لم يتشكّل في سوريا منذ استيلاء آل الأسد عليها، اقتصادٌ حقيقي سواء كان حراً ليبرالياً، أو مركزياً اشتراكياً، أو حتى مزيجاً بينهما فيما عرف في عصر الأسد الابن باقتصاد السوق الاجتماعي. الاقتصاد كان دائماً قطاعاً تحتكره ثلة صغيرة من ضمن دائرة الحكم أو المقربين منها.

القطاع العام (الخاسر دائماً) كان وسيلةً لتكديس أفراد السلطة للثروات، توظّف عبره السلطة من تريد وتطرد منه من تشاء، وتكافئ المقربين الطامعين بنهبه ليكونوا إداريين فيه.

القطاع الخاص في الطاقة، الاتصالات، السياحة والإعلانات، كان حكراً على أفراد الطغمة الحاكمة الناهبين للقطاع العام الذين أثْروا عبره، كذلك الأمر بالنسبة للاستيراد والتصدير، فهي أنشطةٌ لا يُسمح بممارستهما إلا لمن يسبحون في فلك النظام الحاكم.

هذه هي حال الاقتصاد السوري قُبيل تحطّم دولة سوريا الأسد مع اندلاع الثورة السورية. اقتصادٌ غير مبني على التنافسية، أو حتى على القطاع العام الذي ينظّم السوق ويمنع المضاربة بين أصحاب رؤوس الأموال من استغلال المواطنين.

عندما تتعرّض الدول المتقدمة للأزمات، يتعاضد مثلث الحكومة، الاقتصاد، والمجتمع المدني لتعويض الأضرار الناجمة، في المثال السوري والذي تسيطر فيه السلطة على الحكومة، والاقتصاد، والمجتمع المدني المفترض، ينهار كل هؤلاء، كي تحيا السلطة.

بعد سنة ٢٠١١، و مع فقدان النظام لكثير من المناطق في سوريا، استُنزِفت خزينة الدولة من القطع الأجنبي المطلوب من أجل استيراد السلاح والنفط والمنتجات الغذائية، و روسيا اليوم ليست اتحاداً سوفيتياً يقرض ويسامح، بل هي تاجر جشع يطالب بالدفعات المسبقة.

الثروات لم تعد حكراً على آل الأسد، فصارت مشاعاً تمتلكه أي قوى تسيطر على أماكن الثروات واليوم خسر الأسد 80% من الثروات الباطنية و 60% من الثروات الزراعية. رؤوس الأموال غير معتادة على دعم الدولة أو قطاعات مدنية تقدم الخدمات، بل على نهب الدولة، فكان من الطبيعي أن تُهرّب أموالها وأن تستنزف القطع الأجنبي في البلاد.

 لا يوجد قطاع إنتاج محلي يُعوّض السوق المحلية عن المستورد الذي يحتاج للعملة الصعبة، فالعقلية الأمنية العاملة بمبدأ الأسد أو نحرق البلد؛ دمّرت المعامل وولّدت فوضى مكّنت عبرها عصابات اللصوص وتجار الحروب الذين انقضوا على ما تبقى من خطوط إنتاج خاصة في حلب ليباع في أسواق النحاس والخردة.

لاشك أن العقوبات التي يتحجج بها النظام لعبت دوراً مهماً في تأزيم الوضع، لكن العامل الأهم هو تعامل السلطة مع سوريا ما قبل الحرب الأهلية وخلالها. واستمرار العمل بطريقة النعامة عبر وضعِ الرأس بالرمال لتجاهل الواقع الاقتصادي الحالي الذي أوصل سوريا إلى ما هي إليه اليوم من فقر وفاقة.

 ليس المطلوب من النظام أن يُقدّم التنازلات، فانحدار منزلته عن حال ما قبل ٢٠١١، هي واقع معاش، بين شمال غربي تمنعه تركيا، وبمباركة روسية من الاقتراب منه، وشمال شرقي، محظور عليه من أميركا وقوات سوريا الديمقراطية، وداخل سوري يحكمه بالاسم و تتقاسمه معه ميليشيات ورؤوس صار من الصعب عليه أن يحطمها.

المطلوب من النظام هو الاعتراف بخسارته للحرب، كما كل الأطراف، فالحروب الأهلية لا رابح فيها، وهذا الاعتراف يعني اعترافاً بالواقع الجديد المعاش هذا وحده من سينقذ سوريا وليس وضع اللوم على العقوبات تارة، وعلى قوات سوريا الديمقراطية تارة أخرى.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.