في ظل انقطاع الإمدادات من روسيا وأوكرانيا، يبدو أن سوريا على وشك أزمة غذاء غير مسبوقة منذ عام 2011، وما يزيد الطين بلة هو احتمال أن تصبح هذه المشكلة مزمنة ومتجذرة، إذا لم يتم طرح حلول تساعد في تعافي الاقتصاد السوري. لا سيما وأن أغلب القمح المحصود في الموسوم الحالي هو من الدرجة الثانية.

كميات لا تكفي الأسواق

بحسب مدير عام المؤسسة السورية للحبوب، عبد اللطيف الأمين، بلغ إجمالي كمية القمح المسوقة من كل المحافظات إلى مخازن المؤسسة حتى الآن 500 ألف طن، حيث احتلت مدينة حلب المركز الأول حاليا بحصاد 167 ألف طن من القمح، تليها مدينة حماة بحوالي 131 ألف طن، و36 ألف طن في دير الزور و46 ألف طن في حمص.

وأوضح الأمين في تصريح لصحيفة “تشرين” المحلية، الخميس الفائت، أن معظم القمح كان من الدرجة الثانية والثالثة مع كمية قليلة من القمح من الدرجة الأولى، وكمية من القمح من الدرجة الرابعة صغيرة وهي ستذهب إلى مؤسسة الأعلاف.

وبيّن الأمين، أنه بسبب استمرار عمليات الغربلة لا يمكن حصر نسبة القمح في السلسلتين الأولى والثانية، إذ تتم غربلة القمح من الدرجة الثالثة ليصبح درجة أولى وثانية بشكل يومي لتكون النسبة تقريباً 35 بالمئة، أما الكميات المتبقية بنسبة 65 بالمئة فهي للدرجة الثالثة والرابعة، والتي تحتاج غربلة لتحسين وضعها وتخفيض درجتها وتصبح قابلة للطحن والخبز فيما بعد.

وذكر الأمين، أنه على الرغم من ارتفاع الانتاج هذا العام عن السنة السابقة، من 366 ألف طن إلى 500 ألف طن، إلا إن الكميات المذكورة غير كافية لتلبية احتياجات السوق المحلية. والمحصول الذي تم الوصول إليه الآن يكفي فقط لثلاثة أشهر.

فالسوق تحتاج إلى مليوني طن من القمح سنويا، وتعالج الواردات هذا النقص، ولضمان الحصول على كميات مناسبة لتصنيع دقيق الخبز الذي تعلق عليه الحكومة أهمية كبيرة، تجري الآن دراسة عقود الاستيراد مع روسيا.

المحاصيل صفرية للعام الثاني

يبدو أن موسم القمح المخيب للآمال سيوجه ضربة جديدة للإمدادات الغذائية في سوريا، مما يثير المخاوف بشأن الأمن الغذائي، حيث يواجه المزارعون عاما سيئا بسبب ضعف الأمطار، ونقص الوقود وارتفاع أسعار الأسمدة إلى مستويات لم يسبق لها مثيل.

بعد فشل حصاد 2021، من المتوقع أن يشهد العام الجاري موسما زراعيا كارثيا، وفقا لحديث عمران رضا، منسق الأمم المتحدة المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية في سوريا، خلال حديثه لوكالة “رويترز”، أمس الجمعة.

وأشار رضا، إلى أن الجفاف الموسمي الطويل وتأخر الأمطار قد ألحق الخراب بالمحصول كما حدث في الموسم الماضي، مضيفا أن أسعار المواد الغذائية ارتفعت بشكل كبير، وانخفض العرض والناتج، وبالتالي فإن توقعات الحصاد للموسم الجاري مثيرة للقلق.

وفي حين أن إمدادات القمح من روسيا، قد غطت الفجوة جزئيا العام الفائت، لكن مع استمرار غزوها لأوكرانيا، فإن انعدام الأمن الغذائي في سوريا أسوأ مما كان عليه في أي وقت مضى، ويرجع ذلك جزئيا إلى انهيار الليرة السورية.

ووفقا لبرنامج الأغذية العالمي، فإن 12.4 مليون سوري، أو ما يقرب من 70 بالمئة من سكان البلاد، يواجهون انعدام الأمن الغذائي. وبحسب “الفاو”، فَقدَ المزارعون في المناطق الزراعية السورية التي تعتمد على الأمطار معظم محاصيلهم للعام الثاني على التوالي.

سوريا وانعدام الأمن الغذائي

في نهاية شباط/فبراير الماضي، بينت مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة، جويس مسويا، أن السوريين يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية الآن أكثر من أي وقت مضى، موضحة أن 14.6 مليون سوري سيعتمدون على المساعدة في العام 2022، بزيادة 9بالمئة عن عام 2021، وزيادة بنسبة 32بالمئة عن عام 2020، بحسب الموقع الرسمي لـ”الأمم المتحدة”.

وأشارت مسويا، إلى أن سوريا الآن تحتل المرتبة الأولى بين الدول العشر الأكثر انعدامًا للأمن الغذائي على مستوى العالم، حيث يعاني 12 مليون شخص من وصول محدود أو غير مؤكد إلى الغذاء، بحسب متابعة “الحل نت”.

وأيضا، بحسب تقرير سابق لـ”الحل نت”، فإن 90 بالمئة من السوريين، يعيشون تحت خط الفقر، بينهم نحو 60 بالمئة يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وذلك استنادا على أرقام “الأمم المتحدة”.

منظمة “الفاو”، قالت في تقرير نُشر في 16 كانون الأول/ديسمبر الماضي، أن سوريا تمثل جزءا من مشكلة أكبر ألا وهي مشكلة انعدام الأمن الغذائي في الشرق الأوسط، حيث أكد التقرير، بأن نحو ثلث السكان في منطقة الشرق الأوسط يعيشون حالة انعدام أمن غذائي، وذلك مع ارتفاع في نسبة الجوع التي وصلت إلى 91.1 بالمئة خلال العقدين الأخيرين.

حيث شهدت سوريا في عام 2021 أخفض نسبة لإنتاج القمح منذ خمسين سنة وذلك بسبب القحط وارتفاع أسعار المواد والظروف الاقتصادية السيئة، وذلك بحسب ما ورد في تقرير نشرته منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة “الفاو”.

من الجدير بالذكر، أزمة الحبوب التي تعاني منها سوريا ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل أكبر، وهذا بدوره سيؤثر على سوريا بكافة مناطقها، لأن البلاد تعيش أزمة مالية، تفتقر فيها إلى النقد الأجنبي، فضلا عن المشاكل الأخرى التي تعيشها مثل انعدام الموارد المالية، والعجز عن القدرة من شراء السلع الغذائية بأسعار مرتفعة من السوق الدولية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.