كان تصريح قيادة القوات الروسية بإيقاف رواتب عناصر اللواء الثامن من الفيلق الخامس في درعا، بشكل كلي، بمثابة إعلان من موسكو بالتخلي عن حليفها البارز في جنوب سوريا، الذي أغضب حاضنته الشعبية، من أجل إظهار ولائه وطاعته لروسيا.

مسؤولون في الفيلق الخامس كشفوا لـ”الحل نت” عن مجريات ووقائع، أدت في نهايتها إلى تحول وتبدل الولاءات تجاه من كان يُنظر إليهم على أنهم أصدقاء وحلفاء، وبروز تحالفات جديدة، لم تكن متوقعة سابقا.

وبعد انخراط روسيا في غزوها لأوكرانيا، فرضت الدول الغربية عقوبات عليها، ضربت عصب اقتصادها، وانعكست نتائجها على تحالفاتها داخل سوريا، فمنذ بداية شهر أيار/مايو، لم يستلم عناصر الفيلق الخامس في درعا أيا من مخصصاتهم، التي كانت موسكو تتكلف بدفعها، منذ تشكيل الفيلق في درعا عام 2018.

أحمد العودة، قائد الفيلق، قام بزيارة إلى موسكو؛ تبعتها زيارة أخرى لساعده الأيمن، العقيد نسيم أبو عرة، إلا أن الزيارتين لم تفضيا إلى أية نتيجة في إعادة تمويل الفصيل، إذ وافقت موسكو على إعادة إرسال الرواتب فقط للمقاتلين الذين سينتقلون للقتال في أوكرانيا، وتحت إمرة قياديين من فصيل “صائدو الدواعش”، التابع لمجموعة “فاغنر” الروسية، وفق معلومات أدلى بها لموقع “الحل نت” القيادي في الفيلق عمر المحاميد.

وبحسب حديث المحاميد فإن “الرفض الروسي لإعادة تمويل الفيلق الخامس في درعا، أحدث إرباكا داخل الفصيل، الذي يعيش حاليا أسوأ أيامه، لا سيما بعد أن باتت إيران على بعد فراسخ من حدوده الإدارية؛ ومهدت موضعا لها في السويداء، بعد كسبها معركة خازمة هناك، ومقتل سامر الحكيم، قائد قوة مكافحة الإرهاب، المدعومة أميركيا”.

فما خيارات الفيلق الخامس في درعا بعد الموقف الروسي الأخير؟ وما التحالفات التي سيعقدها في الفترة القادمة؟

الفيلق الخامس في درعا والبحث عن الدعم

عمر المحاميد يؤكد أن “زيارة أحمد العودة لموسكو لم تصل إلى نتائجها المرجوة، وعاد إلى درعا الخميس الفائت، الرابع عشر من تموز/يوليو الجاري، بـخفي حُنين”، حسب تعبيره.

ويكشف المحاميد أنه “بعد تأكد قائد الفيلق الخامس في درعا من انهيار العلاقة مع موسكو، قام بزيارة إلى واشنطن، التي مكث فيها حوالي خمسة أيام، والتقى أعضاء من الكونغرس الأميركي، لعرض عقد تحالف جديد، على أساس محاربة إيران في جنوب سوريا، إلا أن هذا العرض قوبل بالرفض، كون تجربة أميركا السابقة مع فصائل الجنوب لم تحقق غاياتها”.

متابعا: “عدم التجاوب الأميركي، وجّه قادة الفيلق الخامس نحو الحضن العربي، والذي قابلهم بدوره بجفاف، ولم يتجاوب مع عرضهم بتمويل الفصيل بمبلغ مئة ألف دولار شهريا، من أجل تنفيذ هجمات على قادة الميليشيات الإيرانية، وتجّار المخدرات”.

وطبقا لما ذكره القيادي في الفيلق الخامس بمحافظة درعا فإن “العودة طرح مشروعه على الأردن والإمارات والسعودية، نظرا لمتانة علاقة هذه الدول بفصائل المعارضة السورية، إلا أنها رفعت الحماية عن الفيلق، بعد قبوله بالانخراط في مشاريع روسيا داخل البلاد”.

وكانت صحيفة “موسكو تايمز”، التي حجبتها هيئة مراقبة الاتصالات الروسية، في السابع عشر من شهر نيسان/أبريل الماضي، قد أكدت أن “روسيا بدأت عملية سحب بعض قواتها من سوريا، للمساعدة في تعزيز قواتها في أوكرانيا”.

وأضافت الصحيفة، التي تتخذ من هولندا مقرا لها، أنه “تم نقل عديد من الوحدات العسكرية، من قواعد في جميع أنحاء سوريا، إلى ثلاثة مطارات متوسطية، وسيتم إرسالها إلى أوكرانيا”. مشيرة إلى أن “القواعد التي تم التخلي عنها نقلت إلى الحرس الثوري الإيراني، وكذلك إلى جماعة حزب الله اللبناني”.

فهل لم يعد أمام الفيلق الخامس خيار سوى إيران؟

وكان الملك الأردني عبد الله الثاني قد أدلى بتصريحات حول “تهديد إيران لحدوده الشمالية”، وإجماع القادة العرب، في القمة التي عقدتها السعودية مع دول المنطقة بحضور الرئيس الأميركي جو بايدن، على أن “دعم إيران لميليشياتها في دول المنطقة، وخصوصا سوريا، هي النقطة الأساسية في استراتيجيتها التوسعية”.

وتبعا لما حصل عليه “الحل نت” من معلومات، فإن طهران استغلت تخلي موسكو عن الفيلق الخامس في درعا، ورفض الدول العربية لدعمه، لتطرح عليه مشروعا للدخول في عباءتها، مقابل تنفيذ أجندتها في الجنوب.
وبحسب مصادر من الفيلق “عُرضت هذه الرؤية على قادة الفيلق، في اجتماع جرى بمدينة بصرى الشام، شرقي درعا، معقل الفيلق الخامس”.

ولم يستبعد القيادي في الفيلق قاسم الزعبي، خلال حديثه لـ”الحل نت”، “قبول الفيلق للعرض الإيراني، لا سيما وأن الفصيل الآن يعاني من انفلات وانهيار داخل منظومته، بسبب عدم قدرته على دفع رواتب عناصره للشهر الثالث على التوالي، وأيضا بسبب التطورات الجديدة في الجنوب السوري، والتي أعيد فيها تنظيم داعش إلى الواجهة مجددا، وسط اعتقاد أنه يقوم بعملياته لصالح طهران، وذلك في الوقت الذي تتصاعد فيه الأصوات العربية والدولية الرافضة للتمدد الإيراني في هذه المنطقة”.

احتمالات تطور النفوذ الإيراني في درعا

المحلل السياسي محمد عبيد، يشير إلى أن “روسيا اكتسبت سمعة غير جيدة، بسبب انخراطها في سياسات متناقضة، تحصر الدعم بفئة معينة، ثم تتخلى عنها بدون مقدمات، مثل ما حدث مع الفيلق الخامس في درعا. إذ تحرص روسيا على إخفاء العداوة في التعامل مع من تزعم أنهم من حلفائها، وتظهر الكراهية ضد الذين تدّعي أنهم خصومها، في الوقت الذي تدعمهم فيه خلسة، فلا مجال لديها للأخلاق”، حسب تعبيره.

ويتابع عبيد، في حديثه لـ”الحل نت”: “لا ولاء لأحد يستمر، ولا علاقة بأحد تدوم. النظام السياسي الروسي يتعامل مع الميليشيات التي يدعمها في كل مكان وفي كل الأوقات على هذا النحو، فمنطق الغدر هذا لا يستثني أحدا، والمعيار الوحيد لديه هو المصلحة”.

ويشير عبيد، إلى أن “تحقيق طموح إيران في إزاحة الوجود المحسوس لموسكو، وإضعاف نفوذها في جنوب سوريا، التي تمثل منطقة استراتيجية لطهران، جاء على طبق من ذهب، بعد انشغال موسكو بغزوها لأوكرانيا”.

وحاليا يعيش الجنوب السوري نظريتين متعارضتين: الأولى أن إيران غير قادرة على الاستفادة من تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، من أجل إحداث تغييرات كبيرة في المشهد السوري، وسوف تضطر في نهاية المطاف إلى الانسحاب من جنوب سوريا؛ والنظرية الثانية هي أن إيران بدأت بالفعل في استغلال الحرب في أوكرانيا، من خلال استخدام بوابة الجنوب نقطة لتوسيع نفوذها، عبر اتخذاها مؤخرا خطوات متعددة في المنطقة، بما في ذلك إرسال تعزيزات كبيرة إلى الجنوب السوري؛ وإنشاء تحالف مع الفيلق الخامس في درعا؛ وتأسيس كتائب جديدة، لاستخدامها كأداة لتعزيز نفوذها. ومنها ميليشيا “كتائب الإمام”، التي أسستها إيران في الجنوب السوري، قبل أسابيع قليلة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.