هناك حوالي مائة جهادية فرنسية ما زلن مشبعات بفكر تنظيم “داعش” الإرهابي محتجزات في معسكرات في شمال شرق سوريا. وقد يشكل رفض السلطات الفرنسية إعادتهم خطرا أمنيا كبيرا.

فـ زينب شقيقة سامية، التي حزمت حقائبها نهاية عام 2014 للانضمام إلى تنظيم “داعش” في سوريا، تقول اليوم: “كانت أختي تحب زوجها بجنون، ولم يكن هناك شيء ليبقيها هنا”. وقد تم القبض علي سامية من قبل “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وتم وضعها في مخيم “روج”، شمال شرقي سوريا، في عام 2019. “كانت برفقة ابنها، البالغ من العمر 3 سنوات، بالإضافة إلى اليتيم الذي تبنته. وقد أعيد الأخير إلى وطنه في آذار 2019. ومنذ ذلك الحين، تعيش سامية في المخيم مع ابنها البالغ من العمر الآن 6 سنوات” تضيف زينب. وسامية، والتي تبلغ اليوم حوالي 40 عاما، ما هي إلا واحدة من زوجات الجهاديين الفرنسيين المعتقلين في معسكر “روج”، منذ سقوط الباغوز، آخر معاقل داعش في الشرق السوري.

وبحسب تقرير لصحيفة “لاكروا” الفرنسية، وترجمه موقع “الحل نت”، فإنه يبلغ عدد الجهاديات الفرنسيات المعتقلات في المخيمات ما بين 80 وأكثر من مائة. وقد استمرت دعوات إعادتهن إلى الوطن في التضاعف منذ عام 2019، من قبل العائلات والجمعيات والسلطات الإدارية، مثل اللجنة الاستشارية الوطنية لحقوق الإنسان، والهيئات الدولية.
وفي فجر ولاية رئاسية جديدة بفرنسا مدتها خمسة سنوات، أصبحت هذه الدعوات أكثر إلحاحا. وقد انعقد مؤتمر صحفي نظمه النائب هوبرت جوليان لافيري يوم الجمعة الماضي بهذا الخصوص، ومن المقرر عقد مؤتمر آخر يوم الاثنين 23 أيار، بمبادرة من جمعيات ضحايا الإرهاب ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان، للضغط على الإليزيه.

“عدة أنواع من الالتزام”

إذا كان الرأي العام يركز على مصير “أطفال داعش”، الذين نشأوا فيما أطلق عليه خبراء الأمم المتحدة “مخيمات مزرية”، فإن وضع ومصير النساء الجهاديات البالغات مهم أيضا. فـ سامية تريد العودة إلى فرنسا “لتنال عقابها، وقبل كل شيء لتوفر لطفلها حياة بعيدة عن كل عنف وبؤس”، بحسب شقيقتها. “إنها تدرك أنه سيتعين عليها بالضرورة المرور عبر السجن، لكنها تريد طي صفحة الماضي”، تقول زينب، التي تعتقد بأن “معظم الفرنسيات هناك ينأين بأنفسهن اليوم عن أيديولوجية داعش”.

فهل يجب النظر إليهن كأرامل لجهاديين التحقن بسوريا لاتباع أزواجهن، أم كزوجات لداعش ومتشبعات بأيديولوجية التنظيم؟

تشير جيرالدين كاسوت، الباحثة في “المركز السويسري للإسلام والمجتمع” بجامعة “فريبورغ”، إلى “عدة أنواع من الالتزام” بين النساء الداعشيات في المخيمات السورية: “أولا، هناك نساء لا يشعرن بخيبة أمل إطلاقا من داعش، وهن يحملن القضية اليوم ويريدن استعادة دولة الخلافة. وفي بعض الأحيان يزرعن الرعب في المخيمات. بعد ذلك، هناك النساء اللائي أردن بالفعل المغادرة تحت حكم داعش، بعد ابتعادهن عن أيديولوجية التنظيم، ولكنهن وجدن أنفسهن غير قادرات على الفرار. وأخيرا، هناك اللاتي ينتظرن، بأن يومهن لن ينتهي، دون معرفة إلى أين عليهن أن يتجهن”.

معلومات حاسمة

بالنسبة للسلطات الفرنسية، التي أعادت حتى الآن 35 طفلا، لكنها ترفض عودة النساء، يجب “محاكمة البالغين في أقرب مكان ممكن من الأماكن التي ارتكبوا فيها جرائمهم”. ومع ذلك، فإن السلطات في شمال شرق سوريا تطلب من الدول استعادة مواطنيها.

فكلهن معروفات لأجهزة المخابرات والأجهزة القضائية، كونهن موضوع “أمر توقيف أو أمر تفتيش”، كما يوضح جان تشارلز بريسارد، رئيس “مركز تحليل الإرهاب” الفرنسي. وفي حالة إعادتهن إلى أوطانهن، فسيتم تقديمهن على الفور أمام قاضي تحقيق، ثم وضعهم رهن الحبس الاحتياطي، قبل إصدار حكم بحقهن.

ويضيف بريسارد موضحا: “كان للبعض منهن دور عملياتي مباشر، والبعض الآخر كان على دراية بالانتهاكات والجرائم والهجمات. لذلك هناك مصلحة قانونية حقيقية في إعادتهن إلى أوطانهن. فيمكن لهاتين النسوة الاحتفاظ بمعلومات حول العديد من الملفات التي نحرم أنفسنا منها حاليا”. فعلى سبيل المثال، يتم احتجاز أرامل الأخوين كلاين، المتهمين بهجمات 13 تشرين الثاني في باريس ويفترض أنهما ماتوا، في مخيم “روج” اليوم!

خطر أمني

من “الأوجه المختلفة” للفرنسيات المحتجزات في سوريا اليوم، يستنتج النائب البرلماني الفرنسي هوبرت جوليان لافيريير، بأن هناك حاجة إلى مثولهن أمام القضاء في فرنسا. “يجب وضع أطفالهن لدى أسر حاضنة، ويجب أن يسجن في السجن في فرنسا. وسيسمح ذلك بالحفاظ على الروابط الأسرية، وهو أمر ضروري للأطفال، وفقا للأطباء النفسيين”، يؤكد لافيريير، وهو أحد الذين حاولوا، مع برلمانيين آخرين، في آذار 2021، زيارة العائلات الفرنسية في المخيمات.

وبالإضافة إلى الحجة الإنسانية، فإن مؤيدي هذا الخيار يسلطون الضوء على الضرورة الأمنية، حيث يمارس تنظيم “داعش” ضغوطا في المنطقة من أجل إطلاق سراح المعتقلين واستعادة النفوذ. ففي نهاية شهر كانون الثاني الماضي، اقتحم التنظيم الإرهابي سجنا في الحسكة، على بعد 100 كيلومتر من مخيم روج، وتمكن من تحرير بعض أنصاره ومقاتليه. وفي المخيمات، هربت بالفعل حوالي خمس عشرة امرأة فرنسية، بحسب بريسارد. ومن بينهن حياة بومدين، أرملة أميدي كوليبالي، إرهابي هايبر كاشر ومونتروج في كانون الثاني 2015 في باريس.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.