في إطار جهود ومحاولات جديدة من قبل الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الأميركية بالتفاوض مع إيران للخروج من الوضع المستعصي الذي آلت إليه جولات مفاوضات فيينا التي عُقدت على مدى 11 شهرا وتوقفت في مارس/آذار الماضي، عقدت الجولة الأولى من المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة في الدوحة بشأن إحياء الاتفاقية النووية لعام 2015، دون إحراز أي تقدم، وسط اتهامات متبادلة بفشل المفاوضات، كما وصِفت بـ “المخيبة للآمال وخطوة إلى الوراء”، بالنظر إلى أن الإيرانيين أثاروا قضايا قديمة تمت تسويتها، وقضايا أخرى جديدة لا تتعلق بالاتفاق النووي، وأنها لا تبدو مستعدة لاتخاذ القرار الجوهري بشأن ما إذا كانت تريد إحياء الاتفاق أم دفنه، ووفق تصريحات الخارجية الأميركية، مما يدل على عدم جدية إيران في هذه المحادثات وإصرارها على شروطها شبه المستحيلة.

ومع طلب إيران الوساطة من الدولة الصديقة (قطر) لاستقبال المفاوضات في الدوحة، وإصرارها على شروطها التي رفضتها واشنطن بشكل قاطع، لم تحمل هذه المفاوضات في أولى جولاته أي تقدم عن الجولات السابقة التي عقدت في فيينا. أيضا، نتيجة للأوضاع المتأزمة داخل إيران وعلى المستويين السياسي والإقليمي، خاصة تلك المتعلقة بالوضع الاقتصادي المنهار في إيران، والتهديدات المحتملة ضدها من قبل إسرائيل وأميركا وبعض دول المنطقة، خاصة مع طرح فكرة مشروع “ناتو شرق أوسطي” مؤخرا، وبالتزامن مع زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن المرتقبة إلى المنطقة؛ تبرز عدة تساؤلات؛ ألا وهي احتمالية استخدام إيران أسلوب “المماطلة وسياسة كسب الوقت” من خلال المراوغة والالتفاف على المحادثات النووية، في سبيل تحقيق عدة أهداف لصالحها؛ أولا إبعاد أي خطر يهدد نفوذها في المنطقة (إفشال فكرة “ناتو شرق أوسطي”)، إلى جانب المحاولة في كسب بعض الاتفاقيات الاقتصادية المؤقتة في المفاوضات، مستغلة بذلك الحرب الأوكرانية والعقوبات المفروضة على روسيا، في سبيل تمرير نفطها لدول الاتحاد الأوروبي، وأيضا ربما المحاولة في كسب الوقت للحصول على القنبلة الذرية والتي باتت على وشك الحصول عليه.

إيران تستخدم “سياسة إضاعة الوقت”

في سياق متّصل، أكدت واشنطن والاتحاد الأوروبي انتهاء جولة المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة التي عقدت في الدوحة، دون إحراز أي تقدم. وعقدت المفاوضات يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، في أحد فنادق العاصمة القطرية.

وكان منسق شؤون المفاوضات الأوروبي إنريكي مورا هو الوسيط في هذه الجولة، في حين جلس كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري والمبعوث الأميركي الخاص بشأن إيران روبرت مالي في غرفتين منفصلتين.

وقال متحدث باسم الخارجية الأميركية في وقت متأخر من مساء الأربعاء، إن المحادثات فشلت لأن “إيران أثارت نقاطا لا علاقة لها بخطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي)، وهي لا تبدو مستعدة لاتخاذ القرار الجوهري بشأن ما إذا كانت تريد إحياء الاتفاق أم دفنه”.

في سياق مواز، قال المحلل السياسي الإيراني، مهدي عقبائي، “في البداية إيران هي التي اختارت قطر لتكون الدولة المضيفة للمحادثات. ولأن هذه الدولة هي صديقتها، يجب أن نعلم أن هذا النقل كان بطلب طهران نفسها، الذي يعتقد أنه يغير شيئا ما في المحادثات النووية”.

وأردف عقبائي في حديثه مع موقع “الحل نت”: “لفهم تأثير ذلك على تقدم المفاوضات ودراسة النتائج والعواقب، من الجيد العودة إلى الوراء قليلا، ثلاثة أشهر مرت منذ توقف محادثات فيينا، ولم يتم التوصل الى صيغة ما، مع العلم أن الكثيرين يعتقدون أن هذه المفاوضات أصبحت مثل الجثة الهامدة”.

وفي اعتقاد المحلل السياسي، أن ” استئناف إيران المفاوضات مرة أخرى في بلد جديد وبرغبتها قادمٌ من عدة منطلقات، وهي: العقوبات مستمرة على طهران، والمأزق الاقتصادي يفرض عليها مزيدا من الضغوط، خاصة مع صدور قرار من مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية ضد طهران، يمهد لإحالة القضية إلى مجلس الأمن”.

وأضاف عقبائي، أن الولايات المتحدة أعلنت مؤخرا عن حزمة جديدة من العقوبات ضد صناعة البتروكيماويات في طهران، والاجتماع المشترك لقادة عسكريين أميركيين، وإسرائيليين وإقليميين في شرم الشيخ للتخطيط للمواجهة، والحد من التوسع الإيراني في المنطقة. فضلا عن زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لتركيا والأردن ومصر وطرح فكرة حلف شمال الأطلسي شرق أوسطي، إلى جانب الإقرار العلني بإمكانية إقامة العلاقات بين السعودية وإسرائيل، يكون محورها المواجهة مع طهران، بالتزامن مع زيارة بايدن القادمة للمنطقة وزيارته لإسرائيل والسعودية، والتي تعتبرها وسائل الإعلام وخبراء النظام تهديدا واضحا لإيران، فبات من الواضح أن طهران قدّرت الوضع على أنه “خطير”.

وبالتالي، وفق اعتقاد عقبائي، “من الطبيعي أن تلجأ طهران في كل هذه الظروف مرة أخرى إلى سياسة الخداع والتستر لكسب الوقت. وبالفعل فقد سرّبت مؤخرا أنباء عن استعدادها للتراجع عن مطالبتها بسحب “الحرس الثوري الإيراني” من قائمة الإرهاب، ولكن، فإن الهدف وراء كل هذا هو محاولة الالتفاف على هذه الموجة بالإيحاء بأن إيران مستعدة لتقديم تنازلات، حيث تم استخدام نفس السياسة عدة مرات بسبب سياسة التهدئة والاسترضاء المتّبعة من جانب الغرب”.

قد يهمك: الاتفاق النووي الإيراني.. لماذا انتقل مقر المفاوضات من النمسا إلى قطر؟

إيران لن تتنازل عن مشروعها “النووي”؟

في سياق سياسة إيران، قال المحلل السياسي، مهدي عقبائي، “دعونا لا ننسى ما قاله حسن روحاني، الرئيس السابق ورئيس مجلس الأمن القومي التابع للنظام الإيراني، الذي اعترف بصراحة في مذكراته: “كان الهدف الرئيسي من نشاطنا الدبلوماسي، أولا، خلق فرص لاستكمال التكنولوجيا وقدرة الدولة الموثوقة على تخصيب اليورانيوم، وثانيا، بناء الثقة وتبديد الاتهامات والشكوك”.

لذلك، وبحسب اعتقاد عقبائي، “ليس لطهران أي غرض أو هدف سوى خداع المجتمع الدولي، وكسب الوقت من الضجة التي أحدثتها بشأن استعدادها لاستئناف المفاوضات. إذا كانت تريد التفاوض حقا، فلماذا لم تتفاوض منذ سنوات عديدة”.

وأضاف عقبائي، ضمن حديثه الخاص لـ “الحل نت”، عدم تنازل إيران عن أمرين رئيسيين، حيث قال: “لن تتنازل إيران عن أولويتين سواء نجحت المفاوضات أم لا: أحدهما مشاريعه النووية- حتى ولو بطرق غير مشروعة- والآخر تدخله في المنطقة، وبسط نفوذها قدر المستطاع”.

وختم عقبائي، حديثه بالقول: “لكن الوضع وصل إلى نقطة لم يعد من الممكن فيها تضييع الوقت، والعقوبات تضع المزيد من الضغط على طهران كل يوم، وعدم الامتثال لمطالب الوكالة الدولية للطاقة الذرية سيؤدي إلى إحالة الملف إلى مجلس الأمن. وبالتالي، قد تكون مثل هذه المناورات بمثابة ملاذ مراوغة لفترة وجيزة، ولكن هذا الأمر بحد ذاته يؤدي إلى تفاقم الوضع أكثر، خاصة وأن الشعب الإيراني غير راضٍ عن الوضع الاقتصادي الراهن، وتزداد احتجاجاتهم وإضراباتهم كل يوم”.

موقع “أكسيوس” الإخباري، كان قد نقل عن مسؤول أميركي قوله إن جولة المفاوضات غير المباشرة في الدوحة لم تحرز تقدما، وأن الإيرانيين هم الجانب الذي يحتاج إلى اتخاذ قرار بشأن العودة إلى الاتفاق النووي، وكان يتعين عليهم اتخاذه منذ أشهر.

وكان وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان قد زعم جدية طهران في التوصل إلى اتفاق جيد ودائم خلال محادثات الدوحة؛ لكنه شدد على أن إيران لن تتراجع عما تعتبره “خطوطا حمراء”.

قد يهمك: بعد محادثات الدوحة.. تراجع فرص الاتفاق النووي الإيراني 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.