نحو خمس ساعات قضتها زينة عثمان (أم لأربعة أطفال تعيش في دمشق)، في أسواق العاصمة بهدف شراء مستلزمات المنزل الأسبوعية، لكنها عادت مصدومة من الأسعار التي اختلفت عن أسعار الأسبوع الماضي، ولم تشتري سوى كميات قليلة من الخضار والمواد التموينية.

“التسوق النظري”

خلال جولتها على الأسواق في دمشق، تروي عثمان في اتصال صوتي مع “الحل نت“، حال المستهلكين، الذين يأتون للأسواق، ويكتفون بـ“التسوق النظري” كما سمّته، الذي لا يشمل غالبا الشراء، ويقتصر على السؤال على أسعار المواد التي لا تتوقف بشكل دوري عن الارتفاع.

وتقول عثمان: “كنت أنوي شراء المواد الغذائية لهذا الأسبوع من زيت وبقوليات ومواد تموينية وفروج، لكني تفاجأت بالأسعار المرتفعة، لم يكن الوضع كذلك الأسبوع الماضي، الزيت ارتفع 4 آلاف ليرة سورية، ليصبح 14 ألف ليرة للتر الواحد“.

تتحدث عثمان باستياء عن صدمتها عندما، أخبرها صاحب متجر لبيع لحم الفروج، عن الأسعار الجديدة، مؤكدة أن الأسعار ارتفعت بنسبة تزيد عن 25 بالمئة، مقارنة بما كان عليه الوضع مطلع الشهر الجاري، حيث بلغ سعر كيلو الفروج 16200 ليرة سورية.

وحول ذلك تضيف: “لا أعلم ما هي الآليات المتبعة في رفع الأسعار، لم يخبرنا أحد بزيادة الرواتب بهذه النسب، الجهات المعنية لا تفكر عند رفع الأسعار من أين سيأتي المواطن بالأموال لتغطية هذه الزيادات.. الوضع غير محتمل“.

وتزيد بالقول: “السكر بستة آلاف ونادر، التفاح بأربعة آلاف ليرة، العنب بثلاثة، لقد ألغيت خطة الفواكه لهذا الأسبوع، ومعظم المواد الاستهلاكية نحاول التخفيف منها، في محاولة للتكيف مع الارتفاع المتكرر للأسعار“.

مع حلول العام الجديد 2022، ارتفعت أسعار المواد الغذائية في سوريا سواء الخضروات، والفواكه، أو المواد التموينية، أو اللحوم أو غيرها. ويبدو أن العام الجديد جلب معه العديد من التغييرات في الاقتصاد السوري، ويمكن أن تؤدي هذه التغييرات إلى نتائج غير متوقعة على العائلات السورية خصوصا وأن أغلبها بات يُصنف ضمن الطبقة الفقيرة.

قد يهمك: سوريا.. تجار سوق الهال سبب ارتفاع الأسعار و“الفروج ما عليه تنزيلات”

ولا يبدو أن حكومة دمشق قادرة على ضبط أسعار السلع الغذائية بالتحديد، فقد فشلت جميع الآليات التي أقرتها منذ بداية العام الجاري لضبط الأسعار، فضلا عن فشلها في فرض الأسعار الواردة في نشراتها الرسمية الصادرة عن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك.

وحول فشل الحكومة بضبط أسعار السلع، اعتبر عضو “لجنة مربي الدواجن” في دمشق حكمت حداد، أن الحديث عن تدخل إيجابي لمؤسسة “السورية للتجارة“، “أمر غير صحيح، بدليل أنها تبيع الفروج وأجزائه في صالاتها بنفس أسعار السوق“.

وقال حداد في تصريحات نقلتها صحيفة “الوطن” المحلية، الخميس، إن: “كيلو الشرحات في صالات المؤسسة يباع بسعر 30 ألف ليرة، وسعر مبيع كيلو الفروج الحي من أرض المدجنة اليوم بحدود 12 ألف ليرة، وتكلفة كيلو الفروج المذبوح بحدود 16 ألف ليرة“.

سوق الألبسة و“المفاصلة”

ارتفاع الأسعار وغياب الرقابة وصل إلى أسواق الألبسة، التي تسجل أسعار يصفها الأهالي بـ“الخيالية“، وسط خروج فئات كثيرة من المجتمع من سوق الألبسة الجديدة، وتوجههم إلى سوق الألبسة المستعملة أو ما يعرف بـ“البالة“.

“سعر البلوزة المتوسطة بنصف راتبي” تقول جودي زعرور (اسم مستعار لموظفة تعمل في مؤسسة الاتصالات في حلب)، معتبرة أن الألبسة الجديدة باتت حكرا على فئة محدودة من المجتمع من أصحاب الدخل المرتفع جدا.

وتقول زعرور في حديث مع “الحل نت“: “الذهاب للتسوق أصبح بالنسبة لي كنزهة، الشراء ليس مطروحا إلا لبعض الاكسوارات البسيطة والمكياجات، وربما أشتري قطعة واحدة جديدة كل ثلاثة أشهر، بالأمس سألت عن سعر حقيبة في سوق التلل، وكان سعرها يتجاوز مئتي ألف ليرة سورية، وهي من النوع المتوسط، احتاج للعمل شهر ونصف لتأمين سعرها“.

وتزيد زعرور وهي تضحك ساخرة: “حاولت مفاصلة البائع للحصول على الحقيبة للحصول عليها بمئة وخمسين ألف، لكنه أصر على سعر 190 وردد العبارة الشهيرة عند البائعين (ما بتوفّي معنا)، وخرجت من المتجر دون أن أشتري، ربما المفاصلة تضيع لنا الوقت في السوق أيضا“.

قد يهمك: “المكدوس” خارج قائمة الأكلات الشعبية في سوريا.. “الإندومي” على نفس الطريق!

وحول الأسعار تضيف زعرور: “الحذاء من الصنع المحلي أصبح سعره يتجاوز مئة ألف ليرة، وهو من النوع الرديء، البلوزة لن تجدها بسعر أقل من 90 ألف ليرة، ربما في أسواق البالة الأوروبية تكون الأسعار منخفضة في بعض الأحيان، الناس أصبحوا يتجهون أيضا لإعادة تدوير الملابس القديمة عبر ترقيعها أو خياطتها لاستخدامها أطول فترة ممكنة“.

هذا وتشهد أسواق دمشق ارتفاعا غير مسبوق، خاصة في أسعار الألبسة على الرغم من أن معظم البضائع المعروضة ذات منشأ محلي، في حين عزا رئيس القطاع النسيجي، مهند دعدوش، سبب ارتفاع أسعار الألبسة إلى ارتفاع جميع مستلزمات إنتاجها من المازوت الصناعي، واليد العاملة، والضرائب.

وأضاف بحسب تصريحات سابقة نقلها تقرير سابق لـ“الحل نت“، “تأثير رفع سعر المازوت يختلف بين منتج وآخر، فبعض المنتجات يساهم المازوت بـ60 بالمئة منها، وأخرى لا تتجاوز مساهمته فيها 10بالمئة، إلا أن الاستغلال سيكون عاما في مختلف المنتجات“. وسط غياب هيئات الرقابة والتموين.

وأشار دعدوش، إلى أن “الباعة من خلال رفعهم للأسعار يحاولون تعويض خسارات سابقة أو لاحقة، فخلال فصل الصيف رُفعت أسعار الغزول مرتين متتاليتين، وهذا له تأثير سلبي على صناعة الملابس، حيث تعاني المعامل، والمنشآت من انقطاع التيار الكهربائي مدة طويلة، وبالتالي تلجأ إلى الطاقة البديلة عبر المولدات وهذا يرفع تكاليف الإنتاج مباشرةً، كما أن ارتفاع أسعار المواد الأولية المحلي منها والمستورد الناتج عن ارتفاع سعر الصرف، انعكس على أسعار الملابس الجاهزة“، على حد وصفه للموقع المحلي.

وعليه، ينظر المواطنون إلى شراء الملابس على أنها من الرفاهيات والكماليات، ومنهم من يشتريها من الأسواق الشعبية بأسعار رخيصة مقارنة بتلك الموجودة في المحال الراقية إلى حد ما، بينما يمتنع البعض عن شراء ملابس جديدة، ويرضون بما لديهم من ملابس شتوية من السنوات السابقة.

رواتب لا تكفي

يعتمد السوريون في مناطق سيطرة دمشق، على الإعانات الخارجية من أقاربهم وأصدقائهم من دول اللجوء لتغطية احتياجاتهم الأساسية بشكل شهري، وذلك بسبب ضعف القدرة الشرائية وانهيار الليرة السورية إلى أدنى مستوياتها، في ظل الغلاء المستمر لأسعار مختلف السلع والمواد الأساسية.

زاد الإقبال من قِبل المواطنين على ظاهرة إصلاح وترميم الملابس القديمة بسبب الارتفاع الكبير في أسعار الملابس، والذي يفوق قدرة معظم السوريين اليوم.

تخفيضات وتنزيلات

في كل موسم، تشهد الأسواق السورية عادة معروفة باسم “الأوكازيون“، وهي مشتقة من الفرنسية، تقوم على تقليد بيع ما تبقى من السلع الموسمية لمنعها من التكدّس لموسم آخر تنتج فيه موضة وموديلات جديدة. وبالتالي فإن البيع حتى بسعر التكلفة من دون ربح أفضل كثيرا من خسارة التخزين ودفع أجوره، وهذا مستحيل في ظل هامش الربح المرتفع جدا، وهنا يقتنص المواطنون الفرصة بما يفترض أنه موعد التخفيضات على السلع التجارية.

ورغم أن التاجر ينظر إلى “الأوكازيون“، على أنه اقتطاع من أرباحه وربما خسارته في بعض الأحيان بسبب التخفيضات المغرية التي يضعها، إلا أنه يبرز كالفائز الأكبر من هذا العرض الذي يكشف مرارا وتكرارا الجانب الجشع لتجار التجزئة، والمنتجين على مدار العام، حسب ما وصفته صحيفة “البعث” المحلية.

واعتبر تقرير الصحيفة الذي نُشر مؤخرا، أن هذا يكشف الأخطاء التي ارتكبت في سياسات التسعير القائمة منذ عقود، إذ لم تكن هذه الأخطاء ناجمة عن فشل القوانين، بقدر ما كانت ناجمة عن إساءة معاملة المشرفين والمسؤولين عن التنفيذ.

وقالت الصحيفة، “الآن تستدعي انتباهنا احتفالات الأوكازيون الكذابة والخدّاعة، والتي طالما سجلت إعلانات بالمراوحة بين 20-70 بالمئة، ليخرج السؤال المتجدد: هل أسعار التخفيضات حقيقية أم وهمية؟ ليبقى الجواب معلقا في ذهنية، ولسان إدارة تجارة داخلية تعتبرها حقيقية، وتجّار يصرون على تبييض الصفحات، وإثبات حسن النيات، والتعتيم على الممارسات التي تخبئ زيتا عكرا في كل المناسبات، في وقت يدلل الخبراء، والمتابعين، والعارفين ببواطن أمور أسواقنا، أنها وهمية ومرتبطة بجشع التجار“.

التحايل على الأزمات

يواجه السوريون في المناطق الخاضعة للحكومة السورية ،صعوبة في التغلب على أزمات ارتفاع الأسعار المتكررة، فبدأت العائلات السورية بحذف العديد من الأصناف الاستهلاكية من قائمة المشتريات الشهرية، بهدف التوفيق بين الدخل، والمصروف.

كذلك تقف مشكلة البطالة كإحدى أكبر المشكلات التي يعاني منها السوريون وخاصة في السنوات الأخيرة، لتشمل أيضا المحافظات والمناطق الواقعة تحت إدارة حكومة دمشق، حيث كشفت تقارير اقتصادية سابقة عن تراجع معدل النمو في سوريا إلى معدلات قياسية، مع ارتفاع معدل التضخم في الاقتصاد إلى نحو 878 في المئة، ووصول معدل البطالة إلى 31.4 في المئة.

ونهاية أيار/مايو الماضي، كشف مدير “مكتب الإحصاء المركزي” السابق، شفيق عربش، أن معدل الفقر في سوريا بلغ 90 في المئة، بين عامي 2020 و2021، وفقا لإحصائيات رسمية لم تنشر نتائجها الحكومة السورية.

قد يهمك: السرقة بعشرات المليارات في سوريا.. والمصارف تسحب الأموال من جيوب أصحابها

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.