ازدياد نسبة الفقر في سوريا مع ارتفاع الأسعار المستمر

ازدياد نسبة الفقر في سوريا مع ارتفاع الأسعار المستمر

تزداد حالات الفقر بين السوريين في وقت تشهد فيه أسعار المواد الغذائية وغيرها من السلع والخدمات المقدمة للسوريين ارتفاعا غير مسبوقا، ما ينذر بكارثة اقتصادية قد تحل على نسبة كبيرة من السوريين، سيما وأن القدرة الشرائية لديهم في أدنى مستوياتها منذ سنوات طويلة.

هذا ولم يعد يخفى على أحد أن الوضع الاقتصادي في سوريا بات سيئا للغاية خلال السنوات الأخيرة، ما فاقم من صعوبة تلقي ارتفاع الأسعار المتزايد في الأسواق السورية، في ظل سياسة التخلي التدريجي لدمشق عن الدعم الحكومي، وبقاء الوضع الاقتصادي المتدهور على ما هو عليه، وسعر صرف متدني لليرة السورية.

هل من حلول؟

لا حلول اقتصادية تلوح في الأفق خلال الفترة المقبلة ولا يمكن أن تنجز أية قفزات إيجابية للوضع الاقتصادي، وفق رأي المحلل الاقتصادي، صبحي فريحات، الذي أشار خلال حديثه لـ”الحل نت” بأنه وفي ظل استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، يتلاشى الأمل بأي انتعاشة اقتصادية للمواطنين في ظل غياب اعتماد العديد من الأسر السورية على الدعم الحكومي المقدم لعدد من السلع والخدمات الأساسية. حيث بات ذلك مهددا مع القرارات الحكومية الأخيرة القاضية بزيادة أسعار السلع المدعومة، والحديث المتزايد عن إمكانية إعادة النظر ببعض أوجه ذلك الدعم.

منذ مطلع شهر شباط/فبراير الماضي بدأت حكومة دمشق استبعاد مئات الآلاف من الأسر السورية من الدعم، حيث كشفت مصادر حكومية عن إيقاف الدعم عن نصف مليون أسرة كمرحلة أولى، ضمن ما وصفته بتحويل الدعم إلى الفئات الأكثر ضعفا وهشاشة من السوريين.

ووفق تصريح فاديا سليمان معاونة وزير الاتصالات السوري، فإن 596 ألفا و628 عائلة استبعدت من الدعم الحكومي، وتوقف العمل بالبطاقة الذكية التي يحملونها.

وحسب سليمان، فإن أبرز الفئات التي سيوقف عنها الدعم تشمل أصحاب السيارات الخاصة التي تتجاوز سعة محركها 1500 سي سي، وسنة صنعها ما بعد عام 2008، ومالكي أكثر من منزل في محافظة سورية واحدة، والمغتربين السوريين الذين مضى أكثر من عام على مغادرتهم البلاد.

منذ بدء تطبيق وقف الدعم وإلغاء البطاقات الذكية تكشفت العملية عن أخطاء بالجملة (مواقع التواصل)

بعد استبعاد آلاف الأسر من الدعم سيضطر أفرادها إلى شراء الخبز والغاز المنزلي ومازوت التدفئة من السوق السوداء بسعر غير مدعوم، مما يعني تحمل تلك الأسر مبالغ إضافية وفروقا في المصروف الشهري.

ووفق مواطنين وتجار في مناطق سيطرة حكومة دمشق، فقد أصبح سعر ربطة الخبز منذ شباط الماضي 1300 ليرة (0.52 دولار) سورية بدل 250 ليرة (0.10 دولار)، وسعر أسطوانة الغاز المنزلي وصل إلى 30 ألفا و600 ليرة (12.19 دولارا) بدل 10 آلاف و600 ليرة (4.22 دولارات).

كما بات سعر ليتر المازوت 1700 ليرة (0.68 دولار) بدل 500 ليرة (0.20 دولار)، وسعر ليتر البنزين 2500 ليرة (دولار واحد) عوضا عن 1100 ليرة سورية (0.44 دولار أميركي).

ولم يقتصر ارتفاع الأسعار على المواد المدعومة من الحكومة، إذ شهدت أسعار الخضار والفواكه واللحوم ارتفاعا ملحوظا خلال الأسابيع الماضية، على وقع استمرار تدهور قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأميركي.

كيف يعيش السوريون؟

في صيف العام الفائت صدرت عن “مركز السياسات وبحوث العمليات”، دراسة استقصائية شملت 600 عائلة مقيمة في أحياء متنوعة من دمشق مراعية عدة زوايا بينها: الجنس، العمر، والتعليم.

ووفق النتائج، قسمت الدراسة الطبقات الاجتماعية، من خلال توزيع العينات على 3 أحياء، فقيرة، متوسطة، ومتوسطة إلى مرتفعة، فلاحظت أن معدل ساعات العمل الأسبوعي للعاملين بدوام كامل تصل إلى 52.5 ساعة أسبوعياً لتكون دمشق من الأعلى عالميا بهذه النسبة، ومع ذلك، تعيش أكثر من 94 بالمئة من العائلات تحت خط الفقر الدولي، والذي يقدر بـ1.9 دولار يوميا للفرد الواحد.

إلا أن اللافت بالأمر، أن نصف العائلات أكدوا أنهم يشعرون أن مستوى معيشتهم متوسط، بيد أنهم حقيقة دون خط الفقر.

فيما قدر وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث أعداد السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر بأكثر من 90 بالمئة من إجمالي عدد سكان البلاد، وأشار إلى أن كثيرا منهم يضطر إلى اتخاذ خيارات صعبة للغاية لتغطية نفقاتهم.

ودعا غريفيث نهاية العام الفائت، المجتمع الدولي إلى تقديم مساعدات عاجلة “منقذة للحياة” وإيصالها بشكل فعال وشفاف إلى ملايين الأشخاص المحتاجين في شمال غربي سوريا، حتى يتمكنوا من إعالة أنفسهم بكرامة.

وقال المسؤول الأممي إنه علاوة على الفقر المتزايد وأزمة المياه وتدهور الأمن الغذائي، يواجه السكان في سوريا أيضا عودة ظهور حالات الإصابة بفيروس كورونا وهي آخذة في الارتفاع.

إبراهيم عودة (اسم مستعار) وهو جامعي سوري، يدرس في كلية الطب بجامعة دمشق، يتحدث لـ”الحل نت” عن الأوضاع الاقتصادية التي تمر على السوريين في مختلف المناطق التي تسيطر عليها حكومة دمشق. “أنا أقيم لوحدي في مدينة دمشق، لا مسؤوليات مالية كبيرة على عاتقي، أدرس في الكلية وأعمل في مقهى ومحل خضار بالقرب من مكان سكني. لكن التكاليف باتت أكثر مما يمكن وصفه، فصحيح أن الأجر يكفيني شهريا لكن لا أستطيع أن أساعد عائلتي بأي مبلغ”.

ويضيف عودة، “نأكل بضع أصناف من الطعام وإن تناولت وجبتين في اليوم بصنفين مختلفين أكون قد أسرفت في الصرف اليومي. ’آكل الزيتون صباحا ومساء في غالب الوقت، وفي أحيان الزعتر مع قليل من الزيت. المواصلات مكلفة جدا واحتياجات الدراسة يزداد سعرها كل أسبوع، لا يمكن أن يتحسن الوضع الاقتصادي بسوريا في ظل انعدام فرص العمل وعدم وجود بيئة محفزة على الاستثمار. العائلات الكبيرة تعاني الأمرين، أسمع عن ذلك كثيرا من زملائي في الجامعة”.

وفق دراسة نشرتها كلية لندن للاقتصاد، مطلع عام 2021، فإن هناك ثلاثة سيناريوهات متوقعة لمستقبل الدعم الحكومي، وذلك استنادا إلى طبيعة الإجراءات الحكومية المتخذة منذ العام 2008 لمواجهة تزايد أعباء نفقات الدعم، تحليلات بعض الاقتصاديين والأكاديميين الداعية إلى إعادة النظر جذريا بآليات الدعم، والأهم هو إسهام الحرب في رفع الحصانة عن الملف، بدليل رفع أسعار مادة الخبز أربع مرات خلال عقد الحرب. والسيناريوهات الثلاث هي: الأول يتمثل في استمرار السياسة الحالية القائمة على ضبط عمليات الاستهلاك والتوزيع للسلع والخدمات المدعومة، كحصر توزيع معظم السلع المدعومة بالبطاقة الإلكترونية الممنوحة لكل عائلة وتبعا لمعايير محددة، مع بقاء الباب مفتوحا لإمكانية رفع أسعارها للتخفيف من قيمة فاتورة الدعم المتزايدة سنويا، واستثمار بعض الوفر المتحقق لدعم شريحة موظفي الدولة ومتقاعديها.

أما السيناريو الثاني فهو استبدال الدعم ببدل نقدي يقدم لكل أسرة، بينما يتلخص الثالث في تحويل الدعم الإنتاجي من دعم المدخلات إلى دعم المخرجات وفق محددات كمية وفنية بما يكفل جدوى الدعم وتحقيق الغاية منه دون هدر. مثل دعم المحاصيل الاستراتيجية عند تسليم المحصول وفق الشروط المطلوبة كماً ونوعا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.