نتيجة لمناورات روسيا من خلال الاستعانة بالملف السوري وابتزازها للدول الغربية، فشل مجلس الأمن الدولي، الجمعة، في الاتفاق على مد الآلية الدولية لإيصال المساعدات إلى سوريا عبر المعبر الإنساني الأخير خارج سيطرة دمشق معبر “باب الهوى” على الحدود السورية-التركية، حيث تحولت الجلسة المنعقدة في مجلس الأمن إلى ساحة لصراع دبلوماسي غير مسبوق بين روسيا والغرب، إذ عرقل كل طرف مشروع القرار الذي قدمه الآخر. واستخدم فيتو روسي ضد المشروع النرويجي ـ الأيرلندي، وحق نقض ثلاثي أمريكي ـ بريطاني ـ فرنسي ضد المشروع الروسي المتعلق بتمديد آلية إيصال المساعدات إلى سوريا. بينما ظهرت توترات غير مسبوقة من خلال حق النقض هذا.

إن عملية إيصال المساعدات ملحّة، حيث وصلت الاحتياجات الإنسانية في سوريا إلى أعلى مستوياتها منذ 2011، ولذلك تتواصل المناقشات بحثا عن توافق بين الجانبين، أو البحث عن بدائل لهذه الآلية، وسط تحذيرات واسعة النطاق بوقف المساعدات سيكون لها آثار كارثية على ملايين السوريين في شمال سوريا. من هنا تبرز عدة تساؤلات حول الأسباب الحقيقية لاستخدام هذا الفيتو في مجلس الأمن، وما هي التداعيات المحتملة إذا تم إغلاق المعبر بالكامل إذا استخدمت روسيا حق النقض بالفعل.

روسيا تبتز الغرب

في سياق انعقاد جلسة مجلس الأمن الدولي بخصوص تمديد آلية المساعدات الإنسانية العابرة للحدود السورية، استخدمت روسيا الفيتو ضد مشروع القرار الغربي الذي يدعو إلى تمديد الآلية لمدة عام، قبل أن تحبط الدول الغربية المشروع الروسي الذي سعى إلى تمديد الآلية 6 أشهر فقط.

وعقب الفشل بالتوصل إلى اتفاق، أكد نائب السفير الروسي ديمتري بوليانسكي، للصحافيين، أن روسيا لن تدعم كذلك مقترح التمديد لتسعة أشهر الذي تقدّمت به البرازيل والإمارات، وهي تتمسك كليا بمشروعها المتعلق بالتمديد لستة أشهر فقط، مؤكدا تمسك بلاده أيضا بضرورة أن تكون الحكومة السورية هو المستفيد الأول من التمديد لآلية نقل المساعدات.

كما وتنتهي صلاحية التفويض، اليوم الأحد، وهو ساري المفعول منذ عام 2014 ويسمح بنقل مساعدات عبر معبر “باب الهوى” على الحدود السورية-التركية لأكثر من 2.4 مليون نسمة في مناطق إدلب شمال غربي سوريا، التي تخضع لسيطرة فصائل “الجيش الوطني” وتدعمها أنقرة.

وفي السياق ذاته، قال مدير فريق “منسقو استجابة سوريا”، محمد حلاج، إن “جلسة مجلس الأمن عرضت مشروعين، أولهما كان من أيرلندا والنرويج، وتم اقتراحهما على مدى عام كامل من خلال إمرار المساعدات الإنسانية عبر معبر باب معبر الهوى وقوبل بالرفض، والمشروع الثاني روسي وكان حساسا قليلا هذا العام، لأنه فقط لمدى 6 أشهر مقابل مشاريع الإنعاش المبكر وزيادة نسبة المساعدات عبر خطوط التماس مع الحكومة السورية”.

وحول أسباب استخدام الدول الغربية للفيتو ضد الاقتراح الروسي، بحسب تقدير مدير “منسقو استجابة سوريا”، الذي تحدث بشكل خاص لـ “الحل نت”، فإن أهم نقطة حاولت روسيا طرحها من خلال اقتراحها، هو تمرير شبكة الكهرباء بما يعود بالنفع على الحكومة السورية، ولذلك فقد تم رفض ذلك من قبل الدول الغربية”.

أما بالنسبة للخلافات في مجلس الأمن، حسب مدير “منسقو استجابة سوريا”، فهي قديمة وليست بجديدة، أي أنه منذ بدايات عام 2014 ظهرت هذه الخلافات وبدأت روسيا عام 2018 باستغلال هذا الملف الإنساني في مجلس الأمن وتحويله إلى ملف سياسي وابتزاز مع الغرب، وبعد الغزو الروسي لأوكرانيا، تفاقمت الأزمة وحدة الخلافات بين روسيا والدول الغربية، وأثر ذلك سلبا على ملف المساعدات عبر الحدود لسوريا.

من جانبه، أرجع، حذيفة خطيب أبو اليمان، مدير مشروع “WFP” في منظمة “Mercy-USA” العاملة في مناطق إدلب، إن السبب الأساسي للفيتو الذي استخدم من قبل روسيا، هو أن روسيا ترغب في جعل هذه المنطقة كلها تحت سيطرة الحكومة السورية، وبالتالي تحويل المنطقة إلى ساحة “حرب غذائية” من قبل دمشق ضد سكان المنطقة، أي ستواجه المنطقة “حصارا غذائي” بحت إزاء ذلك. الأمر الذي سيسهل ابتزاز موسكو للغرب أكثر فأكثر.

قد يهمك: لا بدائل عن “باب الهوى” في إدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا

المنطقة أمام “كارثة إنسانية”

في مناطق إدلب، يستفيد 2.4 مليون سوري شهريا من مساعدات تُدخلها الأمم المتحدة، وفق بيانات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا”. وعبرت الحدود خلال العام الحالي وحده أكثر من 4600 شاحنة مساعدات، حملت غالبيتها مواد غذائية، بحسب المصدر ذاته. 

وكانت موسكو، داعمة دمشق الرئيسية، هددت بعرقلة تجديد التفويض عبر استخدام الفيتو، وهو ما سبق وفعلته وأدى الى إغلاق معابر استخدمتها الأمم المتحدة لإيصال المساعدات إلى مناطق خارج سيطرة الحكومة السورية.

وتضغط روسيا باستمرار على أنه يُمكن الاستمرار بتقديم المساعدات للسكان المحتاجين عبر مناطق سيطرة الحكومة السورية.

وبالعودة إلى مدير منظمة “منسقو استجابة سوريا”، محمد حلاج، فقد قال أن، اليوم الأحد، هو آخر يوم لتحديد آلية تفويض مجلس الأمن، ويوم الجمعة الماضي، دخلت آخر قافلة أممية مؤلفة من 44 شاحنة مساعدات، ومن ثم أغلق المعبر بالكامل بسبب عطلة عيد الأضحى. وحول تمديد آلية المساعدة عبر معبر “باب الهوى”، فإنه من المحتمل (وفق حلاج)، أن يكون هناك اتفاق وتمديد للآلية، لأن روسيا و حكومة دمشق في وضع أكثر حاجة لتجديد هذه الآلية.

أما عن التداعيات في حال عدم توافق وفشل تمديد آلية المساعدات، فإن نسبة المساعدات الغذائية في شمال غرب سوريا ضئيلة جدا، وفق حلاج، ولا تكفي لمدة أسبوع كامل، بالإضافة إلى المشاريع الأساسية والكبيرة مثل المياه والتعويضات، والصحة والتعليم، وعلى سبيل المثال، هناك 16منشأة متوقفة حاليا، وبمجرد توقف تمديد آلية المساعدات ستتوقف 56 منشأة أخرى عن العمل، وستظهر كل هذه التداعيات خلال شهر أو شهرين، بالإضافة إلى ارتفاع الأسعار من قبل التجار بحجة زيادة الطلب عليهم، وبالتالي ستواجه المنطقة “كارثة” حقيقية.

من جانبه، مدير مشروع “WFP” في منظمة “Mercy-USA”، قال أن 4.4 مليون نسمة موجودين بشمال غرب سوريا والمنطقة تعد شُبه محاصرة، وأغلب هؤلاء السكان هم مهجرون قسريا من بلداتهم من دمشق وريفها وبعض مناطق حمص وحلب.

وأضاف، خلال حديثه لـ”الحل نت” ، أن معبر “باب الهوى” يضمن وصول مساعدات إنسانية شهرية لنحو 2.4 مليون شخص، وهذا يعتبر من أكبر الأعمال الإنسانية في العالم، وبالتالي فإن عدم تمديد آلية المساعدات لسوريا سيحرم أولا هذا العدد من الدعم وسيكون مصيرهم متجه نحو التدهور الصحي والغذائي، وباقي سكان المنطقة أيضا سوف يتبعهم نحو الهاوية، ما سيسبب “كارثة” إنسانية حقيقية، لا يستطيع العالم تحملها.

وكانت وكالة الصحافة الفرنسية، قد نقلت عن دبلوماسيين، أن الأعضاء العشرة غير الدائمين في مجلس الأمن والمؤيدين لتمديد الآلية عاما واحدا، سيطرحون مشروع قرار لتمديدها تسعة أشهر، في محاولة لإنهاء المواجهة بين موسكو والدول الغربية بشأن تفويض إدخال المساعدات الأممية عبر الحدود إلى شمال غربي سوريا.

واحتاج قرابة 13,4 مليون شخص في أنحاء سوريا إلى المساعدة خلال العام 2021، مقارنة بـ11,1 مليونا عام 2020، وفق بيانات “الأمم المتحدة”.


قد يهمك: المساعدات الإنسانية في سوريا من “عبر الحدود” إلى “عبر الخطوط”.. ماذا تريد روسيا؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.