مخاطر متزايدة وتحديات جمة تحيط بطهران خلال الفترة المقبلة في ظل رئاسة إبراهيم رئيسي الذي تولى رئاسة السلطة السياسية في إيران منذ عام كامل. فلا تطور جديد حصل على صعيد السياسة الخارجية الإيرانية وكذا في الوقت ذاته تراوح الأوضاع الاقتصادية الصعبة للإيرانيين في مكانها. فكيف كان العام الأول لرئاسة رئيسي وماذا ينتظر طهران في أبرز الملفات الداخلية والخارجية.
العلاقات الخارجية الفاشلة
مرّ عامٌ كامل على رئاسة الرئيس الإيراني المحافظ إبراهيم رئيسي، ومعه تم إكمال المحافظين قبضتهم على مفاصل الحكم في إيران. ففي مثل هذا اليوم من العام الماضي، في 5 آب/أغسطس 2021، أدى رئيسي اليمين الدستورية أمام البرلمان الإيراني (مجلس الشورى)، كخطوة أخيرة لاستكمال الإجراءات الرسمية الروتينية على طريق استلام السلطة التنفيذية في البلاد، من حكومة الرئيس السابق حسن روحاني.
وفي هذا السياق، يرى الباحث في الشأن الإيراني، وجدان عبد الرحمن، خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن سياسة إبراهيم رئيسي الخارجية، هي سياسة فاشلة وذات نتائج عكسية على النظام الإيراني، ومن بينها ما تمثل بزيارات رئيسي الخارجية وعلى رأسها زيارته لروسيا مطلع العام الحالي، والتي توصف حتى من قبل شريحة من التيار المعتدل بإيران بغير المهمة، والتي تسيء لإيران وفق مبدأ علاقاتها الخارجية المبنية على فكرة “لا شرقية ولا غربية”، أي أن يكون هناك توازن بعلاقاتها بين الغرب والشرق.
وأضاف عبد الرحمن، “من جهة ثانية فإن علاقته مع الصين جاءت بالتوقيع على الاتفاقية بين الطرفين لمدة 25 سنة، والتي تعتبر فاشلة لما فيها من تنازلات إيرانية للصين، حيث سيصاحب الاستثمار الصيني تخفيض في أسعار النفط الإيراني لفائدة الصين، كما ستمنح طهران الأولوية للصين في تنفيذ خطط التنمية في إيران، كما ستسمح الاتفاقية بتواجد 5 آلاف من قوات الأمن الصينية على الأراضي الإيرانية، إضافة إلى أن الصين ستتمتع بخصم يصل إلى 32 بالمئة على مشترياتها من النفط والغاز والمنتجات البتروكيميائية، مع تأخير السداد لمدة عامين”.
إقرأ:إيران.. من بين أسوأ ثلاث دول في العالم من حيث حرية الصحافة
علاقات إيران بدول الجوار
لم يشهد ملف السياسة الخارجية الإيرانية أي تطور نوعي إزاء علاقات طهران مع دول الجوار، باستثناء ادعاءات طهران بانفتاحها على الحوار مع الرياض، في حين لم تكلل الجهود العراقية بالوساطة بين الطرفين في إحراز أي تقدم لافت مؤسس في عملية الحوار، أما على صعيد الحضور الإيراني في الدول العربية التي تملك فيها نفوذا متزايدا خلال السنوات الماضية، فإن طهران لم تغير من سياستها التوسعية في تلك الدول، فما تزال العقبات في الملف اليمني حاضرة في ظل سيطرة الحوثيين (المدعومين من إيران) على أجزاء من البلاد هناك، وتعاني العراق من أزمة سياسية جديدة كما هو حال اقتصادها، وهو الحال المتشابه في لبنان أيضا، بينما في سوريا تسعى إيران لزيادة تغولها هناك رغم استمرار الضربات الجوية الإسرائيلية التي تستهدف المواقع الإيرانية في سوريا.
وجدان عبدالرحمن، يرى أن هناك تحركا إيرانيا باتجاه حلحلة الأمور العالقة مع دول الجوار خاصة السعودية وحتى مع تركيا، ولكن سياسة رئيسي فشلت أيضا في هذا الاتجاه، فهو (رئيسي) في الحقيقة لا يريد لهذه القضايا أن تُحل، وذلك نابع من الفكر الذي بني عليه النظام الإيراني بالتوسع و”تصدير الثورة الخمينية” والذي يتبناه تيار رئيسي المحافظ، ولكن تأتي هذه التحركات في مقابل المشروع الإسرائيلي في المنطقة والساعي نحو تطبيع العلاقات مع الدول العربية، لذلك تسعى إيران لإفشال سياسة إسرائيل، بحسب إدعائها.
أما فيما يتعلق بالدول العربية الأخرى، كسوريا واليمن، فإيران تسيطر الآن على أربع عواصم عربية، وذلك حسب مشروعها التوسعي، وتسبب وجود إيران في هذه الدول بخلق أزمات سياسية واقتصادية كبيرة، وحتى الآن لم يتم التوصل لأي حل للأزمات السياسية التي تشهدها نتيجة التدخل الإيراني، ولن تتوقف إيران عن توسعها في هذه الدول وغيرها إن استطاعت، على الرغم من استهداف إسرائيل المستمر لها في سوريا، بحسب عبد الرحمن.
قد يهمك:ضجة في إيران بسبب تقييد الإنترنت.. ما القصة؟
رئيسي والملف النووي
إيران ترزح تحت العقوبات الدولية بفعل سياسة إيران المداومة على رفض التفاهمات مع المجتمع الدولي حيال برنامجها النووي، فيما لم تستطع إدارة رئيسي أن تحدث أي تغيير إيجابي في ملف الاتفاق النووي حيث ما تزال المفاوضات متعثرة والأمور تزداد صعوبة حيال التوصل لأي تفاهم يفضي لاتفاق نووي جديد بين إيران والقوى الدولية الفاعلة في ملف الاتفاق النووي.
ويرى عبد الرحمن، أن هناك العديد من العوائق التي تخلقها حكومة رئيسي والتي تسببت حتى الآن بعرقلة مفاوضات الملف النووي، من بينها أن إيران تريد اعترافا دوليا بأنها دولة إقليمية لتتمكن من البقاء في الدول التي تسيطر عليها، مشيرا إلى أن الاتفاق النووي يكاد يكون قد انتهى، خاصة بعد العرض الذي قدمه مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، لإيران مؤخرا والذي رفضته إيران.
وأشار عبد الرحمن، إلى أن إيران تدعي باستمرار أن اللائمة في فشل المفاوضات تقع على عاتق الولايات المتحدة، كما تطلب ضمانات سياسية، وضمانات بعدم مناقشة ملف المحطات النووية الثلاث التي عُثر فيها على اليورانيوم المصنع إيرانيا، ولفت إلى أن لروسيا دور مهم في تعطيل مفاوضات الملف النووي الإيراني، خاصة أن روسيا تقود المساومات في الملف مع الدول الغربية مستخدمة إيران كورقة ضغط ضدهم خاصة بعد العقوبات الغربية على روسيا على إثر غزوها لأوكرانيا.
كما أوضح عبد الرحمن، أن إيران تدرك حساسيات الملف النووي، من ناحية تخصيب اليورانيوم، لذلك لم تقم بزيادة التخصيب لنسبة أكثر من 60 بالمئة وهذا ما يضمن لها عدم التعرض لضربات غربية.
إقرأ:هذا موعد استخدام القوة الإسرائيلية ضد إيران
الداخل آخر ما يُهم حكومة رئيسي
على الصعيد الداخلي فالأوضاع السياسية متأزمة في ظل حراك شعبي رافض لسياسة طهران الداخلية، لاسيما وأن الأوضاع الاقتصادية تزداد تدهورا بمقابل عجز حكومي واضح عن مواجهة تراجع قيمة العملة الإيرانية وازدياد التضخم وارتفاع الأسعار في مختلف السلع والخدمات.
الشارع الإيراني، الذي يشكل الاقتصاد أولويته الأساسية على خلفية الأزمة الاقتصادية منذ سنوات بسبب العقوبات الأميركية المشددة بعد الممارسات السلبية من قبل طهران إزاء البرنامج النووي، فلم يشعر بأن أي تحسن قد طرأ على وضعه المعيشي خلال العام الأخير. بل زاد الأمر سوءا مع ارتفاع متزايد للأسعار ونسب التضخم، رغم الوعود التي أطلقها الرئيس الإيراني خلال حملته الانتخابية.
استمرار الأزمة الاقتصادية في إيران، أطلق احتجاجات جديدة في البلاد في شهر أيار/مايو الماضي، على خلفية تحرير أسعار سلع ومواد غذائية.
كذلك شهدت إيران أخيرا اعتقال عدد من الناشطين والمخرجين السينمائيين، بتهمة “التواطؤ ضد أمن البلاد”، أبرزهم الناشط السياسي مصطفى تاج زادة، بالإضافة إلى عودة الجدل بشأن مسألة الحجاب على خلفية عودة شرطة الأمن الأخلاقي إلى الشوارع.
وبحسب وجدان عبد الرحمن، فإن الأولوية بالنسبة لحكومة رئيسي، هي تنفيذ السياسة الخارجية الإيرانية، والقائمة على التدخل بدول الجوار وابتزازها من خلال أذرعها من الميليشيات التي قامت بنشرها في عدة دول عربية، في الوقت الذي نكثت بكل الوعود الانتخابية التي قدمها رئيسي في حملته الإنتخابية، وهذا ما انعكس سلبا على الاقتصاد الإيراني، ما أدى لزيادة نسبة التضخم الذي تسبب بارتفاع أسعار غير مسبوق، إضافة لزيادة نسبة الفقر، ونسبة الإضطهاد للمواطنين الإيرانيين من خلال تكميم أفواه كل من يعارض سياسة رئيسي، وخاصة أولئك الناشطين الذي يرون في العقوبات بسبب الملف النووي السبب الرئيسي للأوضاع الاقتصادية السيئة.
وكان تقرير سابق لـ”الحل نت”، أشار إلى الاحتجاجات الشعبية في أيار/مايو الماضي، والتي اندلعت على خلفية إلغاء الدعم عن السلع الأساسية من بينها الطحين والزيوت والدجاج واللحوم والألبان وغيرها، الأمر الذي تسبب بزيادة كبيرة في أسعار السلع، والتي ردد المتظاهرون فيها شعارات مثل، “الموت لخامنئي” و “عار على رئيسي” و”يا رئيسي اذا كنت تستحي، فتنحى”.
كما أشار التقرير، إلى أن إيران احتلت المرتبة الثالثة بين أسوأ ثلاث دول على مؤشر الصحافة العالمي لعام 2022، نتيجة استخدامها لأساليب وسياسة القمع والترهيب والتضيق على الصحفيين في إيران، ومؤخرا حاولت منع الإيرانيين من الوصول إلى بعض تطبيقات التواصل الاجتماعي.
وكانت صحف إيرانية عدة، سلّطت يوم أمس الخميس، الضوء على الغلاء الكبير في أسعار السلع والبضائع في الأسواق الإيرانية خلال العام الأول من وصول إبراهيم رئيسي إلى السلطة في إيران، بعد أن قدم وعودا سخية للناخبين تركز معظمها على حل المشاكل الاقتصادية وتحسين الأوضاع المعيشية.
الصحف المعارضة لحكومة رئيسي وسياساتها اعتبرت العام الأول لرئيسي في الحكم بأنه “عام ارتفاع الأسعار”، وهو عنوان اختارته صحيفة “صداي اصلاحات” التي أكدت أن الفارق أصبح كبيرا بشكل رهيب بين الدخل وتكاليف المعيشة، وقالت إن هذه النسبة من الاختلاف بين الدخل وتكاليف المعيشة هي الأعلى من نوعها في إيران منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وفق ما تابع “الحل نت”.
قد يهمك:إيران.. احتجاجات شعبية واسعة ضد الغلاء والخامنئي
أما “نقش اقتصاد” فهي الأخرى انتقدت هذا الغلاء وعجز الحكومة عن التعامل مع أزمة ارتفاع الأسعار، كما سخرت من حديث المسؤولين الإيرانيين الذين ادعوا أن الغلاء في الشهر الأخير كان نتيجة لصدمة اقتصادية، وتساءلت بالقول: “تضخم أم صدمة في الأسعار”، مستندة بروايات رسمية حول الغلاء في بعض السلع، حيث سجلت أسعار الدهون مثلا ارتفاعا بنسبة 327 بالمئة، والأرز بنسبة 188 بالمئة.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.