في مناسبات عدة حذرت تقارير دولية من احتمالية إعادة إحياء الأنشطة الإرهابية لتنظيم “داعش” في الشمال السوري، مستغلا التهديدات العسكرية في المنطقة لا سيما التهديدات التركية المستمرة بشن عمليات في مناطق من الشمال السوري بحجة إقامة “المنطقة الآمنة” التركية.

التهديد التركي الأخير بشن عملية عسكرية في الشمال ليس هو التهديد الوحيد الذي ساعد “داعش” على إعادة إحياء نشاط عناصره، فكانت العمليات السابقة لأنقرة داعما وحتى إن كان بشكل غير مباشر لعناصر التنظيم الإرهابي.

ليست التهديدات التركية هي المتسبب الوحيد بزعزعة استقرار المنطقة ومساعدة “داعش” على إعادة إحياء نفسه، بل إن الاقتتالات المستمرة بين فصائل “الجيش الوطني” المعارض المدعوم من أنقرة في مناطق سيطرتها في الشمال كانت عاملا إضافيا على تغلغل عناصر التنظيم الإرهابي في الشمال، إضافة إلى التصعيد العسكري الحاصل بين مناطق “الجيش الوطني” ومناطق ” الإدارة الذاتية” في الشمال الشرقي من سوريا.

فرص الانبعاث

تقرير جديد لمجموعة “الأزمات الدولية”، أكد أن تنظيم “داعش” أثبت قدرته على البقاء في وسط وشمال سوريا ويتعامل مع هاتين المنطقتين شبه المستقلتين على أنهما مسرحين مترابطين، ويمنحه ذلك مرونة في استراتيجيته الرامية إلى إعادة فرض سيطرته على الأرض.

ووفق التقرير الدولي، لا يزال التنظيم ينفذ عملياته بشكل مكثف في البادية السورية التي تمتد بين 8 محافظات في سوريا، إضافة إلى نشاطه في شمال وشرق سوريا بشكل عام، ودير الزور بشكل خاص. من عمليات اغتيال لشخصيات عدة ضمن مؤسسات “الإدارة الذاتية” لشمال شرقي سوريا، خاصة استهداف النساء.

ودعت مجموعة “الأزمات الدولية”، الذين يقاتلون التنظيم إلى تفادي التصعيد فيما بينهم بشكل يمنح التنظيم مجالا للتحرك، كما ينبغي أن تعمل كل جهة فاعلة أيضا على الحد من حرية حركة المقاتلين المتشددين بين المسارح، ولا سيما عبر إغلاق ممرات التهريب.

وتعليقا على ذلك، الكاتب والمحلل السياسي أحمد الرمح، يرى أنه بعد اغتيال قادته، وخاصة “أبو بكر البغدادي”، واجه تنظيم “داعش” تحديات وصعوبات جمة؛ هددت وحدته بعد القضاء على خلافته المكانية.

هناك عدة ظروف لإعادة تنشيط أو إحياء نشاط التنظيم، بحسب الرمح الذي تحدث لـ”الحل نت”، بأن أولى تلك الظروف تتصل بالمستوى السياسي، وهي من أهم الفرص في تحديد ملامح مستقبل تنظيم “داعش”، مشيرا إلى أن الأسباب والظروف الكامنة وراء انتشاره وصعوده مركبة ومعقدة. إذ “تمثل الأزمة السنية في سوريا وحتى العراق مفتاحا رئيسيا لفهم سبب قوة التنظيم وتجذره” وفق توصيفه.

كذلك فإن مواقف الأطراف في التحالفات والتكتلات الإقليمية والدولية من الأسباب التي يمكن أن تعطي فرصة لانبعاث التنظيم، فالخلافات والتصعيدات الأخيرة في المشهد السوري مضطربة جدا، وهو ما يعزز من تنشيط “داعش”، وليس بالضرورة تكرار تجربة التنظيم بالكامل، لكنه يعني إعطاء التنظيم الفرصة بدرجة أفضـل لإعادة  الهيكلة والتكيف والنظر فـي استراتيجياته القادمة، على تقدير الرمح.

هذا بالإضافة إلى الظروف الإستراتيجية، وإرث التنظيم الأيديولوجي المتمثل بـ “أشبال الخلافة”، وهم جيل من الأطفال السوريين والعراقيين وغيرهم من الدول الأخرى، الذين تعرضوا على مر السنين إلى عمليات أيديولوجية وتدريبات عسكرية، ويقبع الآلاف منهم في مخيمات “الهول” أو معسكرات اعتقال أخرى في شمال شرقي سوريا، دون أن تجد الدول والمنظمات المعنية بمكافحة الإرهاب حلولا مناسبة لإعادة تأهيل هذا الجيل والاهتمام بمآلاته المستقبلية، على حد قول الرمح.

قد يهمك: هل تبددت احتمالات العملية العسكرية التركية في الشمال السوري؟

المنطقة أشبه ببرميل بارود

تقرير صحفي غربي، أشار في وقت سابق إلى أن “سكان دير الزور يخشون عودة تنظيم داعش”، وأن زعماء القبائل والقادة العسكريين والمحللين يعتقدون أن “داعش”، يقوم “بتجنيد أعضاء جدد بين السكان المحليين الذين يعانون من الفقر، ويصبح أكثر جرأة على تنفيذ أعمال العنف من خلال استغلال حالة عدم اليقين والتوتر الناجم عن الفصائل المتحاربة في المناطق الحدودية المتوترة. وتم ابتزاز الشركات التجارية ومداهمة المتاجر، في حين تم اغتيال العديد من القادة المحليين، من الشرطة إلى أعضاء البلدية”.

على طرف آخر، المدير التنفيذي لمركز “الأمم المتحدة” لمكافحة الإرهاب فلاديمير فورونكوف أخبر مجلس الأمن الدولي شباط/فبراير الفائت، أن هناك ما يصل إلى 10000 عضو نشط في العراق وسوريا يواصلون شن الهجمات بمعدل ثابت، بما في ذلك عمليات الكر والفر والكمائن والقنابل المزروعة على جوانب الطرق في كلا البلدين”.

ووفق الخبراء، فإن ما لا يقل عن 1000 من أعضاء “داعش” المتفرغين يعملون في شمال سوريا في الوقت الحالي، والمزيد ما زالوا رهن الاعتقال. وتعتبر هذه مشكلة كبيرة.

وبالعودة إلى المحلل السياسي، أحمد الرمح الذي خلص حديثه بالقول: “لا يمكن الحديـث عـن انهيار تنظيـم داعش بعد هزيمته العسكرية، رغـم مؤشرات اندحاره، فطالما بقيت الأسباب التي أنجبت التنظيـم قائمة، كأحد محركات الصراع في المنطقة، والمتمثلة فـي تصاعد حدة (السعار الطائفي) الـذي تغذيه الدول الدينية كإيران والتنظيمات الراديكالية الإسلامية، واسـتمرار بقاء الأنظمة الديكتاتوريـة فـي سـدة الحكم بسوريا، مع كل جرائمها الشنيعة، وتغليب الغـرب مصالحه الخاصة على مصالح الشعوب الأخرى. بات الفصـل في الصراع القائم تتحكم به القـوة، وبدون إجـراءات العدالـة الدولية، فستبقى المنطقـة أشبـه ببراميل مـن البـارود يمكــن أن تنفجر تباعا، مع انبعاث التنظيم مجددا، أو ولادة تنظيـم آخر، بحيث يكون داعش قياسا له”.

لقد واجه التنظيم ضربات قوية وعنيفة استهدف القادة المحتملين الذين بإمكانهم تولي زمام القيادة وهو الأمر الذي تسبب في حدوث تصدعات في بنية وهيكل التنظيم، إذ إن الضربات التي وجهت للتنظيم مؤخرا، كانت قوية ومباغتة، خاصة هجوم “داعش” الأخير على سجن غويران/الصناعة بالحسكة، والتي تكبد التنظيم فيها خسائر فادحة وفشلت خطته فشلا ذريعا، بفضل قوات سوريا الديمقراطية “قسد” وبغطاء جوي ودعم من “التحالف الدولي” بقيادة الولايات المتحدة.

لكن، في خضم الحديث عن احتمالية زيادة نشاط “داعش” في الوقت الراهن، وسط المتغيرات الدولية والإقليمية، فإن من أهم استراتيجيات التنظيم الإرهابي قد تكون استغلال الخلافات والمنافسة بين الدول، خاصة الساحة السورية أرض خصبة للنزاعات والصراعات السياسية الدولية والإقليمية، وبالتزامن مع التهديدات التركية الأخيرة، وتصاعد التوترات العسكرية في عدة مناطق في سوريا، بعد قمة طهران الثلاثية.

كما أنه لا أحد يستطيع إنكار محاولة تركيا وفصائل “الجيش الوطني” التابعة لها توظيف تلك الورقة لحساب مصالحها، إلى جانب القيام بتسهيلات لعناصر “داعش”، وتحديدا قادة التنظيم، الذي اغتيل جميعهم في مناطق من الشمال السوري، سواء تلك التابعة بشكل مباشر لتركيا أو بشكل غير مباشر.

ولأجل ذلك كله، فإن المنطقة برمتها أرضية ملائمة حاليا للتنظيم ولإعادة ترتيب وتهيئة نفسه للظهور مجددا، وبالتالي فإن المنطقة معرضة لخطر الاشتعال والانفجار في أي وقت.

قد يهمك: من التهديدات العسكرية إلى الأحقية بمستقبل سوريا.. ماذا تريد تركيا؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.