تتعرض العديد من النساء في إدلب للمضايقات والابتزاز عبر الإنترنت، حيث يتم استغلال بياناتهن الشخصية المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي لتحقيق مكاسب مادية أو معنوية أو حتى لأغراض الاستغلال الجنسي.

وتواجه النساء في محافظة إدلب شمال غربي سوريا تحرشا إلكترونيا بشكل متزايد، حيث تتعرض الكثير منهن للاستغلال المعنوي والمادي، بحسب ما أورده تقرير لموقع “المونيتور” وترجمه موقع “الحل نت”.

وقد تعرضت عبير قدور، شابة من محافظة إدلب تبلغ من العمر عشرون عاما، للمضايقات عبر الإنترنت من قبل شاب تحرش بها عمدا وانتهك خصوصيتها على وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي أدى إلى دمار مستقبلها وتعليمها. وفي حديثها إلى “المونيتور”، تقول عبير: “بدأ الأمر عندما أضفت هذا الشخص إلى قائمة أصدقائي منذ فترة. وكان يعلق بشكل منتظم على منشوراتي، ومن ثم تطورت الأمور. وبدأ بعد فترة من الوقت بالدخول في تفاصيل حياتي الخاصة، ثم طلب مني الخروج سويا. وعندما رفضت طلبه، زور صورة ملفي الشخصي لتبدو وكأنني أرتدي ملابس غير محتشمة، وبدأ يهدد بأنه سوف ينشرها”.

وتؤكد عبير بأنها لم تستجيب لتهديدات المتحرش وحظرته من حسابها، إلا أن الأمر لم ينتهي هنا. فقد أرسل صورتها إلى حسابات أشقائها، الذين ضربوها وأجبروها على ترك المدرسة. ففي نظرهم كانت أختهم هي المذنبة.

وتشير عبير إلى أن المجتمع لا يرحم عندما يتعلق الأمر بالنساء، وأن الجانب الذي يروونه من الحكاية غالبا لا يتم تصديقه. وكان ذلك السبب في تفضيل معظم أصدقاء عبير التزام الصمت ورفض الوقوف إلى جانبها ومساندتها، تجنبا للاتهامات والعنف على أيدي أسرهم ومجتمعهم. وتضيف عبير قائلة: “لا أحد يحمينا من هؤلاء المتحرشين. حتى القوانين تتجاهلنا، وقد أدى عدم تنفيذها إلى هذا الارتفاع المخيف في المضايقات على وسائل التواصل الاجتماعي”.

من جانبها، كانت علا سلوم، 23 عاما من بلدة كفر لوسين في ريف إدلب الشمالي، أيضا ضحية للابتزاز عبر الإنترنت، حيث تم اختراق هاتفها من قبل شخص تجهل هويته. وفي حديثها إلى “المونيتور”، تقول علا: “بدأت بتلقي التهديدات من حساب مزيف على مسنجر الفيسبوك مطلع هذا العام من شخص تمكن من الوصول إلى جميع صوري وبياناتي الشخصية. وقد هددني بنشر محادثاتي وصوري الشخصية ما لم أدفع له المال، إلا أنني رفضت وقمت بحظر حسابه.

بعد ذلك، قام بالاتصال بي من أرقام هواتف وحسابات غير معروفة، مما جعل من هاتفي كابوس يهدد أمني ويزعزع سلامتي”. ونتيجة لذلك، مررت بنوبات من التوتر والقلق والاكتئاب والشعور الدائم بعدم الأمان والخوف وانعدام الثقة بالآخرين”.

وقد قررت علا بعد ذلك الخروج عن صمتها وإخبار شقيقتها وشقيقها الأكبر عن الإساءات والتهديدات التي تعرضت لها على وسائل التواصل الاجتماعي. فاتصل شقيقها بالشخص المبتز وهدده بأنه قادر على التعرف عليه وأنه سوف يرفع دعوى قضائية ضده. عندها فقط أوقف تهديداته.

كما أن الفتيات القاصرات لم يسلمن كذلك من المضايقات عبر الإنترنت. فيغريهم المعتدون ويدفعون بهم إلى فخهم، مستغلين افتقارهن إلى الخبرة الحياتية والخوف من الكشف عن هويتهم والإبلاغ عنهم. فعلى سبيل المثال، اضطرت هدى حمشو، 16 عاما من سرمدا شمال إدلب، إلى حذف جميع تطبيقات التواصل الاجتماعي من هاتفها المحمول بعد تعرضها بشكل متكرر للمضايقات عبر الإنترنت. وتقول هدى لـ “المونيتور”: “قام شخص ما بجمع معلومات عن حياتي، وبدأ بمطاردتي وكتابة تعليقات وكلمات بذيئة”، مشيرة إلى أنه لم يكتف بكتابة التعليقات على صفحتها فحسب، وإنما أيضا أرسل لها رسائل خاصة وصور عارية.

ولإنهاء الأذى الذي شعرت به، تروي هدى كيف أنها تجاهلت رسائله وإهاناته وقامت بحذف حسابها على الفيسبوك. وتضيف قائلة: “الكثير من المتحرشين يرضون رغباتهم بعيدا عن أعين الأجهزة الأمنية من خلال المضايقات عبر الإنترنت”.

ولمواجهة هذا الواقع القاسي، افتتحت العام الماضي منظمة “Glimpse of Hope” للسيدات، والتي تتخذ من إدلب مقرا لها، مركزا يقدم دورات تدريبية للنساء للمساعدة على صيانة هواتفهن بغية مساعدتهن على حماية خصوصياتهن. وتعقد الدورات التدريبية بشكل منتظم في المركز في إدلب.

وتقول سوسن سعيد، إحدى القائمات على المشروع في المنظمة، في حديث لـ “المونيتور”: “توفر محلات صيانة الهواتف فرصة عظيمة للمتحرشين للعثور على ضحايا جدد، من خلال اختراق أجهزتهن الشخصية وفتحها بطرق مختلفة وذلك لابتزاز الضحية. وعادة ما يدفع هذا النساء إلى حذف جميع البيانات الموجودة على هواتفهن قبل إرسالها للصيانة أو الإصلاح، خوفا على خصوصيتهن وتركها في أيد غير آمنة. ولكن المركز النسائي الذي افتتحناه يوفر خدمات الصيانة والبرمجة الآمنة”.

وفي حديثها لـ”المونيتور” حول التحرش عبر الإنترنت، تقول سلمى كيال، الأخصائية الاجتماعية في مدرسة “براعم المستقبل” الخاصة في إدلب، موضحة: “لم تعد اللقاءات الشخصية ضرورية للمتحرش للتعرف على ضحيته، حيث أصبحت النساء مستهدفات عن طريق المضايقات عبر الإنترنت بطرق مختلفة، بدءا من الرسائل مجهولة المصدر والإهانات وإرسال الصور المسيئة والابتزاز والتشهير والتهديدات والمطاردة والتلاعب بالصور الموجودة على صفحاتهم الشخصية”.

وتعرف كيال التحرش عبر الإنترنت بأنه استخدام الإنترنت للتواصل مع شخص ما بقصد إلحاق الأذى الجنسي والاجتماعي بالضحية وابتزازها، مؤكدة احتواء العالم الافتراضي على الكثير من المعلومات الشخصية عن الأفراد، الأمر الذي يسهل اختيار الضحية.

وتعزو كيال انتشار المضايقات عبر الإنترنت إلى تنوع منصات التواصل الاجتماعي وغياب رقابة الأسرة على استخدام الأطفال للانترنت. وكذلك إلى صعوبة تحديد هوية الجاني الذي غالبا ما يستخدم أسماء وحسابات وهمية للوصول إلى هدفه، بالإضافة إلى غياب القوانين التي تردع الجرائم الإلكترونية وتعاقب مرتكبيها.

وترى كيال بأن التحرش الذي يستهدف النساء عبر الإنترنت ما هو إلا شكل من أشكال العنف ضد المرأة، وأكثر أشكال انتهاكات حقوق الإنسان انتشارا، حيث يترك آثارا نفسية وعاطفية لا تختفي حتى بعد إيقاف الجاني. وبالتالي، فإن الضحية تحتاج إلى دعم ومساعدة نفسية لتعود إلى حياتها الطبيعية، بحسب ما أشارت. كما أن العديد من الفتيات يلتزمن الصمت حيال التحرش عبر الإنترنت، خوفا من المجتمع الذي يتعمد إلقاء اللوم على النساء والاعتداء عليهن وتقييد حريتهن.

لذلك فهي تنصح النساء اللاتي تعرضن للتحرش عبر الإنترنت بالدفاع عن أنفسهن وعدم الصمت، بل فضح المتحرشين حتى يتوقفوا عما يفعلوه، وأن يكنّ قدوة للأخريات، سواء من خلال التقاط صور للمسيء ولقطات شاشة لمحادثاتهم، أو رفعها إلى الجهات المختصة. فالتحرش عبر الإنترنت يعد جريمة إلكترونية جدية وخطيرة، لأنه يهدد الفتيات والنساء في المجتمعات المحافظة من خلال نشر معلومات شخصية وصور ومقاطع فيديو من شأنها تدمير حياتهن بالكامل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة