إصرار لا جدوى منه على الصعيد السياسي تقوم به أطراف عربية من خلال الترويج لإعادة دمشق للجامعة العربية، دون الإعلان عن مسوغاتها الحقيقية لذلك. فرغبة الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، التي شدد من خلالها على إعادة تفعيل مقعد دمشق للجامعة العربية لم توضح عن النتائج المنتظرة لهذا التحرك.

تقارير عربية، أشارت مؤخرا إلى رغبة جامحة للتيار الذي يريد عودة دمشق إلى الجامعة العربية؛ تتمثل بحضور عربي في الملف السوري من أجل تحجيم المشاريع الإقليمية داخله، لا سيما النفوذ الإيراني المتغول هناك، وكذلك المشروع التركي التوسعي في الشمال السوري. هذه المبررات إن صحت فإنها لن تكون مبررا كافيا لذلك التحرك، فإعادة دمشق للجامعة، هي ورقة رابحة لحكومة دمشق وحليفتها الإيرانية حتى الآن، دون حصول أي تقدم في عملية الحل السياسي، وكذلك عدم إبداء أي جدية من طرف دمشق نحو تفعيل سبل الحل في سوريا.

التساؤل الأبرز حول ماهية تحركات بعض الأطراف العربية لإعادة دمشق للجامعة العربية، يكمن في إمكانات هذه الأطراف لمواجهة التمدد الإيراني في سوريا والمنطقة، فهل تملك هذه الأطراف آلية ناجعة لمواجهة الإيرانيين؟ وهل تملك القدرة السياسية والعسكرية لمواجهة مشاريع أنقرة أيضا في الشمال السوري، طالما أن هناك تخوف عربي من قبل بعض الدول إزاء تلك المشاريع الإقليمية المتواجدة على الأرض السورية.

لا حل سياسي بوجود الأسد

في لقاء للرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، مع وكالة الأنباء الجزائرية نُشر نصه يوم أمس الإثنين، قال فيه إن “القمة العربية المقبلة ستكون ناجحة طالما أن الجزائر ليست لديها نية أخرى وراء تنظيم هذه القمة سوى العمل على توحيد الصف العربي”.

كما أشار، إلى أن حضور سوريا القمة كان “موضع تشاور” بين الدول العربية، موضحا أنه من الناحية القانونية، تعتبر سوريا من الدول المؤسسة لجامعة الدول العربية، ووجودها في القمة سيكون طبيعيا جدا، ولكن من الناحية السياسية، لا تزال هناك بعض الخلافات، بحسب تعبيره.

وفيما إذا كانت لعودة حكومة دمشق إلى الجامعة العربية، أثر إيجابي في الحل السياسي بسوريا، وخاصة ملف المعتقلين والمختفين قسرا وضمانات عودة اللاجئين وإعادة إعمار سوريا، يستبعد الكاتب السياسي، والأستاذ في جامعة “جورج واشنطن”، رضوان زيادة، أن يكون هناك أي حل سياسي جدي وشامل في سوريا، “طالما أن بشار الأسد في سوريا ويقود دفة الحكم”.

وأضاف زيادة، في حديثه مع موقع “الحل نت”، “بوجود الأسد في سلطة البلاد، وفي حال وجود أي اتفاق مع أي دولة، فهذا بالتأكيد لن يشمل المعتقلين أو المخفيين قسريا”.

وأشار زيادة، إلى أنه حتى الآن لا يوجد أي إجماع أو اتفاق نهائي لعودة دمشق إلى الجامعة العربية، فهناك دول عربية ما زالت تعارض هذه الخطوة. وأردف زيادة حديثه بالقول: “لكن نحن نعرف أن الجزائر من الدول التي تدفع بقوة لعودة الأسد إلى الجامعة العربية”.

من جهته يرى الكاتب والمحلل السياسي حسن النيفي، أن دعوة الجزائر لإعادة دمشق إلى الجامعة العربية ليست بالجديدة، وأضاف بالقول: “نعلم أن السلطة الحاكمة في الجزائر وقفت منذ البداية إلى جانب النظام السوري، عندما اتخذت الدول العربية موقفا ضد الأسد مطلع عام 2011”.

وبحسب حديث النيفي، لـ “الحل نت”، فإن المسعى الجزائري ربما تجدد في ظل فك قبضة المجتمع الدولي أو الضغط الدولي. حيث هناك انفراج في السياسة الأميركية، التي تعتبر القضية السورية مرتبطة بالملف الإيراني، إضافة إلى إعادة العلاقات الإماراتية والبحرينية مع دمشق مؤخرا، و”ربما تعتبر كل هذه الأمور مشجعة للنظام الجزائري على إعادة دمشق إلى الجامعة العربية”.

فيما اعتبر من ناحيته، الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، أن “سوريا قد تعود إلى الجامعة خلال القمة المقبلة، إذا حدث توافق عربي على مشروع القرار”، مشيرا إلى رغبة عدد من الدول العربية بعودتها.

وفي الوقت الذي تؤيد فيه بعض الدول العربية إعادة تفعيل مقعد دمشق في الجامعة العربية، مثل الإمارات والجزائر وعُمان ولبنان والعراق، وتعارض دول أخرى هذه العودة، ومنها قطر والسعودية ومصر، أكد أبو الغيط، في شهر آذار/مارس الماضي، خلال اجتماع الدورة 157 لمجلس الجامعة العربية على مستوى الوزراء، عدم رصد توافق عربي على عودة سوريا إلى الجامعة.

قد يهمك: حضور عربي مختلف.. ما حقيقة طرح الفيدرالية في سوريا؟

عودة مستبعدة؟

المحلل السياسي، حسن النيفي، أشار إلى أن عودة دمشق إلى الجامعة العربية، هو أمر مستبعد على الرغم من هذه المساعي، لأن تعليق عضوية دمشق، جاءت نتيجة مواقف كاملة من الدول الأعضاء، واليوم عودة دمشق تستوجب توافق كامل، “وحتى الآن لا يوجد هذا التوافق، فهناك المملكة العربية السعودية وقطر ومصر أيضا، فهؤلاء لا يزالون يرفضون عودة دمشق إلى الجامعة العربية”.

ومن ناحية أخرى، حتى لو عادت دمشق إلى الجامعة، فإن هذه العودة لن تحقق السلام في سوريا، لأن الأسباب التي حتّمت تعليق عضوية دمشق لا تزال قائمة، أي أن حكومة دمشق لم تفعل شيئا يمهّد لها الطريق لحل سياسي، على حد وصف النيفي.

أيضا، وفق تقدير النيفي، فإن عودة دمشق إلى الجامعة العربية لن تقدم أي إضافة نوعية للجامعة، لذلك “يمكن اعتبار هذه العودة (إن تمت) على المستوى المعنوي والرمزي. ربما تفيد الأسد وتفضي إلى تعويمه إقليميا وسياسيا، ولكن، من الناحية العملية فما زالت العقوبات مفروضة عليه، ومازال هناك رفض دولي لتمويل إعادة الإعمار بسوريا ما لم تقترن بحل سياسي شامل، إذاً هذه العودة لن تقدم ولن تؤخر سوى من الناحية المعنوية. قد يستفيد منها الأسد أمام حاضنته الشعبية”.

الجدير بالذكر، أن وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، صرح مؤخرا، أن سوريا لن تبقى خارج أطر الجامعة العربية، مشيرا إلى عمق العلاقات التي تجمع دمشق والجزائر.

تصعيد في الساحة السورية

من جهته، اعتبر خبير العلاقات الدولية، عمر عبد الستار محمود، أن الصراع في الساحة السورية صراع “صفري”، فوجود روسيا في البحر الأسود والبحر المتوسط (الساحل السوري)، إلى جانب النفوذ الإيراني في سوريا، وبعد قمة جدّة وطهران الثلاثية، فإنه يدلل على أن قواعد الاشتباك تغيرت، ومحور “أستانا” فشل، والأوضاع حقيقة متجهة نحو التصعيد بسوريا، وفق تعبيره.

إن الصراع في محور “جنيف” و”أستانا”، يعقد المشهد أكثر في سوريا، خاصة وأن إيران حاليا منحازة لروسيا، لذا وفق حديث محمود لـ”الحل نت”، فإن محور “أستانا” فشل في وضع أي حل سياسي لسوريا، وهذا ما يعقّد الأوضاع ويأخذ الأمور في سوريا نحو تصعيد أكبر.

طالما أن هناك تدخلات خارجية من قبل عدة أطراف في سوريا، والمتسببة في تحول مسار التغيير السلمي إلى احتراب أهلي بدعم من اللاعبين الإقليميين والدوليين (إيران وروسيا)، الذين ساهموا في تعبئة الأوضاع وإطالة أمد الصراع وتعويم الأسد عدة مرات، فإن عودة الأسد إلى جامعة الدول العربية لن تقدم شيئا جديدا، لا على مستوى سوريا وعلى مستوى المنطقة. بل سيصبح الأمر أكثر تعقيدا وقد يُفرز نوعا جديدا من التصعيد في البلاد، خاصة وأن الحل السياسي بعيد جدا، في ظل الرفض الدولي لدمشق دون تنفيذ القرار الدولي 2254.

قد يهمك: موعد تقريبي لعودة دمشق إلى الجامعة العربية.. ما حقيقة ذلك؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.