تستمر المخلفات الحربية في العراق بقتل آلاف المواطنين سنويا، في البلد التي لم تتوقف فيها الحروب طيلة العقود الأربعة الماضية، بدءا من المواجهة مع إيران، التي تعد أطول حرب في القرن العشرين، وانتهاء بالحرب ضد تنظيم داعش.

وتشير إحصائيات رسمية إلى أن القنابل غير المنفجرة، وغيرها من المخلفات الحربية، حصدت أرواح أربعة وثلاثين ألف شخص منذ عام 2004، بين مدني وعسكري.

ويصنف العراق من بين أكثر البلدان في حجم المساحات الملوثة بالمخلفات الحربية، إذ تقدّر المساحة الملوثة بحوالي ستة آلاف كيلو متر مربع، منتشرة في جميع أنحاء البلاد، شمالا وجنوبا.

نداء للحكومة للعمل على ملف المخلفات الحربية في العراق

المواطن محمود من محافظة نينوى، التي تم تحريرها من قبضة داعش خلال السنوات الأخيرة، فقد ابنه في انفجار عبوة ناسفة، أثناء لعبه مع أطفال آخرين في يوم العيد، ويطالب الحكومة العراقية “برفع الألغام والقنابل غير المنفجرة، وإيقاف نزيف الدم”.

ويضيف محمود، في حديثه لـ”الحل نت”، أن “كثيرا من العوائل خسرت أبناءها بسبب المخلفات الحربية في العراق، دون تحرك واسع وحقيقي من قبل الحكومة العراقية لإنهاء هذا الملف الدموي”.

ورغم العمليات الكثيرة لرفع المخلفات الحربية في العراق، إلا أن كثيرا منها ما يزال في باطن الأرض، ويحتاج إزالتها إلى جهود حكومية جادة وسريعة، بسبب انتشار هذه المخلفات الخطيرة قرب المناطق السكنية.

وتؤكد المؤسسات المعنية في العراق أنه “تم تطهير نحو ثلاثة وخمسين في المئة من المخلفات الحربية، التي كانت تنتشر في مساحات واسعة من العراق، ضمن جهود اشتركت بها وزارتا الدفاع والداخلية العراقيتين، والمنح الدولية والأمم المتحدة. لا سيما في المناطق التي تمت استعادتها من تنظيم داعش مؤخرا”.

حرب داعش الأكثر ضررا

وفي هذا الشأن يقول ظافر الساعدي، مدير مديرية شؤون الألغام، إن “مساحة التلوث المسجلة رسميا تبلغ نحو ثلاثة آلاف كيلو متر مربع، على كامل مساحة البلاد، والعمل يجري الآن على أكثر من ثلاثمئة كيلو متر مربع”.

ويضيف الساعدي لـ “الحل نت” أن “هذه المخلفات الحربية جاءت نتيجة الحروب المتعددة التي خاضها العراق، ومنها حربا الخليج الأولى والثانية، والاجتياح الأميركي للعراق في العام 2003، وآخرها الحرب ضد تنظيم داعش”.

كما يؤكد أن “أغلب المخلفات الحربية في العراق كانت فيما مضى تعود للحرب العراقية –الإيرانية، إذ أدت هذه الحرب لتلويث أكثر من تسعمائة كيلو متر بالألغام”.


لكن، وبحسب الساعدي، فإن “الحرب الأخيرة، التي خاضها العراق ضد تنظيم داعش، كانت الأخطر. إذ عمد التنظيم إلى زرع عبوات ارتجالية، من النوع الذي يعتبر الأخطر من بين الألغام”. لافتا إلى أن “التنظيم خلّف نحو ستمئة كيلو متر مربع من الأراضي الملوثة. لكن تم تقليصها فيما بعد بنسبة خمسين في المئة”.

مقالات قد تهمك: كيف تساعد الكلاب في تخليص العراق من رعب ألغام «داعش»؟

الظرف الاقتصادي يقف عائقا أمام تطهير العراق من المخلفات الحربية

الساعدي يؤكد أن “الظروف الاقتصادية قد تحول دون إمكانية تطهير الأراضي العراقية من المخلفات الحربية بمساحات كبيرة. لأن عمليات الإزالة تحتاج إلى إمكانيات عالية وتمويل كبير. إضافة إلى الحذر، لأن الخطأ الأول فيها هو الأخير”، حسب تعبيره.

ويؤكد مدير مديرية شؤون الالغام أن “العراق خسر عشرات الآلاف من الأشخاص، بين مدنيين وعسكريين، منذ العام 2004 وحتى الآن، بسبب المخلفات الحربية”. كاشفا عن “وجود تفاهمات مع وزارة المالية العراقية لتخصيص أموال لقضية المخلفات الحربية في العراق. وفي حال سارت الأمور بشكل جيد، واتفقنا مع شركات وطنية متخصصة، فسنتمكن خلال عامين من تأمين المساحات الملوثة والقريبة من المناطق السكنية، من ثم التوجه صوب المناطق الحدودية”.

العراق هو الأكثر تلوثا عالميا بالمخلفات الحربية

“حجم المخلفات الحربية في العراق هو الأكبر على مستوى بلدان العالم، فيما يخص الألغام والعبوات الناسفة”، بحسب المهندس أحمد عبد الرزاق الجاسم، مدير قسم التخطيط والمعلومات في دائرة شؤون الألغام بالعراق.

ويؤكد الجاسم لـ”للحل نت” أن “العراق قد وقّع على عدد من الاتفاقيات الدولية بهذا الخصوص، منها اتفاقية الذخائر العنقودية، وكذلك اتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد، إضافة لاتفاقية الأسلحة التقليدية”.

ويلفت إلى أن “اتفاقية أوتاوا منحت العراق فرصة إلى العام 2028 للتخلص من كافة الألغام داخل البلاد. وهذا الأمر يعتمد على الظروف والتمويل والفرق الجاهزة للعمل. وفي حال تحققت كل هذه الأمور سنتمكن من القضاء على تلوث المخلفات الحربية في العراق خلال هذه الفترة”.

ويشير الجاسم إلى وجود “دعم دولي في هذه المسألة، لكن أغلبه لم يكن مخصصا لحقول الألغام، بل للذخائر العنقودية، لذلك لم تشهد حقول الألغام عمليات تطهير واسعة”. مبينا أن “التمويل الدولي للعراق بعد عام 2014، إبان سيطرة داعش على مناطق واسعة من البلاد، كان يركز على المناطق المستعادة من سيطرة التنظيم في شمال ووسط العراق، فيما كان التمويل لتطهير المناطق الجنوبية ضعيفا جدا. ولكن، وبعد أن قمنا بمخاطبة الحكومة العراقية، تمكّنا من الحصول على أول دعم دولي لإزالة حقول الألغام في الجنوب”. معربا عن أمله “بحصول العراق على دعم أكبر في هذا المجال”.

وتشكّل بادية السماوة جنوبي العراق تحديا للفرق المتخصصة بالمسح الميداني للبحث عن المخلفات الحربية. فهذه المنطقة، التي تبلغ مساحتها سبعة وأربعين ألف كيلومتر مربع، من أكثر المناطق تلوثا بالمخلفات الحربية في العراق، نتيجة المعارك التي دارت إبان حرب الخليج الثانية.

جهات حكومية في السماوة أكدت مقتل أكثر من ألف وخمسمئة شخص من سكان البادية، إضافة إلى إعاقة قرابة ألفي شخص آخرين، بسبب المخلفات الحربية، وسط غياب الجهود الحكومية لإزالة تلك المخلفات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.