لا تنفك إسرائيل في تصعيدها بضرباتها الجوية على سوريا، خاصة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا وقرب التوصل إلى اتفاقية حول الملف النووي الإيراني، إضافة إلى التحديات بين القوى الدولية والإقليمية المتورطة في سوريا. ومعظم هذه الضربات تطال نقاط تمركز النفوذ الإيرانية.

هذا ما ينبئ بتصعيد جديد، قد يؤدي إلى تغييرات جديدة في الواقع السوري، خاصة وأن آثار هذه الضربات بدا يظهر على مواقف روسيا السياسية والميدانية في سوريا، حليفة حكومة دمشق، وتحديدا في ما يتعلق بفشلها في الرد على الضربات الإسرائيلية أو إيجاد منحى ترضي إسرائيل حول إيقاف تمدد النفوذ الإيراني.

إسرائيل بدأت تتحرك خلال الفترة الماضية على عدة جهات، في ظل تخوفها من توسع النفوذ الإيراني وتقويته في المنطقة، خاصة بعد انشغال موسكو بغزوها كييف. لذا عقدت إسرائيل من جهة عدة لقاءات مع الدول الإقليمية العربية، من أجل تشكيل قوة رادعة للتمدد الإيراني، ومن جهة أخرى تكثيف غاراتها الجوية على نقاط تمركز الميليشيات الإيرانية.

وبعد أن صوتت تل أبيب مع واشنطن على قرار تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، إضافة إلى تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد، الذي وصف ما ترتكبه روسيا في أوكرانيا بـ “جرائم حرب”، الأمر الذي وضع إسرائيل في معضلة معقدة نوعا ما مع موسكو في مسألة أوكرانيا.

إزاء ذلك، تثار تساؤلات حول إدانة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الغارات الإسرائيلية الأخيرة على دمشق معتبرا أنها “ممارسات مرفوضة وخطيرة”، وما سر الإدانة الروسية، بهذا الشكل في مثل هذا الوقت، ومدى احتمالية تغيير شكل العلاقات الروسية الإسرائيلية في سوريا في قادم الأيام. فيما إذا كان سيكون من خلال تدخل روسي حقيقي، أم سنكون أمام المزيد من الضربات الجوية الإسرائيلية في حال حدوث أي تطورات على المستويين الدولي والإقليمي.

موقف موسكو غير مألوف

استهدفت إسرائيل أهداف إيرانية في سوريا بالقرب من دمشق، صباح الثلاثاء الفائت، بصواريخ ، ما أدى لمقتل تسعة مقاتلين، خمسة منهم جنود في القوات النظامية السورية، والأربعة الباقون عناصر في الميلشيات الموالية لإيران، بحسب تقارير صحفية.

وبحسب ما ذكرت مصادر إعلامية محلية، فإن من بين القتلى العميد رفعت محمود صالح المنحدر من قرية حمام واصل في منطقة القدموس بريف طرطوس، والعنصرين رماح حمود، وأسامة حمدان.

وكشف خبير عسكري إن الضربات انطلقت من الكتبية 334 الصاروخية على محيط دمشق، واستهدفت مستودعا في فوج الإنزال 100 قرب منطقة السومرية التابعة للفرقة الرابعة، خلف مساكن السومرية، وهي كتيبة 482، وهو موقع عسكري سوري، وهذا ما يميز هذه الغارة عن غيرها، على عكس المرات الماضية، التي كانت تستهدف المواقع الإيرانية فقط.

وأضاف الخبير لجريدة “القدس العربي”، يوم أمس أن الموقع الثاني الذي استهدفه القصف الإسرائيلي هو مستودع تجاري يستخدمه “حزب الله” (الموالي لإيران) قرب مطار في منطقة الغسولة، إضافة إلى مستودع للأسلحة الإيرانية، قرب المطار.

ووفقا لوزارة الخارجية الروسي قال لافروف: إن الهجوم الإسرائيلي “غير مبرَّر”. بدورها، أوضحت المتحدثة  باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، أن “استمرار القصف الإسرائيلي للأراضي السورية يعد انتهاكا للمعايير الأساسية للقانون الدولي، وغير مقبول بشكل قاطع”. مطالبة إسرائيل “بإيقاف هذه الاعتداءات الشرسة والخطيرة”.

وحول سر الإدانة الروسية هذه المرة، يرى المحلل السياسي المصري، سامح مهدي، أن “الإدانة الروسية ربما مجرد عمل إجرائي لا ينبني عليه الكثير، خاصة مع مواقف روسيا التي لا تبرزها كثيرا الخطاب الرسمي”.

وأردف المحلل السياسي خلال حديثه لموقع “الحل نت”، “كما أن الضربات الإسرائيلية على مناطق تواجد طهران في سورية ما تزال تحقق جملة مصالح لموسكو والأخيرة تدرك مدى خطورة التحركات التي يقوم بها عناصر وقادة “الحرس الثوري” بالتزامن مع عزم الإدارة الأميركية إنهاء مفاوضات فيينا والتوصل لصيغة بخصوص خطة العملة المشتركة والتي ستضع المنطقة وكافة القوى أمام تحديات أمنية وسياسية كبيرة لمواجهة نشاط طهران المحتمل إقليميا”.

وقد تابعنا قمة النقب بحضور وزير الخارجية الأميركي والمصري والإماراتي والتي تهدف لإيجاد حلف إقليمي استراتيجي لردع إيران، على حد وصف المحلل السياسي.

وعليه، تمركز إيران في سوريا وسط اللاعبين الإقليميين والدوليين يمثل نقطة قلق لأطراف عديدة تضغط من أجل حصاره وتقليل فعّاليته ومنها تل أبيب على نحو تقليدي وموسكو مؤخرا في ظل التنافس الجيوسياسي من ناحية والصراع على إدارة الموارد الاقتصادية وغيرها، بحسب ما أفاد به المحلل السياسي سامح مهدي لموقع “الحل نت”.

قد يهمك: قصف إسرائيلي على دمشق بخسائر عسكرية معلنة

تغيير العلاقات الروسية الإسرائيلية؟

وبخصوص مدى احتمالية تغيير شكل العلاقات الروسية الإسرائيلية في سوريا، يعتقد المحلل السياسي أنه لا تغيير في شكل العلاقة، على الأقل خلال الفترة الحالية والمقبلة إلى حد ما، وأن تصريحات موسكو حول الغارة الإسرائيلية الأخيرة على دمشق ليست سوى تبادل إجرائي، مثلما صوتت تل أبيب قبل أيام على قرار تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، نتيجة تصعيد موسكو في أوكرانيا.

ووفق تقدير المحلل السياسي، الذي تحدث لموقع “الحل نت”، فإن إسرائيل من جهتها ستكثف في المرحلة المقبلة ضرباتها على سوريا من أجل إبطاء عملية التمدد الإيراني ووقف نشاطه، وهو ما يتم برضى وقبول روسي لأنه يحقق لها مصلحة استراتيجية في إطار المنافسة بينهما في سوريا، لذا فالعلاقة بين موسكو وتل أبيب لن تكون خارج إطار البيانات والتصريحات الإجرائية، على حد وصفه.

وأكد مصدر خاص وفق مصادر إعلامية، أن سبب الغارات الإسرائيلية الأخيرة على سوريا، هو وصول طائرتين إيرانيتين إلى مطار دمشق الدولي، الأولى وصلت ظهر يوم الثلاثاء الفائت، وتحمل صواريخ عالية الدقة وقيادات من الحرس الثوري، والثانية وصلت ليلا بنفس اليوم، وتضم قيادات من الاستخبارات الإيرانية.

وحول الخسائر التي خلفتها الغارات الإسرائيلية، أكد المصدر ذاته حدوث انفجارات كبيرة في المستودعات التي تم استهدافها في محيط المطار والفوج 100، كما تم رصد حركة كبيرة لسيارات الإسعاف باتجاه المواقع المستهدفة وبشكل خاص في منطقة السومرية ومحيط المطار، بحسب تقارير صحفية.

وبحسب صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية فإن “الهدف من الهجمات الإسرائيلية على سوريا بهذه الوتيرة منذ عام 2013 هو لمنع إيران من التموضع بشكل أكبر في المنطقة، خاصة على حدود إسرائيل الشمالية، وتهريب أسلحة متطورة إلى “حزب الله” في لبنان”.

قد يهمك: الغارات الإسرائيلية في سوريا: ما الجديد بعد غزو أوكرانيا وتطورات الملف النووي الإيراني؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة