يمر لبنان بالعام الثالث من الانهيار المالي الناجم عن عقود من الفساد والسياسات السيئة التي أدت إلى انهيار قيمة العملة بأكثر من 90 بالمئة، وأبعدت البنوك معظم المدخرين عن حسابات العملات الصعبة. وقدرت مسودة خطة الإنقاذ المالي الحكومية في وقت سابق من هذا العام وجود فجوة بحوالي 70 مليار دولار في القطاع المالي.

تعد أزمة السيولة اللبنانية وهي أزمة مالية مستمرة تؤثر على لبنان، ظهرت بشكل كامل في آب/أغسطس 2019، وتفاقمت بسبب تأثير وباء “كورونا”، وانفجار ميناء بيروت عام 2020. فجذور الأزمة عميقة لكن تم إخفاء المدى الكامل لهشاشة الاقتصاد من خلال الهندسة المالية لمحافظ البنك المركزي، ومع الإعلان عن إفلاس الدولة اللبنانية، يثار التساؤل حول احتمالات أن تعيش سوريا حالة إفلاس قريبة.

تصعيد للمعطيات؟

أعلن حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة، أمس الاثنين، إفلاس المؤسسة التي يقودها على مدى 30 عاما، وقال إنها ما زالت مستمرة في أداء دورها المكلف بها قانونا رغم الخسائر في القطاع المالي. وجاءت التعليقات في بيان للمحافظ ردا على نائب رئيس الوزراء، سعادة الشامي، والذي قال إن كلا من الدولة والبنك المركزي أفلسوا.

يصف هذه الحالة باختصار، الباحث المتخصص في الاقتصاد السياسي، أحمد القاروط، أنها تصعيد اعلامي أكثر من كونه تصعيد في المعطيات، وسببها تصريحات أحد المسؤولين أكثر من كونه تغير بنيوي. فالأزمة المالية التي تمر بها لبنان من عدة سنوات من حيث المحتوى لا جديد. لكن التصريحات أثارت وأعادت القلق الشامخ.

وعن تفسيرات إعلان الإفلاس، يشرح الباحث والمحلل الاقتصادي، رضوان الدبس، لـ”الحل نت”، أن الدولة عندما تعلن إفلاسها، الغاية منه هو إعادة هيكلة الدولة الخاسرة، وتركيب قروض جديدة، مع فرض إجراءات تقشف وخاصة من الدائنين الجدد.

واليوم غاية لبنان من هذا الإعلان، وبحسب الدبس، هو الهروب من المطالبة بالدين في الوقت الحاضر، بمعنى “يوجد علي ديون والتزامات، وأنا ليس عندي القدرة على سددها، وأنا أعلنت إفلاسي”. وبذلك لن يطالبها أحد. ولكن يجتمع الدائنين كالبنك الدولي والبنك الأوروبي وشركات دول أخرى لإعادة تشغيل القطاع اللبناني مرة ثانية.

وبعد ذلك يتم فرض على الدولة اللبنانية، وفقا للدبس، فصل عدد من الموظفين، ورفع الأسعار كاملة، كأسعار المواد الغذائية والتموينية، وتفرض رفع أسعار على المشتقات النفطية، كما ترفع وتفرض ضرائب إضافية، كرفع الدعم مثلا الذي تقدمه الدولة لبعض الشرائح.

كما تعمل الدولة على خفض مصاريفها إلى الحدود الدنيا، ربما إلى حد الصفر، طبقا لحديث الدبس،  بالمقابل يتم جدولة  الدين الموجود، بعد إضافة الفوائد الجديدة عليه، على مدى سنوات أخرى بعيدة.

وتبعا لحديث القاروط، لـ”الحل نت”، فإنه بطريقة أو بأخرى يمكن الحصول على دين أجنبي جديد، وتحميل تبعات الديون للبنانيين أو الأجانب، لأنه لا توجد خيارات أخرى لدى الدولة. فمن وجهة نظر القاروط، فإن لبنان دخل في منعطف لا يمكن حله بسهولة، إلا عبر هذه الطرق.

للقراءة أو الاستماع: بأدنى مستوى تاريخي لها.. الليرة اللبنانية تهوي مقابل الدولار

هل تعلن سوريا إفلاسها بالمثل؟

وفيما يخص أموال السوريين التي أودعت في لبنان، وحتى أموال العراقيين، فيعتقد القاروط، أن لا رؤية في الأفق حول التزام البنوك الأجنبية بهذا الموضوع. ولكن في حال قرر البنك المركزي اللبناني، أن يأخذ جزء من ودائعه أو يخصم منها على اعتبار أنها من ديون قديمة، في هذه الحالة ستعتبر عملية سطو.

وبحسب القاروط، فإن ذلك سيفتح باب كبير من أبواب الدعاوى على لبنان وعلى بنوكها وعلى شعبها. فسابقا حاولت اليونان أن تعمل هذا الشيء، ورفض الاتحاد الأوروبي أن يتم إعلان الإفلاس والطريقة التي فكروا فيها، وفي حال قررت السلطات اللبنانية تحميل الخسائر النقدية للمواطنين والمؤسسات البنكية، سيؤدي حتما إلى مشاكل اجتماعية.

وبالنسبة لتأثير الإعلان على سوريا، يرى الدبس، أن تأثيره كبير، لأن سوريا تقريبا جزء أساسي أو رئيسي في لبنان، فنسبة عالية من إيرادات الدولة من داخل الموانئ والبضائع والحوالات المالية “العمليات غير النظامية” يتم عن طريق لبنان وعن طريق “حزب الله”.

ويتابع الدبس، و”لما الدولة اللبنانية تعلن الإفلاس فطبعا سوريا ستتأثر لأن القطاع السوري معتمد على لبنان، لأن العقوبات المفروضة على الحكومة السورية خلت الحكومة تلجأ للقطاع المصرفي اللبناني ليكون هو الرديف وهو البديل”.

وتوقع الدبس، أن تعيش سوريا حالة إفلاس أيضا، لكن ليس بالمستوى الذي تعيشه لبنان، كون الحكومة السورية حاليا مدعومة من الحكومة العراقية والحكومة الإيرانية ومن بعض الحكومات العربية.

في هذه الأثناء، أصبحت تداعيات الأزمة الاقتصادية محسوسة على نطاق واسع، يقدر البنك الدولي أن الاقتصاد اللبناني انكمش بنحو 60 بالمئة بين عامي 2019 و2021، فيما وصفه بأنه أحد أسوأ الأزمات المالية في العصر الحديث.

الجدير ذكره، أنه في قائمة دول العالم الأكثر إفلاسا، تتصدر الإكوادور، التي أعلنت إفلاسها 10 مرات، وبعد ذلك أعلنت البرازيل والمكسيك وأوروغواي وتشيلي وكوستاريكا وإسبانيا وروسيا إفلاسها 9 مرات خلال القرنين الماضيين. وفي العصر الحديث، أعلنت روسيا إفلاسها في أواخر التسعينيات، وفي عام 2001، أعلنت الأرجنتين أيضا إفلاسها.

للقراءة أو الاستماع: رسميا لبنان بلا أموال.. إفلاس الدولة اللبنانية والمصرف المركزي

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.