقع “حدوث توقف تدريجي لشحنات النفط من مناطق الإدارة الذاتية نحو مناطق الحكومة السورية، لإنجاح خطوة الولايات المتحدة لعزل تلك الحكومة اقتصاديا، وتفكيك الشبكات التي كانت تتولى توريد النفط. وإذا تم رفع عقوبات قانون قيصر عن مناطق قسد فسيصبح بإمكانها تصدير شحنات النفط عبر إقليم كردستان بشكل رسمي”.

هل يمكن لقسد الاستفادة فعلا من رفع العقوبات؟

ولكن لأي مدى يمكن للقوى المسيطرة على الشمال السوري، وخاصة قسد، الاستفادة من رفع عقوبات قانون قيصر؟

العبد الله يؤكد أن “هذا مرهون بمدى التوصّل إلى تفاهمات سياسية وأمنية واقتصادية مع أنقرة وإقليم كردستان. وتدرك الحكومة في دمشق أن التوصل إلى مثل تلك التفاهمات سيكون عاملا مقوضا لاستقرار مناطقها. التي يمكن أن تحصل انزياحات سكانية كبيرة منها إلى مناطق الشمال، التي ستشهد حالة من الانتعاش الاقتصادي”.

مقالات قد تهمك: لا تلوموا قانون قيصر.. بل الدّولة القيصريّة

مختتما حديثه بالقول: “في المجمل تسعى الولايات المتحدة، من خلال التفكير برفع عقوبات قانون قيصر عن الشمال السوري، إلى ممارسة مزيد من الضغوط الاقتصادية على حكومة دمشق، من خلال محاولة حصارها، وقطع سبل إمدادها عبر التشابكات القائمة بين مناطق النفوذ. علّ ذلك يثمر في كسر حالة الجمود في الملف السوري. لكن كل هذا مرهون بمدى قدرة الولايات المتحدة على فرض نفوذها، لمنع التبادلات التجارية بين مناطق النفوذ المختلفة في سوريا”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.