نحو ساعتين ونصف قضتْها هنادي خليفة، وهي تبحث عن حليب لطفلها محمود (يبلغ من العمر 11 شهرا)، بعد أن جالت جميع صيدليات منطقتها في العاصمة دمشق، وكانت تصطدم بالإجابة نفسها بأن حليب الأطفال مفقود وغير متوفر في الوقت الراهن.

فقدان حليب الأطفال

المناطق السورية عموما، وتحديدا مناطق سيطرة الحكومة السورية، تشهد منذ أيام حالة فقدان شديدة لحليب الأطفال، لتنضم هذه المادة الضرورية لتغذية الأطفال، لا سيما حديثي الولادة، إلى قائمة المفقودات في البلاد، ما دفع البعض للحصول عليها عن طريق التهريب من لبنان.

تقول خليفة، في حديث لموقع “الحل نت“: “منذ يومين وأنا في زيارة يومية لجميع صيدليات الحي، الحليب المخصص لابني محمود مفقود، كما معظم أنواع حليب الأطفال، لا أستطيع الاعتماد على طعام المنزل لتغذية أبني، والحليب يكاد ينفذ“.

وتؤكد خليفة، أنها كانت تحصل على الحليب بأسعار مرتفعة، قبل أن يختفي تماما من الصيدليات والمتاجر، وتضيف: “آخر ثلاث علب اشتريتها كانت بسعر 22 ألف ليرة سورية للعلبة الواحدة، قبل نحو 10 أيام، في حين أن الأسعار كانت لا تتجاوز 17 ألف قبل شهر فقط“.

وتتحدث خليفة، عن جهود زوجها حسام، للحصول على الحليب مهرّبا من لبنان، وتزيد بالقول: “أحد أصدقاء زوجي أخبره أننا نستطيع أن نحصل على الحليب المهرّب من لبنان، لكن بأسعار مرتفعة“، مستغربة عدم قدرة الجهات المعنية التدخل لحل أزمة حليب الأطفال.

وتوضّح خليفة: “لقد سجلنا توصية بخمس علب حليب، لا أصدق أننا نضطر للجوء لمهربي المواد الغذائية، للحصول على غذاء لأطفالنا الصغار“.

من جانبه أكد نقيب صيادلة طرطوس، حسام أحمد، أن منتجات “نستله“، مقطوعة حاليا، في الصيدليات وهي حليب “نان، وكيكوز، ونيدو“، لكن هذا لا يعني أن جميع أنواع حليب الأطفال مقطوعة، إذ ثمة بدائل كثيرة أخرى عربية وأوروبية.

سبب الانقطاع

عزا أحمد، في تصريحات نقلها موقع “أثر برس” المحلي، قبل أيام، سبب الانقطاع إلى انتهاء الشحنة المورّدة أخيرا إلى الأسواق، وانتظار الشحنة التالية لما يعترض عملية الاستيراد من صعوبات تتعلق بالتحويلات المالية، وأجور الشحن، بسبب ظروف الحصار والعقوبات المفروضة على سوريا.

وأوضح أحمد، أن هناك بعض حالات الاحتكار في الصيدليات، مبديا استعداد النقابة لتلقي شكاوى المواطنين، ومحاسبة الصيدلي في حالات الاحتكار، أو البيع بسعر زائد وفق عقوبات متدرجة.

وأضاف:” في حال شراء بعض المواطنين عبوات حليب بسعر زائد عن طريق وسيط من الأصدقاء أو المعارف، فإنه بهذه الحالة ليس بالضرورة أن يكون الصيدلي من يقوم باحتكار المادة وبيعها بسعر زائد، وإنما الوسيط هو من يتقاضى الفرق بين السعرين كعمولة وليس الصيدلي، من دون أن ننفي وجود بعض حالات الاحتكار التي يقوم بها الصيادلة“.

البحث عن “مرضعات”

“اعتمد على جارتي لإرضاع ابني” تقول حلا شاكر، وهي أم لطفل يبلغ من العمر تسعة أشهر، وذلك بعد أن انقطع حليب الأطفال من الأسواق السورية خلال الأسابيع الماضية، فضلا عن الارتفاع الكبير في أسعاره.

تؤكد شاكر، أنها لا تملك المال للحصول على الحليب المهرّب، وتقول في حديث لـ“الحل نت“: “الشهر الماضي توقفت عن شراء الحليب بعد ارتفاع أسعاره فجأة، ولجأت إلى البحث عن أمهات مرضعات من أصدقائي وأقاربي، فطفلي ما يزال صغيرا على طعام المنزل“.

وتضيف: “وجدت إحدى جيراني، وأبدت استعدادها لإرضاع طفلي مقابل مبلغ رمزي، هذه هي الطريقة الوحيدة التي وجدتها لتأمين الغذاء لطفلي، لا سيما فيما إذا استمر فقدان الحليب، فضلا عن ارتفاع أسعاره والاضطرار إلى اللجوء للمهرّبين للحصول عليه“.

وبحسب ما أكدت صيدلانية لـ“الحل نت“، فإن الطفل الرضيع الواحد، يحتاج كل أربعة أيام إلى علبة حليب، مؤكدة أنها تشكل لبعضهم غذاء أساسيا إذ لا يمكن الاكتفاء بحليب الأم وحده لأسباب عديدة منها صحة الطفل ونموه“.

وتُعد مادة حليب الأطفال، من المواد الأساسية المرهقة للسوريين، نظرا للارتفاع الكبير في أسعارها، فهي مادة يتم تسعيرها بالعملة الأجنبية كونها مادة مستوردة بنسبة 100 بالمئة.

قد يهمك: الأسواق في سوريا لـ“الفرجة والمفاصلة” فقط؟!

وخلال السنوات الماضية، شهدت العديد من المحافظات السورية، انقطاعا وفقدانا في بعض أصناف حليب الأطفال، أو شحّها في الصيدليات، تزامنا مع احتكارها من قِبل بعض التجّار والتلاعب بأسعارها، وقد تكرّر فقدان الحليب أكثر من مرّة في معظم المحافظات.

وأصبح الحصول على حليب الأطفال، عبئا إضافية على السوريين، وخاصة من ذوي الدخل المحدود، إذ تبلغ كلفة عبوات حليب الأطفال على مدار شهر، ما يتجاوز قيمته راتبا كاملا لموظف حكومي، ما يدفع الأمهات أحيانا إلى إطعام أطفالهن الرضّع “ماء الأرز أو النشاء” بدلا من حليب الأطفال.

سوء تغذية

رئيس قسم الأطفال في المشفى الوطني في السويداء وليد حمزة، قال في تصريحات سابقة في نيسان/أبريل الماضي، إن حالات أمراض سوء التغذية في سوريا، بدأت تسجل ازديادا واضحا لدى الأطفال بشكل عام ولدى حديثي الولادة بشكل خاص، نتيجة لعدم حصولهم على القدر الكافي من الغذاء اليومي بسبب الفقر وغلاء الحليب المجفف، الذي استعاضت الأمهات عنه بحليب الأبقار أو الأغنام.

من جانبها، أكدت منسقة الصحة بفرع الهلال الأحمر في السويداء ورئيسة المركز الصحي للهلال، نور وهب، أن حالات سوء التغذية سجلت تزايدا كبيرا خلال الفترة الأخيرة.

وأشارت في تصريحات صحفية سابقة، إلى أنه رغم وجود التوجيهات العديدة للأمهات بضرورة تأمين أنواع الغذاء كافة لأطفالهم من الحليب والبيض والفواكه، فإن الالتزام بها غير موجود لصعوبة تطبيقها في ظل الغلاء الذي تشهده جميع المواد الغذائية المتزامن مع ضعف الدخل.

وتشير معظم الدراسات إلى أن الرضاعة الطبيعية، هي الرضاعة التي يتغذى بها الطفل بشكل مباشر ومتكامل، فالرضاعة الطبيعية تضمن للطفل غذاء سليما ومتكاملا، فهي تلبي كل متطلباته الغذائية في الأشهر الأولى، في حين تلجأ العديد من الأمهات للرضاعة الصناعية بسبب الانشغال أو إصابتها بمرض ما، أو رفض الطفل ذاته للرضاعة الطبيعية.

وتواجه الأسر السورية أزمات معيشية واقتصادية مختلفة، في ظل تردي الواقع الخدمي والمعيشي في مختلف المناطق السورية، ما جعل تربية الأطفال ورعايتهم، وتأمين الحد الأدنى من مستلزماتهم تحديا حقيقيا ومستمرا تعجز آلاف الأسر السورية عن مجاراته.

التحايل على الأزمات

يواجه السوريون في المناطق الخاضعة للحكومة السورية، صعوبة في التغلب على أزمات ارتفاع الأسعار المتكررة، فبدأت العائلات السورية بحذف العديد من الأصناف الاستهلاكية من قائمة المشتريات الشهرية، بهدف التوفيق بين الدخل، والمصروف.

ومع حلول العام الجديد 2022، ارتفعت أسعار المواد الغذائية في سوريا سواء الخضروات، والفواكه، أو المواد التموينية، أو اللحوم أو غيرها. ويبدو أن العام الجديد جلب معه العديد من التغييرات في الاقتصاد السوري، ويمكن أن تؤدي هذه التغييرات إلى نتائج غير متوقعة على العائلات السورية خصوصا وأن أغلبها بات يُصنّف ضمن الطبقة الفقيرة.

ولا يبدو أن حكومة دمشق قادرة على ضبط أسعار السلع الغذائية بالتحديد، فقد فشلت جميع الآليات التي أقرتها منذ بداية العام الجاري لضبط الأسعار، فضلا عن فشلها في فرض الأسعار الواردة في نشراتها الرسمية الصادرة عن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك.

كذلك يعتمد السوريون في مناطق سيطرة دمشق، على الإعانات الخارجية من أقاربهم وأصدقائهم من دول اللجوء لتغطية احتياجاتهم الأساسية بشكل شهري، وذلك بسبب ضعف القدرة الشرائية وانهيار الليرة السورية إلى أدنى مستوياتها، في ظل الغلاء المستمر لأسعار مختلف السلع والمواد الأساسية.

وحتى الآن لم تعلّق الجهات الحكومية على أزمة انقطاع حليب الأطفال في الأسواق السورية، وذلك رغم انتشار قصص حصول الأهالي على المادة عن طريق التهريب من الأراضي اللبنانية، وبأسعار مبالغ فيها.

قد يهمك: سوريا.. تجار سوق الهال سبب ارتفاع الأسعار و“الفروج ما عليه تنزيلات”

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.