“لم يعد هنالك وسيلة لمواجهة برد الشتاء القادم” تقول جودي بسّوت، (امرأة تعيش في دمشق مع عائلتها المكونة من ستة أفراد)، متوقعة تفاقم المعاناة خلال فصل الشتاء، بعد زيادة عدد ساعات تقنين الكهرباء، فضلا عن تخفيض مخصصات الشتاء من المحروقات للعائلات السورية من قِبل حكومة دمشق.

وعود بلا تنفيذ

حكومة دمشق، أطلقت خلال الأشهر الماضية العديد من الوعود لتحسين واقع التيار الكهربائي، وذلك في معرض تبريرها لتخفيض مخصصات المواد النفطية للعائلات السورية، لكن الواقع كان يؤكد عجز الحكومة عن تنفيذ وعودها، حيث زادت ساعات التقنين في معظم المناطق السورية، وسط انخفاض الإنتاج من الكهرباء.

وتقول بسّوت، في حديث مع “الحل نت“: “مدفأة المازوت نسيناها منذ عامين، بعد تخفيض مخصصات الشتاء من المحروقات، الشتاء الماضي لم نحصل سوى على 50 لتر من المازوت للتدفئة بأسعار مدعومة. الكهرباء التي كنا نعتمد عليها بشكل جزئي، زاد فيها ساعات التقنين، لنصبح بلا أي مقومات لمواجهة برد الشتاء“.

في إطار حديثها عن تحضيرات الشتاء، تؤكد بسوت أن ساعات التقنين في منطقتها زادت خلال الأيام الماضية، بمعدل ساعتين يوميا، وتضيف: “الكهرباء كانت الأمل الوحيد في ظل غلاء المحروقات، لكن يبدو أن ساعات التقنين سترتفع مع ازدياد معدلات الاستهلاك، وعود الحكومة ذهبت هباء“.

وحول ذلك تُزيد: “معظم العائلات لن تستطيع تأمين الوقود للتدفئة، وبالتالي سيكون الاعتماد بشكل كبير على الكهرباء، ولا يبدو أن الحكومة جاهزة لتأمين كميات الكهرباء في حدودها الدنيا للمواطنين مع الأسف“.

تمهيد لتفاقم الأزمة

تقرير لموقع “أثر برس” المحلي، يوم الخميس الفائت، نقل عن مدير المؤسسة العامة لنقل وتوزيع الكهرباء، المهندس هيثم الميلع، قوله إن “وضع التقنين الكهربائي خلال الشتاء القادم مرتبط بحوامل الطاقة وبالتالي إذا كان هناك مردود إضافي بحوامل الطاقة فسنشهد تحسّنا، ونحن نسعى دائما لوضع كافة الإمكانيات لتحسين الواقع الكهربائي“.

قد يهمك: “للتصميد وساعة الغفلة“.. هل ضاعت قيمة الجمعية في سوريا؟

وأردف الميلع، “توليد الكهرباء مرتبط بحوامل الطاقة ونحن بدورنا في المؤسسة نوزّع الطاقة المولدة على المواطنين، فإذا زاد الاستهلاك أكثر من الكمية سنواجه انقطاع بالكهرباء بالتأكيد“.

وبحسب الميلع، فإن الحماية الترددية موجودة في كل المحطات الكهربائية في العالم، وإذا كان حجم التوليد بنفس حجم الاستهلاك فلا تعمل الحماية، أما إذا كان التوليد أقل من الاستهلاك فتعمل مباشرة وتؤدي لحدوث الفصل.

بحسب مختصين، في وقت سابق لـ“الحل نت“، فإن كمية التوليد للكهرباء في سوريا أقل من الاستهلاك بنسبة كبيرة، وعمليات الصيانة للمحطات الرئيسية شبه متوقفة، وتقتصر الصيانة على الشبكات والأعمدة والأسلاك، متسائلين ما فائد الأسلاك دون وجود كهرباء؟.

من جانبه يؤكد سامر عبد اللطيف، أنه كان يتدبر أموره الشتاء الماضي، بين الكهرباء ومدفأة الغاز، حيث استطاع الحصول على العديد من أسطوانات الغاز بأسعار مدعومة السنة الماضية، لكنه حائر الآن بعد ازمة فقدان المواد النفطية، حيث لا سبيل لمواجهة الشتاء.

ويقول عبد اللطيف، في حديث لـ“الحل نت“: “منذ بداية العام الماضية، كانت قرارات رفع الدعم وتخفيض مخصصات المحروقات، مقرونة بوعود تتعلق بتحسين واقع التيار الكهرباء، الحكومة نفذت قرارات تخفيض الدعم ورفع أسعار المحروقات، لكنها نسيت على ما يبدو تنفيذ وعودها المتعلقة بتحسين الكهرباء، لا بل على العكس، مشكلة الكهرباء زادت سوءا خلال الأسابيع الماضية“.

أزمة خانقة في النفط

تعاني البلاد من شح كبير، في المواد النفطية، بعد تراجع الإمدادات من إيران، في حين فشلت الحكومة في التغلب على هذه الأزمة، لتأمين المحروقات المخصص للشتاء، المفترض توزيعه خلال هذه الفترة.

بين الفينة والأخرى، تعلن الحكومة عن وصول ناقلة نفط إلى السواحل السورية قادمة من إيران، لكن هذا التّزود المضاف إليه الناتج المحلي، لا يسد حاجة الاستهلاك المحلي، الذي لا يقل عن 150 ألف برميل يوميا، في حين تنتج دمشق نحو 30 ألف برميل فقط.

وكانت الحكومة السورية، قلّصت حصة الأسرة من التدفئة، العام الماضي، من 200 لتر، إلى 50 لترا، والتوقعات هذا الشتاء تصب في عدم رفع الكمية، بدليل تأخر وصول رسائل تسليم المازوت بالسعر المدعوم، الأمر الذي دفع السوريين للبحث عن بدائل مبتكرة لمواجهة برد الشتاء.

وفيما يخص أزمة الكهرباء، واصلت الحكومة إطلاق الوعود للتحسين، حيث أكد رئيس مجلس الوزراء حسين عرنوس، أن: “الحكومة تتابع العمل على تحسين الواقع الخدمي والاقتصادي والمعيشي للمواطنين، في ضوء ما تَوفّر لها من إمكانيات، مع الحرص على إقامة أفضل التوازنات الصعبة الممكنة، بين تمويل الإنفاق العام من جهة، والحفاظ على استقرار سعر الصرف من جهة أخرى“.

وأشار عرنوس، في تصريحات نقلتها صحيفة “الوطن” المحلية الثلاثاء، إلى أن الحكومة تولي اهتماماً كبيرا بمسألة إعادة تأهيل المنظومة الكهربائية لأهمية هذا القطاع ودوره المحوري على مستوى خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، حسب قوله.

عرنوس، لفت إلى التوجه نحو إنشاء محطات باستخدام الطاقات البديلة، إذ تم البدء بتنفيذ محطة توليد كهروضوئية في “وديان الربيع” بريف دمشف، باستطاعة 300 ميغا واط، والعمل جار لاستكمال تنفيذ محطة كهروضوئية في الشيخ نجار بحلب، باستطاعة إجمالية قدرها 33 ميغا واط، وتم منح ترخيص لـ 100 ميغا واط شمسي في عدرا الصناعية، سيتم وضع /10/ ميغا واط منها في الخدمة قريبا.

هذه التصريحات المتكررة، لم تجعل عبد اللطيف متفائلا بواقع الكهرباء، فهو يعاني من تقنين يبلغ 20 ساعة يوميا، وقد سمع من هذه التصريحات الكثير خلال العامين الماضيين، دون أي تحسن ملحوظ على أرض الواقع.

فواتير كهرباء مرتفعة

في أيار/مايو الماضي، أظهرت فواتير استهلاك الكهرباء، الارتفاع الكبير الذي طرأ على فواتيرها، لاسيما في الدورة الأخيرة التي شملت شهري كانون الثاني وشباط من العام الجاري، فقد وصلت فواتير الكهرباء الصادرة في دورتها الأخيرة، إلى مبالغ تجاوزت 20 ألف ليرة سورية، بعد أن كانت لا تتجاوز مبلغ 3 آلاف ليرة سورية، في الدورات الصادرة، بحسب تقرير سابق لـ“الحل نت“.

وحسب تقرير سابق لـ“الحل نت“، فإن بعض الفواتير وصلت إلى مبالغ كبيرة جدا، تراوحت بين 50 و70 ألف ليرة سورية للاشتراك المنزلي، مضيفا إلى أنها في مناطق تُقطع فيها الكهرباء لساعات طويلة، فيما لم يحصل المشتركون على أي نتيجة من تقديم اعتراضات لمؤسسة الكهرباء، وأن المؤسسة اكتفت بتقسيم الفاتورة على أشهر تحت بند “الشرائح“.

وفي نيسان/أبريل الفائت، صدرت فواتير كهرباء بتسعيرة جديدة، على الرغم من التقنين لساعات تكون معها الكهرباء نادرة معظم الأحيان، وبيّنت هذه الفواتير أن معظم المستهلكين الذين استهلكوا 1500 كيلو واط، وصلت قيم فواتيرهم بعد التعرفة الجديدة لحدود 16 ألف ليرة، بدل من 6100 حسب التعرفة السابقة، في حين من استهلك ألفي كيلو واط بلغت قيمة فاتورته 77500 ليرة، بدلا من 12 ألف حسب التعرفة السابقة، في حين وصلت قيمة الفاتورة ذات الاستهلاك 2500 كيلو واط إلى 130 ألف ليرة، بدلا من 18 ألف ليرة.

ويبلغ إجمالي المشتركين في القطاع المنزلي نحو4,5 ملايين مشترك، منهم 3,5 ملايين استهلاكهم ضمن الشريحة الأولى من 1-600 كيلو واط في الدورة، وهو ما يمثل نحو 70 بالمئة، من المشتركين المنزليين وبالتالي لا تتجاوز قيم فواتيرهم في الدورة 1200 ليرة، حسب قسم التخطيط في وزارة الكهرباء.

لا يبدو من خلال التصريحات الحكومية الأخيرة أن الكهرباء ستشهد تحسنا خلال الشتاء، وفي الوقت نفسه تحاول الحكومة دفع الناس نحو خيار الطاقة البديلة عبر قروض طويلة الأمد، المستفيد منها هي الحكومة التي ستسترد تلك القروض مع فوائدها، كما ستعمل شركات هي من تقوم بتحديدها للعمل على الطاقة البديلة، ليبقى السوريون بين خيارات ضيّقة ربما لن يكون هناك مفر من اللجوء إلى أحدها.

وفي خضم هذه الأزمات، اتجهت بعض العائلات الميسورة إلى تخزين الحطب، لاستخدامه في مواجهة برد الشتاء، والذي شمله هو الآخر ارتفاع الأسعار خلال الأسابيع الماضية.

وبالنظر إلى ارتفاع سعر الطن الواحد للحطب إلى 600 ألف ليرة وتوقعات تجار الأخشاب، الذين يؤكدون أن السعر لن يظل ثابتا بعد دخول فصل الشتاء، ولكنه سيشهد ارتفاعا يتناسب طردا مع موجات البرد والصقيع، لا تزال الأخشاب تتصدر قائمة وسائل التدفئة الأكثر سهولة في الاستعمال والأكثر دفئا، رغم أنها ليست الأكثر اقتصادا للجيب، وخاصة بالنسبة للأشخاص ذوي الدخل المحدود.

وتواجه الأسر السورية أزمات معيشية واقتصادية مختلفة، في ظل تردي الواقع الخدمي والمعيشي في مختلف المناطق السورية، ما جعل تربية الأطفال ورعايتهم، وتأمين الحد الأدنى من مستلزماتهم تحديا حقيقيا ومستمرا تعجز آلاف الأسر السورية عن مجاراته.

التحايل على الأزمات

يواجه السوريون في المناطق الخاضعة للحكومة السورية، صعوبة في التغلب على أزمات ارتفاع الأسعار المتكررة، فبدأت العائلات السورية بحذف العديد من الأصناف الاستهلاكية من قائمة المشتريات الشهرية، بهدف التوفيق بين الدخل والمصروف.

ومع حلول العام الجديد 2022، ارتفعت أسعار المواد الغذائية في سوريا سواء الخضروات، والفواكه، أو المواد التموينية، أو اللحوم أو غيرها. ويبدو أن العام الجديد جلب معه العديد من التغييرات في الاقتصاد السوري، ويمكن أن تؤدي هذه التغييرات إلى نتائج غير متوقعة على العائلات السورية خصوصا وأن أغلبها بات يُصنّف ضمن الطبقة الفقيرة.

لا يبدو أن حكومة دمشق قادرة على ضبط أسعار السلع الغذائية بالتحديد، فقد فشلت جميع الآليات التي أقرّتها منذ بداية العام الجاري لضبط الأسعار، فضلا عن فشلها في فرض الأسعار الواردة في نشراتها الرسمية الصادرة عن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك.

كذلك يعتمد السوريون في مناطق سيطرة دمشق، على الإعانات الخارجية من أقاربهم وأصدقائهم من دول اللجوء لتغطية احتياجاتهم الأساسية بشكل شهري، وذلك بسبب ضعف القدرة الشرائية وانهيار الليرة السورية إلى أدنى مستوياتها، في ظل الغلاء المستمر لأسعار مختلف السلع والمواد الأساسية.

قد يهمك: حليب الأطفال في سوريا.. رفاهية مسبقة الدفع!

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.