في الوقت الذي تستمر فيه روسيا بغزوها لأوكرانيا على مدى 3 أشهر، تتزايد المخاوف من أن تستخدم موسكو حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي، لإزالة ما تبقى من عمليات المساعدة عبر الحدود إلى سوريا.

إن الغزو الروسي لأوكرانيا يمكن أن يكون له عواقب إنسانية مدمرة على سوريا، حيث يخشى عمال الإغاثة من أن تتمكن روسيا من تنفيذ تهديداتها بالقضاء على آخر شريان حياة تنبثق منه المساعدات الإنسانية إلى البلاد.

حلول بديلة؟

يتعين على مجلس الأمن حتى شهر تموز/يوليو المقبل إعادة التجديد لآلية إدخال المساعدات عبر الحدود والتي من شأنها توفير الغذاء والدواء والمواد الأخرى الأساسية التي يحتاجها ملايين المدنيين السوريين. بينما تقول موسكو، أن عملية المساعدة المعقدة تقوض السيادة السورية، وهي حجة أشار إليها الروس بشكل خاص بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.

تثير قضية إيصال المساعدات الإنسانية لسوريا قلق المنظمات المدنية والإغاثية، مع اقتراب موعد تمديد القرار الأممي، المتعلق بآلية إيصال المساعدات عبر الحدود. فيما تزداد مخاوف المعارضة السورية من إنهاء روسيا لهذه الآلية، والاكتفاء بإدخال المساعدات إلى الشمال السوري عبر مناطق سيطرة حكومة دمشق.

وازداد القلق بعد تهديد روسيا، قبل أيام، بعدم الامتثال للقرار الأممي المتعلق بإيصال المساعدات لسوريا، في موقف وصفه البعض بـ”الابتزازي” للغرب.

وكان ديميتري بوليانسكي، نائب المندوب الروسي في الأمم المتحدة، أكد أن موسكو “لن تغض الطرف عن فشل الدول الغربية في الامتثال للقرار المتعلق بإيصال المساعدات الإنسانية لسوريا عبر الحدود”.

وأضاف بوليانسكي أن “آلية المساعدات عبر الحدود تنتهي هذا الصيف. ومن بين أحكام القرار الأممي هناك بند واحد فقط يجري تنفيذه اليوم، ولا يبدو أن أحدا سيفي ببقية البنود. وفي الوقت نفسه أثبتت دمشق أن عمليات تسليم المساعدات إلى إدلب، عبر خطوط التماس، ممكنة بشكل كامل”.

لقد استخدمت روسيا، إلى جانب الصين، تهديدها بحق النقض في مجلس الأمن لإضعاف الاتفاقية الأصلية للمساعدات التابعة للأمم المتحدة، والتي عينت أربعة معابر حدودية في العام 2014، اثنان في تركيا وواحد في الأردن وواحد في العراق.

المعبر الوحيد المتبقي اليوم والذي يمكن للأمم المتحدة وشركائها التنفيذيين إرسال الإمدادات إلى سوريا من خلاله هو معبر باب الهوى على الحدود السورية التركية. وهذا الترتيب سوف ينتهي في تموز/يوليو ما لم يصوت مجلس الأمن على تجديد التفويض. “نحن نريد أن نقدم لروسيا خيارا صارما قدر المستطاع”، يقول مسؤول رفيع في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لـ “المونيتور”، محذرا من أنه إذا ما ألغى الروس التفويض عبر الحدود، “فيمكن لذلك أن يعزز درجة العزلة التي يواجهونها”.

ابتزاز مستمر

وحتى قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، كانت الحكومات المانحة وعمال الإغاثة قلقين من أن تسعى موسكو لإغلاق ممر المساعدات الإنسانية إلى سوريا، كما أن الحرب المتصاعدة في أوكرانيا وإمكانية قيام بوتين بالانتقام في سوريا أدى فجأة إلى زيادة المخاطر.

المحلل السياسي، توفيق سليمان، أشار خلال حديثه لـ”الحل نت” إلى أن ما تقوم به روسيا بخصوص المساعدات الإنسانية هي عملية “ابتزاز”، وليست المرة الأولى.

كما لفت بأن هناك مساومات تحدث مرارا على مدة تمديد وصياغة القرار المتعلق بإدخال المساعدات الإنسانية.

هذا وحصلت روسيا على مكسب مهم وهو دخول المساعدات الإنسانية من مناطق سيطرة الحكومة السورية إلى مناطق شمال غرب سوريا، بعد أن هددت بمنع دخولها.

وتسعى روسيا إلى الحصول على مساعدات بحجم أكبر، لتتمكن من إظهار دمشق بأنها تسمح بدخول المساعدات من مناطقه، ومساعدة الحكومة بالحصول على موارد اقتصادية جديدة، بالإضافة لتضييق الخناق على شمال غرب سوريا.

فيما يستكشف المسؤولون الأمريكيون والأوربيون بهدوء بدائل الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة في سوريا، إلا أن ما يجعلهم يترددون في مناقشة هذه الجهود علنا هو الخوف من أن يؤدي ذلك إلى إرسال رسالة إلى روسيا، مفادها أن المساعدات الإنسانية عبر الحدود لم تعد ضرورية.

من جهة أخرى، فإن جهود الأمم المتحدة لا تقتصر على شراء المساعدات وتقديمها فحسب، وإنما تعمل أيضا على تنسيق عمل المنظمات غير الحكومية على الأرض. فعمليا، سوف يكون من المستحيل على مجموعات المساعدة هذه تكرار عمليات الأمم المتحدة عبر الحدود على النطاق ذاته، وسيفقد العديد منهم التمويل ما لم تتم إعادة التفويض هذه.

إنهاء المساعدات التي تصل عبر الحدود سيكون حدثا كارثيا لما يزيد عن أربعة ملايين شخص يعيشون في شمال غربي سوريا، ويعتمد ثلاثة أرباعهم على المساعدات الإنسانية للقضاء على الجوع. وتعاني ما يزيد عن 80 بالمئة من المنطقة الخاضعة لسيطرة المعارضة من انعدام الأمن الغذائي، ومن المتوقع أن يؤدي انقطاع واردات القمح من روسيا وأوكرانيا إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية.

تصل المساعدات الأممية للسوريين إما عبر الحدود (cross-border) من المعابر مع دول الجوار، أو عبر آلية “المساعدات عبر خطوط التماس (cross-line)”، ويعني ذلك وصول المساعدات للمحتاجين من منطقة سيطرة إلى أخرى، وهي الآلية التي حاولت فيها الأمم المتحدة إيصال المساعدات للمناطق المحاصرة عن طريق مناطق سيطرة حكومة دمشق، والتي فشلت في كل مرة بسبب رفض دمشق ووضعها العراقيل والحجج.

ودخلت آلية تسليم المساعدات الإنسانية حيز التنفيذ في عام 2014، حيث وافق مجلس الأمن على أربعة معابر حدودية، هي باب الهوى وباب السلامة مع تركيا، ومعبر اليعربية مع العراق، ومعبر الرمثا مع الأردن.

وخلال السنوات الماضية، بقيت آلية نقل المساعدات الإنسانية إلى سوريا محل جدل وخلاف بين أعضاء مجلس الأمن الدولي، حيث يطالب المجتمع الدولي بإدخال المساعدات إلى سوريا عبر الحدود من دون التنسيق مع دمشق، في حين كانت كل من روسيا والصين تدعوان للتخلص من هذه الآلية، وإدخال المساعدات بالتنسيق مع دمشق.

في عام 2020، هددت روسيا باستخدام حق النقض “الفيتو” وأجبرت مجلس الأمن على إغلاق ثلاثة من المعابر الحدودية الأربعة المصرح بها، مما أدى إلى قطع مساعدات الأمم المتحدة عبر الحدود عن الشمال الشرقي تماماً، وجعل توزيع المساعدات في الشمال الغربي أكثر صعوبة.

وفي حزيران الماضي، اعتمد مجلس الأمن الدولي، بإجماع أعضائه، قرارا يقضي بتمديد آلية إيصال المساعدات الإنسانية إلى سوريا لمدة عام عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، وبقائها عبر الخطوط.

ويمدد القرار آلية إيصال المساعدات الإنسانية لمدة 6 أشهر، ثم يتم تمديدها لـ 6 أشهر أخرى، بعد أن يقدم الأمين العام للأمم المتحدة تقريراً لأعضاء المجلس بشأن تنفيذ القرار مطلع العام المقبل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.