العالم الأصلي يمثل الموقع الأساسي الذي تدور فيه أحداث الدراما، فهو يتبدى داخل أوساط اجتماعية مصورة بقوة من العنف أو القسوة، بتوزيع اجتماعي مزدوج ” أغنياء- فقراء”،” أخيار- أشرار”، فهذا العالم يعيش فيه العنف والقسوة التي تستقى الدراما منه الصراع الذي يدفع الكثير من الشخصيات نحو العنف والقسوة كفاعل، وهو عنف منفعل تجاه الوسط المحيط الأصلي تجاه الأب، البؤس، الظلم، وعزلة الإنسان.

إن العنف والقسوة التقليدية والكلاسيكية في الدراما السورية تنبع من التناقض والصراع الذي هو أساس البناء الدرامي التقليدي لاستمرار الأفعال الدرامية، وبغض النظر عن مسببات هذا الصراع العنفي وآليات الحلول الدرامية لإنهاء هذا الصراع الذي من المفروض أن لا ينتهي، لأنه في استمرار الصراع والعنف استمرار الدراما والتشويق بالنسبة للمشاهد، وعلى هذا الأساس يمكننا العودة إلى التصنيف التقليدي للدراما السورية (البيئة الشامية، الاجتماعية، والكوميدية) لقراءة العنف فيها.

دراما البيئة الشامية

يظهر في دراما البيئة الشامية العنف الكلاسيكي الذي تعتمده هذه الدراما في الصراع مع المحتل الأجنبي للبلد (سوريا) تحديدا سواء كان هذا المحتل (العصملي، التركي) أو (الفرنسي)، فالعمل الدرامي “حارة القبة” (في جزئيه تأليف وسيناريو وحوار أسامة كوكش وإخراج رشا شربتجي، وإنتاج مؤسسة عاج للإنتاج الفني والتوزيع) يعتمد الصراع فيه بشكل جزئي على الصدام مع المحتل (العصملي، التركي).

بينما نجد في الموسم الدرامي 2022، العديد من أعمال البيئة الشامية تعتمد على الصراع العنفي مع المحتل الفرنسي، وفي مقدمة هذه الأعمال” بروكار 2″ من تأليف الراحل سمير هزيم وإخراج محمد زهير رجب، و”باب الحارة 12″ من تأليف مروان قاووق، وإخراج محمد زهير رجب، والعمل الدرامي” الكندوش 2″ من تأليف حسام تحسين بيك، وإخراج سمير حسين.

وإلى جانب هذا الصراع الرئيسي من حيث الشكل في هذه الأعمال البيئية، هناك صراع عنفي في كل عمل يتبدى بصراع “الخير، والشر” من خلال مجموعة من الشخصيات الشريرة، ومجموعة الشخصيات الخيرة، وفي جوهر الصراع يجب إيضاح فكرة أساسية (مصلحة كل شخصية من الشخصيات التي تتخذ موقفا محددا سواء كان شريرا أو خيرا)، ففي الصراع بحارة القبة نجد عملية تنفيذ الوصية ومستحقها من زاوية الوراثة (سليم) ابن (نادين تحسين بيك، سهيلة أم سليم)، وليس من زاوية الكفاءة (خالد القيش، غازي بيك)، إلى جانب وجود خط كامل يتبدى في الشر بشخصية (طبنجة، فادي صبيح).

أما في العمل الدرامي” بروكار”، هناك مجموعة من الشخصيات الواضحة يتزعمها “هنائي السنانيري، قاسم ملحو”، ومعه” وائل زيدان( سعدو)، معن عبد الحق (كريم)و علاء قاسم (طاووس)، غادة بشور (أم نادر) حتى هذه العصابة الشريرة تسرق من بعضها إذ سرق (سعدو وكريم) أموالا من هنائي.

وباب الحارة 12 يتبدى فيه الصراع بين (أبو مصطفى، رائد مشرف)، والعكيد (أبو النار، علي كريم)، والذي يتخذ شكل الطرد من الحارة مع ابنه.

والصراع الدرامي في الكندوش يتبدى بين (عزمي بيك، أيمن زيدان) (أم مصطفى، سامية الجزائري) وزوجته (ياسمين، سلاف فواخرجي)، إلى جانب شخصية (همام رضا، شريف).

والعمل الدرامي الاستعراضي”جوقة عزيزة” من تأليف خلدون قتلان، وإخراج تامر إسحاق، يعتمد على الصراع مع الفرنسيين، وكذلك صراع داخلي بين أرباب مهنة الاستعراض في شارع الملاهي و الاستعراضات، فعندما يفتح (عدنان أبو الشامات، إسحاق) دار الأوبرا، تتعطل بقية الملاهي والمطاعم الموجودة في الشارع، والصراعات البيئية بين عوائل المسلسل، والشخصية الشريرة التي تعمل على تأجيج الصراعات والعنف (الطبال حمدي حميا، سلوم حداد).

العنف في الدراما الاجتماعية

يتنوع العنف في الدراما الاجتماعية من أكثر من منظور حسب توجهات كل عمل درامي، ومقدار عمق هذا العنف الذي يصل في العديد من الأعمال إلى تشكيل شبكات عصابات تتقاتل مع بعضها البعض أحيانا، ويتكامل عملها مع بعضها البعض حينا، فالعمل الدرامي” كسر عضم” من تأليف علي صالح، وإخراج رشا شربتجي، تظهر فيه عمق العنف المستخدم بين مناوبات الحواجز والحدود، إذ نجد عملية اغتيال لضابط كبير” طلال” و ما يذهب في الموكب، أثناء عملية التفجير، ويستكمل العنف في العمل في عملية انتحار الضابط(ريان، سامر إسماعيل” نتيجة الضغط الكبير الذي يمارسه عليه أبيه” الحكم، فايز قزق” والتواطؤ الذي يظهر من والدته “نادين خوري”، وإلى جانب ذلك يظهر نوع غير مستخدم في الدراما السورية هو” التحرش” الذي تتعرض له شخصية نادين تحسين بيك، الفنانة التشكيلية شمس”.

أما العمل الدرامي” مع وقف التنفيذ” من تأليف علي وجيه ويامن الحجلي، وإخراج سيف سبيعي الذي يتنوع فيه العنف كثيرا، من عنف الحواجز والتشليح إلى عنف الاعتقال والتعذيب، والقنص الذي يغتال زوجة “عزام، يامن الحجلي” وطفليه، وما يفعله عزام بالذين يخطفهم نتيجة ما تعرض له، ويظهر العنف ضد النسوية في الكثير من اللقطات والمشاهد بين” أم هاشم، صباح الجزائري” وابنتها “صفاء سلطان، عتاب” عند زيارتها للشيخ الذي تطلب منه تفريق زوجة هاشم عنه، والعنف الذي يصل إلى مستوى غير مسبوق في العلاقات الزوجية التي بوابتها “المصلحة المشتركة” بين” سلاف فواخرجي، جنان العالم”، وزوجها “فايز قزق، أديب”.

بينما العمل الدرامي “على قيد الحب “من تأليف فادي قوشقجي وإخراج باسم السلكا يتسم بالعنف اللفظي بالكثير من المواقف، لكنه يصل إلى العنف اليدوي عند معاقبة (وليد، يزن خليل) لزوجته الثانية(لينا، رنا كرم).

وفي العمل الدرامي” لو بعد حين” من تأليف مهند مرعي وإخراج عمار تميم، تقع جريمة قتل في حفل زفاف، ويحاول” طيف، جوان خضر” الانتقام من” عبد الجبار، جهاد الزغبي”.

العنف في الكوميديا السورية

يتبدى العنف في الكوميديا السورية لهذا الموسم معتمدا على بناء حكائي محكم في العمل الدرامي” الفرسان الثلاثة” من تأليف محمود الجعفوري وإخراج علي المؤذن، فالاعتقال والاشتباك العنفي اللفظي في مكاتب الأحزاب، بينما عمليات الخطف، ودخول السجن للعديد من الشخصيات منها “أبو عماد، أيمن زيدان” أكثر من مرة حيث يقوم بعملية الاعتقال”خوشناف ظاظا، المساعد في فرع الأمن”، ويخرجه أكثر من مرة هاتف إلى رئيس القسم في الفرع.

بينما عمليات العنف المنظم تجاه الفاسدين من عصابة “المتقاعدين الثلاثة”، ويضاف إلى ذلك العنف اللفظي الذي يستخدمه أبو عماد تجاه ابنه الطفل سعيد، وغير ذلك من العنف اللفظي الذي تستخدمه”أم عزيز، غادة بشور” تجاه زوجها “أبو عزيز، جرجس جبارة”.

أما العمل الدرامي” بقعة ضوء” الذي تعتمد على اللوحات الكوميدية الساخرة والضاحكة أحيانا أخرى، ففي الموسم الدرامي الحالي بالجزء 15 نجد مجموعة من اللوحات التي يظهر فيها العنف حول كيف إمساك “المقود، الدركسيون”، وعندما يضرب( فرام) لخروج الولد أمامه، ويضرب السيارة من الخلف” غسان عزب”، يواجه” أبو رسلان، أيمن رضا”، فيذهب ويتركهما.

والعنف اللفظي يظهر في لوحة كتبها القاص “موفق مسعود”، وأخرجها ورد حيدر إذ تتشكل من شخصيتين كفيفتين يريدان قراءة الواقع من خلال عصا كل منهما التي تساعدهما بالسير على أن تكون واحد في يد أحدهما اليسار، والثانية في يد الآخر اليمنى.

في حين يظهر العنف في لوحات مسلسل “حوازيق” عندما تأتي إلى البيت العربي الدمشقي “الفندق” الذي تديره “أم مطيع، سلمى المصري”، الفنانة عبير شمس الدين التي تتدرب على أن تعمل “مدبرة منزل” وتبدأ ابنة أم مطيع في تدريبها على عملها في تنظيف المنزل، وتبدأ من المطبخ، عبر فعل التنظيف الذي يكون بحد ذاته عنف في آليات الاستخدام والفعل المباشر.

أخيرا يتنوع العنف الدرامي في الدراما السورية بأنواعها المتعددة حسب بنية النص الدرامي وآلية إخراج من المخرج بصريا، فالدراما البيئة الشامية تظهر عنفا أكثر، من الدراما الاجتماعية بعنفها المتعدد والمتنوع، بينما عنف الدراما الكوميدية يبقى يحل في جانب من جوانبه غاية الإضحاك.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة