في ظل ما تعيشه سوريا من أزمة اقتصادية ومحدودية سيطرة سلطة دمشق على تداول العملات الأجنبية إلا من خلال القبضة الأمنية، وخروج أغلب موارد الدولة من يد سلطة دمشق وسيطرة أصحاب النفوذ التابعين للسلطة أو الحلفاء على المنشآت الحيوية والتجارة في البلاد، أصبح الاقتصاد السوري يعاني مما يسمى بالدولرة، وحالة من عدم الوثوق بالعملة المحلية بعد سلسلة الانهيارات المتتالية التي تعاني منها.

ويعرف مصطلح الدولرة بأنه إجراء عدد كبير من المعاملات التجارية بالدولار الأميركي، أو تقييم إجراء المعاملات التجارية والخدمات بالعملة المحلية، ولكن التقييم يكون بالدولار الأميركي، وفي حالة الدولرة تكون العملة المحلية فاقدة بشكل كبير لقيمتها الشرائية، والاقتصاد يعاني من نسبة تضخم كبيرة جدا.

حقيقة طرح فئة نقدية كبيرة في سوريا

زاد في الآونة الأخيرة الحديث عن طباعة حكومة دمشق لورقة نقدية جديدة من فئة 10 آلاف ليرة سورية، لتتوالى التصريحات الرسمية بين نفي وتوضيح ما يتم تداوله من أخبار طرح الفئة الجديدة، ففي شهر آذار/مارس الماضي من العام الحالي، صرح مدير الخزينة في مصرف سوريا المركزي إياد بلال، بأن لا نية للمصرف المركزي السوري بطرح أي فئة نقدية جديدة، مضيفا بأن المركزي السوري يعمل حاليا على تعزيز ثقافة الدفع الإلكتروني.

وفي تصريح صحفي لرئيس هيئة الأوراق المالية، عابد فضيلة، يوضح فيه رأيه بطرح الفئة الجديدة، قال بأنه يتمنى أن تطرح عملة جديدة من فئة 10 آلاف ليرة سورية؛ بشرط ألا يتم طبع مبلغ يزيد عن التالف من العملة القديمة، وبكميات تناسب الحاجة، وأنه إذا ما تم طرح عملات جديدة فذلك سيسهل عملية تداول العملة بين الناس والمصارف، وأن الاقتصاد السوري يتطلب إصدار عملات جديدة بفئة نقدية أكبر.

يذكر أن آخر فئة تم إصدارها من قبل المصرف المركزي السوري هي من فئة 5 آلاف ليرة سورية، وقد سبق إصدارها الذي تم منذ سنتين شائعات ونفي يشابه ما يتم تداوله هذه الأيام فيما يخص فئة 10 آلاف ليرة سورية.
الخبير الاقتصادي سمير الطويل في حديثه لموقع “الحل نت” يرى أن طرح فئة 10 آلاف لا يعود بالنفع على الاقتصاد السوري، خاصة في ظل التضخم الحاصل في الاقتصاد السوري.

وتابع الطويل أن الدول المتقدمة تقوم برفع الرواتب والأجور، وتعمل على مكافحة التضخم الحاصل من خلال تحفيز الاقتصاد ودعم التصدير ودعم القدرة الشرائية للمواطنين، على عكس ما تقوم به سلطة دمشق بزيادة الرواتب والأجور بالتزامن مع رفع الأسعار نتيجة لفقدانها الأدوات التي تساهم في كبح التضخم.

طرح فئة نقدية جديدة وانعكاساتها

بشكل عام يتم اللجوء إلى طرح فئة نقدية جديدة أكبر من سابقتها عندما تتدنى القوة الشرائية في البلاد، وترتفع الأسعار بشكل كبير نتيجة التضخم، كما أن طرح فئة جديدة من العملة يأتي لتسهيل المعاملات النقدية وتخفيض تكاليفها وتخفيض كثافة التعامل بالأوراق النقدية، وفي الحالة السورية ومع استمرار انهيار الليرة فلا مفر أمام سلطة دمشق إلا بطباعة ورقة نقدية جديدة قيمتها أكبر من سابقاتها، وإذا ما تم طرح فئة 10 آلاف ليرة مستقبلا في سوريا، فإن ذلك سيكون بمثابة اعتراف من قبل حكومة دمشق بحجم التضخم الحاد الذي يضرب البلاد.

إن مشكلة طرح الفئة الجديدة في سوريا لا تتوقف على هدف طرحها، وإنما أيضا كمية المعروض منها، فإذا كان هدف الطرح هو تمويل عجز الموازنة من خلال الاقتراض من المصرف المركزي والمصارف الأخرى، من خلال ما يسمى بـ أذونات الخزينة، فإنه سيكون له تأثير سلبي على المستوى العام للأسعار، وسيؤدي إلى مزيد من انخفاض القوة الشرائية لليرة السورية، وبالتالي مزيدا من التضخم مما سيؤثر سلبا على الوضع المعيشي للمواطن السوري، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن كمية طرح الفئة الجديدة يجب أن تتناسب مع سحب الفئات ذات القيمة الأقل، أو التالفة الموجودة بالاقتصاد السوري والتي لم يتبق لها قيمة أو قوة شرائية، وهذا ما لا يمكن أن يتم التحقق منه في ظل غياب الهيئات والمؤسسات الاقتصادية ذات الكفاءة في حكومة دمشق، مع عدم وجود قوى اقتصادية متكاملة وافتقار دمشق للسيطرة المالية على كامل الجغرافيا السورية.

القوة الشرائية للمواطن السوري

تعرف القوة الشرائية بأنها كمية السلع والخدمات التي يمكن للمواطن في بلد معينة أن يشتريها بوحدة نقدية من عملة البلد التابع لها، ليعبر بذلك عن قدرة الأفراد على الاستهلاك وإشباع حاجاتهم، كما أن بين القوة الشرائية والتضخم علاقة وثيقة، فكلما زاد التضخم انخفضت القوة الشرائية للمواطن، ويلعب الاستقرار السياسي في الدولة دور مؤثر في القوة الشرائية للمواطن.

وإذا ما تحدثنا عن القوة الشرائية للمواطن السوري في مناطق حكومة دمشق فيمكن الحديث عن ضعف شديد في القوة الشرائية للمواطن، نتيجة للخسارة الكبيرة التي تكبدها الاقتصاد الكلي في سوريا، حيث قُدّرت خسارة الاقتصاد الكلي في سوريا بأكثر من 442.2 مليار دولار منذ عام 2011 وحتى 2018 بحسب إحصائيات أممية، مع اعتبار هذا الرقم صغير جدا أمام حجم الدمار الهائل الذي لحق بسوريا حتى نهاية عام 2021، بحسب محللين اقتصاديين.

ولعب أيضا ارتفاع معدلات التضخم، وتواتر انهيار سعر صرف الليرة السورية التي وصلت إلى مستويات قياسية في الانهيار، وانعدام الأمن الغذائي في سوريا بسبب تضرر القطاع الزراعي في سوريا، وغياب الدور الحكومي في وضع الخطط الداعمة للاقتصاد، وعدم الوصول إلى حل سياسي في سوريا، وانتشار فيروس “كورونا”، والحرب الروسية الأوكرانية، دورا كبيرا في تفاقم مؤشرات الفقر وانحسار القوة الشرائية للمواطن السوري.

الصحفية السورية زينب المصري، وعند سؤالها حول إمكانية تعزيز القوة الشرائية للمواطن السوري من قبل حكومة دمشق، قالت بأن مسؤولي دمشق يكتفون باعتبار ارتفاع الأسعار غير مبرر، دون اتخاذ إجراءات لضبطها أو لتسهيل عمليات استيراد المواد، كما تفرض دمشق الضرائب على التجار الذين بدورهم يرفعون الأسعار، في الوقت الذي تزيل فيه مواطنين من الدعم الحكومي بشكل عشوائي.

وتابعت المصري حديثها لـ”الحل نت”، فيما يتعلق بالدعم الخارجي ودوره في تخفيف الأزمة الاقتصادية لحكومة دمشق، بأن مسؤولو سلطة دمشق يتحدثون باستمرار عن وجود اتفاقيات مع روسيا وإيران لتأمين المشتقات النفطية والمواد الغذائية الأساسية مع إطلاق وعود بتوفير المواد وتخفيض الأسعار وحدوث انفراجات في الأزمات التي يعاني منها المواطن، لكن جميعها تدور في إطار الوعود والتصريحات فقط، لا شيء يتغير على أرض الواقع، إذ تفوق الحاجة في مناطق سيطرة دمشق ما تعمل الحكومة على تأمينه من خلال الدعم الروسي والإيراني.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.