ينتشر الزواج القسري في العراق، ولا سيما في المحافظات الجنوبية والوسطى، إذ يجبر الأهل بناتهم على الزواج بالإكراه من أشخاص لا يرغبن بهم، لدوافع عديدة، منها العوز المادي نتيجة الوضع الاقتصادي المتردي؛ والمصالح المشتركة بين العائلات؛ فضلا عن العادات والتقاليد العشائرية. وغالبا ما ينتهي هذا النوع من الزيجات بطريقة مأساوية، عبر الطلاق أو هروب الزوجة؛ أو ربما قتلها من قبل الزوج وعشيرته، أو دفعها للانتحار.

وارتفعت نسبة الزواج القسري في العراق بالفترة الأخيرة، لتبلغ حوالي عشرين بالمئة من حالات الزواج في البلاد، بحسب إحصاءات محاكم الأحوال الشخصية. ما يدفع للتساؤل حول دور القانون العراقي بحماية الفتيات من هذا الانتهاك الكبير لحقوقهن الشخصية والاجتماعية.

نماذج عن الزواج القسري

السيدة بيسان، إحدى ضحايا ظاهرة الزواج القسري في العراق، تروي لموقع “الحل نت” معاناتها، بعد أن تم اجبارها من قبل والدها على الزواج من رجل يكبرها بعشرين عاما. وفقا لعرف يسمى “الفصل العشائري”.
تقول بيسان، التي طلبت عدم نشر اسمها الكامل: “لن أسامح أبي طوال حياتي على ما فعله بي، فما ذنبي لأتزوج رجلا من جيل آخر؟”.

وتتابع: “كنت برفقة والدي عند تسببه بحادث سير، أدى إلى تحطيم سيارة زوجي الحالي، وهي سيارة من نوع مارسيدس غالي الثمن، وبعد مرور أيام جاء إلى بيتنا للمفاوضة على دفع التكاليف وتصليح الضرر، ليفاجئ أبي بطلب الزواج مني، بسبب إعجابه الشديد بي. ووافق أبي مباشرة، للتخلص من عبء دفع مبلغ التعويض، الذي قد يصل إلى عشرة ملايين دينار عراقي، من دون موافقتي، ولا حتى الاستماع لرأيي. وهكذا تم تزويجي مقابل إصلاح أضرار في سيارة، كي لا تقوم مشكلة بين العشائر!”.

مريم حميد، ضحية أخرى للزواج القسري في العراق، تقول لـ”الحل نت”: “لا أرغب بزوجي، ولا أكن له أية مشاعر. حاولت كثيرا الانفصال عنه. ولكن العادات والتقاليد تحكمني”.

وتضيف: “أجبرني والدي على الزواج من ابن عمي في عمر السابعة عشر، بسبب الحالة المادية المتردية التي نعاني منها، إذ لا يوجد معيل للعائلة سوى أبي، الذي يعمل سائق سيارة أجرة. وكنت أكبر أخواتي، لذلك كنت ضحية هذا الزواج”.

بالمقابل يعبّر أبو علي، من أهالي الديوانية، لـ”الحل نت” عن رأي الآباء، الذين يزوجون بناتهم قسرا. فهو يعتقد أن “هذا ليس بالأمر الخاطئ. وهذه هي العادات والتقاليد التي تربينا عليها، فالأهل هم الأدرى بمصلحة بناتهم”.

ويضيف: “الفتاة في مجتمعنا الشرقي المحافظ لا يحق لها الخروج بمواعيد غرامية أو عيش قصص رومانسية، لذا من واجب الأب إجبار ابنته على الزواج من الشخص الذي يراه مناسبا لها. هكذا عشنا جميعا حياتنا وتزوجنا وأنجبنا الأطفال”.

الزواج القسري في العراق سبب أساسي لتفكك الأسرة

زهرة سالم، الباحثة الاجتماعية في محكمة الأحوال الشخصية، توضح أن “هناك أسبابا عديدة تدفع الآباء لإجبار بناتهم على الزواج من الأشخاص الذين لا يرغبن بهم، وأغلبها الفقر والبطالة”.

وتشير سالم، في حديثها لـ”الحل نت”، إلى “ازدياد حالات الطلاق في السنوات الأخيرة، لعدم تقبّل الزوجين لبعضهما، وغياب التفاهم والتوافق والمودة. وهكذا يؤدي الزواج القسري في العراق للتفكك الأسري”.

من جهتها تكشف بشرى العبيدي، الأستاذة في كلية القانون، وعضو مفوضية حقوق الإنسان، عن “ارتفاع حالات الزواج القسري بشكل كبير، بحسب إحصاءات محاكم الأحوال الشخصية, وأغلب حالات الطلاق، التي باتت منتشرة لدرجة مخيفة في الآونة الأخيرة، تكون بسبب إجبار الفتيات على الزواج، بسب العادات والتقاليد؛ وكذلك الزواج التبادلي، الذي يسمى القصة بالقصة أو الفصلية. أي تزويج الآباء لبناتهم لتعويض عائلة أو عشيرة أخرى عن خطأ ارتكبوه بحقها”.

وتبيّن العبيدي، في إفادتها لـ”الحل نت”، أنه “في عام 2012 وقّع العراق على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واتفاقيات الأمم المتحدة ذات الصلة، والعهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية، واتفاقية إلغاء جميع أشكال العنف والتمييز ضد المرأة، وجميعها تحتوي على نصوص تفيد بتجريم الإجبار على الزواج لأي سبب كان، ولكن ما نراه على أرض الواقع عكس ذلك، اذ تزداد ظاهرة الزواج القسري في العراق”.

مقالات قد تهمك: في يومها العالمي: المرأة العراقية تناضل ولا تحتفل

لا فائدة من القانون مالم يتم تجريم العنف الأسري

الحقوقي محمد جمعة يوضح لـ”الحل نت” موقف القانون من الزواج القسري في العراق: “المادة 9 من قانون الأحوال الشخصية تنص بالحبس ثلاث سنوات على التزويج بالإكراه”.

إلا أنه يستدرك بالقول: “لكن لا فائدة من القانون طالما لا يوفر الحماية للضحية، التي قد ينتهي بها الأمر مقتولة أو مسجونة في بيتها، إذا تجرأت على رفع شكوى ضد الأب أو الأخ. لذا لا معنى للقانون الجنائي ما لم يتم تشريع قانون العنف الأسري. وهو المشروع الذي تقف قوى سياسية عدة ضد إقراره بالبرلمان العراقي”.

ويروي جمعة، خلال مكالمة هاتفية مع موقع “الحل نت”، قصة عايشها في إحدى المحاكم العراقية: “قبل عشرة أيام جاءت إلى المحكمة فتاة، لم تبلغ السادسة عشر من عمرها، برفقة والدتها، لإتمام عقد الزواج، وبصراحة الموضوع أثار غضبي، فسألت والدتها: لماذا تقومين بتزويجها وهي في هذا العمر؟ فجاوبتني الأم جوابا صادما، فهي تريد تزويج الفتاة لشخص استدانت منه مبلغ مليونين ونصف دينار عراقي، مقابل إعفائها من سداد الدين. أي أنها قامت ببيع ابنتها”.

ويؤكد جمعة أن” أغلب الأسباب وراء ظاهرة الزواج القسري هي أسباب اقتصادية. إضافة إلى الفكر الخاطئ السائد في المجتمع، وهو أن الفتاة إذ تعدت عمر العشرين باتت عانسا، وبالتالي يجب تزويجها بالإكراه لأي شخص يتقدم لها”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.