بعد الفوسفات والموانئ واستثمارات أخرى في قطاعات مختلفة، وصل الروس إلى القطاع السياحي في سوريا، عن طريق رجل أعمال بارز ينتمي إلى فئة الأوليغارشية الروسية.

يُشير مصطلح “الأوليغارشية” إلى الأوليغارك وهم مجموعات ضخمة من رجال الأعمال في الجمهوريات السوفيتية السابقة الذين تربحوا بعد الثورة في روسيا وعلى إثر تفكّك الاتحاد السوفيتي في تسعينات القرن الماضي.

هذه الفئة من رجال الأعمال، طوّرت أدواتها على مدار السنوات الأربعين الفائتة، حتى زادت من نفوذها، وأصبحت إحدى أدوات التوسع الروسي في الخارج.

وبينما يزداد تداول هذا المصطلح على الإعلام العالمي في أعقاب دعم الأوليغارشية لغزو أوكرانيا، وصل هؤلاء إلى سوريا من خلال استثمار سياحي في منطقة فارهة على الساحل السوري.

تشييد منتجع سياحي بواسطة شركة أوليغارشية

في مطلع شهر تموز/يوليو الجاري، نقلت وكالة “سبوتنيك” الروسية عن مصادر حكومية سورية، أن شركة روسية ستوقّع عقدا استثماريا لتشييد منتجع سياحي في منطقة جول جمال الفاخرة على ساحل مدينة اللاذقية السورية.

أشارت الوكالة إلى أن الشركة التي ربحت الاستثمار هي “سينار غروب” وهي شركة روسية، تأسّست عام 2001.

بحسب البيانات المتاحة على موقع الشركة، فإنها تعمل في نطاق تصنيع الآليات الثقيلة، والتطوير الهندسي في مجال العقارات وتجديد وتطوير المرافق العامة، إضافة إلى منح التمويل والفرص المالية، وصناعة السياحة والترفيه.

تشير بيانات مفتوحة المصدر، إلى أن ديمتري بومبيانسكي، وهو أحد الأوليغارشيين الروس البارزين، كان من أعضاء مجلس الإدارة في شركة “سينار غروب” الفائزة باستثمار المجمّع السياحي.

إضافة لعضويته في إدارة الشركة، كان من مجلس الإدارة في الشركة الروسية لتصنيع الأنابيب، وانسحب من هذه الإدارة لاحقا، بسبب فرض عقوبات عليه من قبل الاتحاد الأوروبي على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا.

في السابق، كان بومبيانسكي، رئيس الجانب الروسي في “مجلس رجال الأعمال السوري – الروسي” حيث التقى في عام 2011 مع مسؤولين سوريين، ودعا إلى فتح مجال أوسع للفرص الاستثمارية بما في ذلك تخفيض الضرائب.

أظهر البحث الذي أجراه “الحل نت” أنه في 22 آذار/مارس الفائت، استولت حكومة جبل طارق التابعة للمملكة المتّحدة على يخت ديمتري بومبيانسكي، وقالت الحكومة حينها: “إن مصرفا دوليا طلب من محكمة جبل طارق العليا مصادرة السفينة”.

وصنّف موقع “ميدل إيست آي” الشهير بومبيانسكي، على أنّه من الأغنياء الروس الذين وجدوا ملاذات آمنة من العقوبات.

كان بومبيانسكي، أبرز المساهمين أيضا في شركة “إم إس أي” التابعة للشركة الروسية لتصنيع الأنابيب ومقرها دولة التشيك، وهي مختصة بصنع الأنابيب للمعدات النفطية والحربية، بعد تعرض بومبيانسكي، لعقوبات من الاتحاد الأوروبي، تخلى عن أسهمه في الشركة وتم تعيين إدارة جديدة.

ما علاقة قانون المنشآت السياحية؟

أواخر الشهر الماضي، وفي وقت متزامن مع حصول الشركة الروسية على عقد تشييد المنتج السياحي، أصدر الرئيس السوري بشار الأسد قانونا يُعنى بترخيص وتشغيل المنشآت السياحية، ونشرته وكالة “سانا” الرسمية السورية.

يحدد هذا القانون كل ما له علاقة بالاستثمار في القطاع السياحي في سوريا، بما في ذلك منح التراخيص والآليات الإجرائية وآلية دخول الاستثمارات الأجنبية.

القانون يحتوي في أحد بنوده على فقرة تسمى “رخصة التوظيف السياحي” وعرّفها بأنها الترخيص الأولي الذي تمنحه الوزارة بناء على المخططات المعمارية المقدمة من المستثمر، لتوظيف البناء القائم والمصدقة من الوحدة الإدارية المختصة.

ووضع القانون سلسلة إجراءات ومسميات تسهّل العمل في مجال الاستثمار السياحي، وهو ذات الحال عندما أصدر الأسد مرسوما لترخيص الشركات الأمنية، ما أدّى لظهور ميليشيات تحت مسمى هذه الشركات وانخرطت في الحرب.

ويبدو أن حكومة دمشق تعطي الروس أولوية في تلك الاستثمارات، لا سيما تلك الواقعة على الساحل السوري، منطقة النفوذ الروسي، فلا يبدو أن هذا المشروع هو الوحيد، بل كان وزير السياحة السوري محمد رامي مارتيني، قد تحدّث لصحيفة “الوطن” المحلية، مؤخرا، عن بدء روسيا بإنشاء ثلاثة مشاريع سياحية في الساحل السوري، إثنان منها في اللاذقية وواحد في طرطوس، لافتا إلى أن الحكومة ترحب بكل الاستثمارات العربية والخليجية في المنطقة الساحلية، إلا أن الأولوية، للدول الصديقة، مثل روسيا وإيران.

ووصف مارتيني هذه المشاريع بأنها “عبارة مجمعات تجارية وترفيهية” لافتا إلى “تعاون سياحي مماثل” مع إيران.

عبر مستثمرين روس

يقول الباحث في الاقتصاد السياسي يحيى السيد عمر “إن روسيا تسعى للاستفادة القصوى من سوريا، فبعد الانتهاء من الاستحواذ على موارد الطاقة والنقل والفوسفات وغيرها من موارد الدولة السورية، تسعى لدخول القطاع الخدمي وذلك من البوابة السياحية، وبذلك تكون قد حققت تكامل لاستثماراتها في سوريا”.

ولفت في حديث لـ “الحل نت” إلى أنه من الملاحظ هنا أن هذه الاستثمارات السياحية قد لا تنفذ من قبل الحكومة الروسية، ولكن من خلال مستثمرين روس، وهذا يحقق جملة من المنافع لروسيا، أولها زيادة ربط الاقتصاد السوري بالاقتصاد الروسي لا سيما على المدى الطويل، كما أن هذه الاستثمارات يمكن استثمارها مستقبلا بعد سنوات طويلة كواجهة مالية لتبييض الأموال، ناهيك عن أن سوريا قبل عام 2011 كانت وجهة سياحية إقليمية هامة، لذلك وبعد التوصل لحل سياسي مستقبلا تكون روسيا قد ضمنت لنفسها موطئ قدم في هذا القطاع الحيوي.

وتوقّع السيد عمر، أن يتم تنفيذ هذا المشروع، وذلك كونه يخدم المصالح الروسية بشكل مباشر، خاصة أن تمويله سيتم من قبل القطاع الخاص الروسي، ففي الوقت الحالي قد لا يحقق المشروع عوائد هامة، لكنه مستقبلا يعد استثمارا مهما.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.