منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا وحتى الآن، تمسك الصين العصا من المنتصف. ولا يزال موقفها حياديا من هذا الصراع، لكن وفي ظل العقوبات الدولية التي تفرضها واشنطن وحلفاؤها الغرب ضد موسكو، تمثل الصين طوق النجاة الرئيسي لموسكو، للتخفيف من كمية الخسارات التي ستخلفها العقوبات على اقتصادها خاصة إن طالت قطاع النفط والغاز. نتيجة لذلك، تبدو الحرب الروسية-الأوكرانية قد أدخلت بكين في “مأزق استراتيجي”.

فمن ناحية، عطلت هذه الحرب التجارة الصينية التي تقدر قيمتها بمليارات الدولارات، وزادت التوترات في شرق آسيا، وعمقت الاستقطاب السياسي داخل الصين من خلال تقسيم الناس إلى شقين بين مؤيدين ومعارضين لروسيا، وفقا لمجلة “فورين أفيرز” الأميركية.

في المقابل، تحاول بكين الحفاظ على مصالحها ومحاولة منع تدهور علاقاتها مع الولايات المتحدة وأوروبا، كون أن انفتاح الصين على واشنطن وحلفائها هو الذي دفع النمو الهائل لها في العقود الأربعة الماضية.

الصين في موقف “صعب”؟

بعيدا عن موقف بكين من الغزو الروسي لأوكرانيا، فمن غير المرجح أن تخفف واشنطن من استراتيجية الاحتواء تجاه بكين، حسبما تقوله مجلة “فورين أفيرز” الأميركية.

وباعتبارها الجار الأكبر والأقدر عسكريا للصين، فإن روسيا ليست قوة ترغب بكين في استعدائها؛ لذلك سعى صانعو السياسة الصينيون إلى تجنب استفزاز أي من القوتين المتنافستين بلا داعٍ؛ من خلال الامتناع عن التصويت لإدانة روسيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة واختيار بياناتها الرسمية حول العملية العسكرية بعناية.

لكن يبدو أن “استراتيجية التوازن” هذه لا تخلو من التكاليف. فقد أدى رفض إدانة روسيا إلى توتر علاقات الصين مع بعض جيرانها، كذلك، تكبدت بكين تكاليف اقتصادية ناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا يمكن أن تستمر لفترة طويلة في المستقبل.

وحول أثر الغزو الروسي على المطامع الصينية الاقتصادية في العالم، يقول المحلل السياسي المصري، سامح مهدي، أن “الغزو الروسي لأوكرانيا فاقم الأزمات الاقتصادية في عدد من دول العالم كما ساهم في انحسار الأنشطة الاقتصادية وعملية التبادل التجاري وغيرها من الأمور الاستراتيجية”.

وبالتالي نجد أن الصين التي تدخل في منافسة محتدمة مع القوى العظمى لفرض سياستها الاقتصادية وتقوية نفوذها الاقتصادي قد تراجعت بشدة وتأثرت سلبا، الأمر الذي يظهر من خلال الأرقام التي تضاءلت وكذا الأنشطة التي تقلصت مع الوضع في الاعتبار الأزمات الناجمة عن فيروس كورونا داخل بكين، وفقا لما قاله المحلل السياسي لموقع “الحل نت”.

قد يهمك: خسارات روسية متلاحقة في أوكرانيا.. ماذا بعد؟

هل تتغير سياسة الصين تجاه روسيا؟

تسببت الحرب الروسية-الأوكرانية في اضطراب أسواق السلع وتعطيل سلاسل التوريد؛ مما أدى إلى خسائر بمليارات الدولارات للشركات الصينية. على سبيل المثال، خسرت مجموعة “Tsingshan Holding Group” الصينية العملاقة للنيكل 8 مليارات دولار في صفقات سيئة التوقيت بعد أن تسببت العملية العسكرية في ارتفاع أسعار النيكل ارتفاعا كبيرا، بحسب تقارير صحفية.

كذلك، أدت هذه الحرب إلى إلغاء طلبات التصدير الصينية على نطاق واسع وإضعاف الإنتاجية الصناعية الصينية. وفقا للمكتب الوطني للإحصاء، انخفض مؤشر مديري المشتريات التصنيعي الصيني – الذي يتتبع النشاط الاقتصادي في قطاع التصنيع- بنسبة 0.7 بالمئة في آذار/مارس، وهو أداء أسوأ بكثير مما توقعه محللو السوق.

وحول ما إذا سيساهم استمرار الحرب إلى إحداث سياسة جديدة للصين تجاه روسيا والدول الغربية، لا يعتقد المحلل السياسي، أن الصين ستتجه للوقوف في مكان معاد لروسيا، وأردف في حديثه لموقع “الحل نت”، “في رأيي أنها ستبقى في موقف وسطي​ أي محايد ولن تغير من سياستها هذه، خاصة وأن الصين ليست ملزمة بدعم روسيا على أي مستوى، لكنها في الحقيقة لا تضع نفسها في مكان معاد لموسكو ولن تكون إلى جانب واشنطن وحلفائها في الغرب، وعلى سبيل المثال لم تدعم الصين علنا الموقف الروسي خلال أزمة جزيرة القرم على مدى سنوات”.

وخلص حديثه بالقول: “في النهاية، ربما للصين أن تسعى لوقف هذه الحرب وأن تلعب دورا في حل الأزمة الروسية-الأوكرانية من خلال حث الأطراف على الجلوس على طاولة المفاوضات وربما تستخدم نوعا من الضغط على موسكو كونها لا تزال تحتفظ بعلاقة جيدة معها، وبالطبع كل ذلك من أجل تحقيق مصالحها وعدم تكبد اقتصاد بكين المزيد من الخسائر”، وفق تعبيره لـ “الحل نت”.

يذكر أن حجم التبادل التجاري الصيني مع موسكو يبلغ أكثر من 140 مليار دولار، إضافة إلى العلاقات الوثيقة مع روسيا في مجالات الطاقة والتسليح والمواقف السياسية المشتركة، كذلك وتعد الصين الشريك التجاري الأول لأوكرانيا وترغب بحسب مسؤوليها في الحفاظ على علاقات جيدة مع كييف.

قد يهمك: كيف تمهد الصين لإحياء طريق الحرير عبر الشرق الأوسط؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.