أفسحت التهديدات المتبادلة بين “حزب الله” اللبناني المدعوم من إيران، وإسرائيل في الآونة الأخيرة، فيما يتعلق بملف أبرز حقول الغاز في البحر المتوسط، المجال أمام بروز تساؤلات حول احتمالية وقوع حرب جديدة بين الطرفين.

أسباب النزاع

أساس النزاع بين الطرفين ليس بالجديد على ترسيم الحدود البحرية في المنطقة الغنية بالنفط والغاز التي تبلغ مساحتها نحو 860 كيلومترا، وتُعرف بالـ“بلوك رقم 9”، ففي تشرين الأول/أكتوبر 2020 بدأ الجانبان مفاوضات برعاية الأمم المتحدة ووساطة أميركية، بهدف الانتهاء من ملف ترسيم الحدود.

إلا أن المفاوضات لم تفض إلى أي نتيجة، بل أحدثت مؤخرا العديد من التهديدات المتبادلة، ففي منتصف شهر تموز/يوليو الماضي، خرج الأمين العام لـ“حزب الله“، حسن نصر الله، ليهدد الإسرائيليين في ظل استعداداتهم لبدء الحفر في حقل “كاريش” الواقع في مياه البحر الأبيض المتوسط بين لبنان وإسرائيل.

من جانبه هدد مؤخرا وزير المالية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، “حزب الله” وقال “في حال هاجم حزب الله منصة الغاز وفرض علينا مواجهة سنمحو الضاحية الجنوبية“. ما استدعى ردا جديدا من “حزب الله“، فاعتبر أن “الإسرائيلي لم يعد هو صانع المعادلات، ويعرف أن ما سيخسره في أي حرب محتملة هو أضعاف ما سنخسره نحن في لبنان“، ورفع الحزب عبر إعلامه معادلة “تدمير تل أبيب مقابل تدمير الضاحية“.

عضو المجلس المركزي في “حزب الله“، نبيل قاووق، اعتبر أن “الفيديو الذي نشره الإعلام الحربي في المقاومة الإسلامية قبل أيام، هو رسالة واضحة للعدو الإسرائيلي أن المقاومة استعدت وجهّزت الصواريخ التي تطال كاريش وما بعد كاريش“.

قد يهمك: أفغانستان.. هل تخلت “طالبان” عن تنظيم “القاعدة“؟

وأشار إلى “أن اللبناني كان ينتظر ويستجدي الأميركي، أما الآن فالمعادلة تغيّرت، حيث إنه بمعادلة المقاومة، صار الإسرائيلي ينتظر ويستجدي الأميركي، وقد صرح في هذا الإطار رئيس حكومة (إسرائيل) علنا وطلب من أميركا العمل على اتفاق سريع مع لبنان حول ترسيم الحدود، لأنهم يخشون قدرة المقاومة، ويصدقون وعد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله“، وفق ادعائه.

الحرب مستبعدة؟

الصحفي اللبناني ربيع دمج، يستبعد حدوث حرب مفتوحة بين إسرائيل و”حزب الله” رغم التهديدات المتبادلة بين الجانبين، بسبب الخلاف على ترسيم الحدود.

ويقول دمج في حديثه لـ“الحل نت“: “حزب الله يهدد بضرب إسرائيل نعم، لكن لا يمكن للبنان أو إسرائيل أن يخوضا الحرب، حزب الله يسعى لإنهاء الملف قبل انتهاء ولاية ميشال عون في رئاسة الحكومة، ليتم القول أن عون أنجز شيء في عهده“.

ويضيف: “لن يكون هناك حرب، الأمر متعلق فقط بتهديدات، نرى أن أميركا واقفة مع الجانب اللبناني في حقه، ضمن المواقع الحدودية المتنازع عليها. يوجد خرائط تثبت الحق اللبناني“.

بدوره، شدّد رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد على “أن حقوقنا الكاملة نريدها في مياهنا وغازنا ونفطنا وسيادتنا وكرامتنا الوطنية، ولن نقبل أن تُسلب هذه الحقوق لحساب مصالح الآخرين“.

ويخوض لبنان مفاوضات برعاية الأمم المتحدة وساطة أميركية مع إسرائيل، لترسيم حدود بحرية مشتركة من شأنها أن تساعد في تحديد موارد النفط والغاز التي تنتمي إلى أي من الجانبين.

وبدأت إسرائيل بالفعل العمل في حقل نفط “كاريش” من خلال سفينة تديرها شركة “إنرجيان” ومقرها لندن.

لبنان والحل

لوري هايتيان، متخصصة في شؤون الطاقة في الشرق الاوسط وشمال افريقيا، ترى أن لبنان بحاجة إلى حل للقضية بأسرع وقت ممكن، إذا يعتقد اللبنانيون أن الوقت ضاع كثيرا في قضية التنقيب عن الغاز.

وتقول هايتان في حديث خاص مع “الحل نت”: “المفاوضات لن تتوقف، الوسيط الأميركي قدم الحل في آذار الماضي، الذي يقضي أن يكون البلوك 9 للبنان، والبلوك 8 يتقاسمه لبنان مع إسرائيل، وفي قضية حقل قانا الأولوية تكون للجانب اللبناني في التنقيب، وبعدها يتم إعطاء إسرائيل حقها، الأمر الذي رفضه لبنان في البداية“.

وتعتقد هايتان أن لبنان متجه لحل القضية، مشيرة إلى أن الجانب اللبناني ينتظر فقط إعطاء حقه في الأولوية في التنقيب، وحول ذلك تضيف: “لبنان يقول إنه لن يتقاسم مع إسرائيل في قانا، لكنه في الوقت ذاته لا يقول صراحة لن نعطي إسرائيل حقها، بالتالي أعتقد أن أي ضمانة بالبدء في التنقيب سيقبل به لبنان، بمقابله قد يكون أن قانا للبنان، مقابل إعطاء حصة معينة لإسرائيل“.

الوسيط الأميركي في المفاوضات آموس هوكشتاين، اجتمع يوم الاثنين الفائت مع الرئيس اللبناني ميشال عون، ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ورئيس مجلس النواب، نبيه بري، في القصر الرئاسي بلبنان.

وقالت “الوكالة الوطنية للإعلام” اللبنانية، أن هوكشتاين أعرب عن تفاؤله بعد المحادثات، بحصول المزيد من التقدم في ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، وأمل بالعودة قريبا إلى المنطقة للوصول إلى النتيجة المطلوبة.

هوكشتاين، عرض على الجانب اللبناني خلال الاجتماع، حصيلة المشاورات التي أجراها مع المسؤولين الإسرائيليين بخصوص مسألة ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، ثم استمع إلى الرد اللبناني.

وبحسب مصادر لبنانية رسمية، فإن الجانب الإسرائيلي، قدم مقترحا، ينطلق من إحداثيات الخط “23″ وينحرف شمالا وصولا إلى خط الوسط بين لبنان وقبرص، ويمنح المقترح الإسرائيلي لبنان كامل حقل “قانا“، مقابل حصول تل أبيب على مساحة شمال الخط “23″.

ومنذ بداية حزيران/يونيو الماضي، تسارعت وتيرة التوتر بين بيروت وتل أبيب، بشأن ترسيم الحدود البحرية بين الجانبين، وذلك بعد وصول سفينة إنتاج وتخزين على مقربة من حقل “كاريش“، الذي يعتبره لبنان داخل المنطقة المتنازَع عليها، تمهيدا لبدء استخراج الغاز منه.

وعقدت لبنان وإسرائيل عدة جولات مفاوضات بوساطة أميركية، بين تشرين الأول وتشرين الثاني 2020، لترسيم الحدود البحرية بينهما، لكن الجولات توقفت في أيار/مايو من 2021، بسبب الخلاف على المساحة المتنازع عليها.

وقبل استئناف المفاوضات قال رئيس الأركان الإسرائيلي، أفيف كوخافي، في بيان منتصف الشهر الفائت، “لقد حددنا آلاف الأهداف في لبنان بينها منظومات صواريخ يمتلكها العدو وسندمرها في حال نشوب حرب“، في إشارة منه لـ“حزب الله” اللبناني.

وأضاف كوخافي، “كل الأهداف موجودة في خطة الهجوم، لاستهداف مقار القيادة والقذائف الصاروخية والراجمات ومزيد من هذه الأهداف، كل ذلك سيتم ضربه في لبنان“، موضحا أن إسرائيل ستعطي تحذيرا مسبقا لسكان الحدود اللبنانية للمغادرة قبل اندلاع أي حرب.

تصريحات كوخافي، جاءت بعد أيام من إعلان “حزب الله” اللبناني، أنه قادر على منع إسرائيل من استخراج النفط والغاز من المنطقة البحرية المتنازع عليها جنوبي البلاد.

جذور المشكلة

لبنان كان قد بدأ عام 2002 بترسيم حدوده البحرية بشكل أحادي، حين كلفت الحكومة اللبنانية مركز “ساوثمسون” لعلوم المحيطات، بالتعاون مع المكتب الهيدروغرافي البريطاني، بإعداد دراسة لترسيم حدود مياهه الإقليمية والمنطقة الاقتصادية الخالصة، وذلك بغية إجراء عملية مسح جيولوجي للتنقيب عن النفط والغاز في هذه المنطقة.

وواجه المركز عدة صعوبات في الترسيم، بسبب عدم توافر خرائط بحرية دقيقة وواضحة لمنطقة جنوب لبنان وشمال فلسطين المحتلة، ما أوصل إلى ترسيم غير دقيق، وفي عام 2006 كلّفت الحكومة اللبنانية المكتب الهيدروغرافي البريطاني بإجراء دراسة جديدة لترسيم الحدود البحرية للدولة اللبنانية، وكانت هذه الدراسة عبارة عن نسخة محدثة لتلك التي سبقتها.

في 17 كانون الثاني/يناير 2007، وقّع لبنان مع قبرص اتفاقية حول تعيين حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة، بهدف توطيد علاقات حسن الجوار والتعاون فيما بينهما لاستثمار الثروات النفطية، واستندت هذه الاتفاقية إلى اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، وتم تحديد المنطقة الخالصة بين لبنان وقبرص على أساس خط الوسط.

ووفق موقع الجيش اللبناني، لم تبرم الاتفاقية مع قبرص التي وقعت اتفاقية أخرى مع إسرائيل عام 2011 لتحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة بينهما، حيث اتهمت لبنان قبرص آنذاك بتجاهل ما تم الاتفاق عليه معها، ما أدى إلى خسارتها مساحة مائية تزيد عن 860 كيلومترا.

وفي عام 2012، قدمت واشنطن عبر موفدها فريدريك هوف، اقتراحا لحل النزاع البحري، وذلك بتقاسم المنطقة المتنازع عليها برسم ما يعرف بـ“خط هوف“، وبموجب “خط هوف” يحصل لبنان على حوالي 500 كيلومتر، وإسرائيل على حوالي 360 كيلومترا من أصل مساحة الـ 860 كيلومترا المتنازع عليها، لكن لبنان رفض حينها هذا الاقتراح.

واقترح الجانب الأميركي أن يكون “خط هوف” خطا مؤقتا وليس حدودا نهائية، لكن الجانب اللبناني رفض ذلك خشية تحول المؤقت إلى دائم عند الجانب الإسرائيلي، وفي عام 2018 شرع لبنان بالتنقيب عن النفط والغاز قبالة سواحله، وقام في 9 شباط/فبراير بتوقيع عقد مع ائتلاف شركات دولية هي “توتال” الفرنسية و“إيني” الإيطالية و“نوفاتيك” الروسية، للتنقيب عن النفط والغاز في البلوك رقم 4 والبلوك رقم 9 في مياهه الإقليمية.

وبما أن البلوك رقم 9 يقع ضمن المساحة المتنازع عليها، اعتبرت إسرائيل خطوة لبنان “استفزازية“، وفي 16 شباط/فبراير من العام نفسه، أي بعد حوالي أسبوع من توقيع لبنان عقد مع ائتلاف الشركات الدولية، دخلت أمريكا بالوساطة مجددا بين لبنان وإسرائيل، عبر مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ساترفيلد.

وأعاد ساترفيلد اقتراحات هوف عام 2012 لرسم الحدود البحرية بين الطرفين، غير أن لبنان رفض المقترح، ولفت بيان صادر عن رئيس مجلس النواب نبيه بري في حينه، إصراره على موقفه لجهة ترسيم الحدود البحرية عبر اللجنة الثلاثية المنبثقة عن تفاهُم نيسان/أبريل 1996 التي تضم لبنان وإسرائيل والأمم المتحدة.

وتفاهُم نيسان/أبريل 1996 هو اتفاق مكتوب غير رسمي بين إسرائيل و“حزب الله” اللبناني، تمَّ التوصُّل إليه بفضل الجهود الدبلوماسية للولايات المتحدة، التي أنهت صراع عام 1996 العسكري بين الجانبَين، فيما تبنّى مجلس الأمن القرار 1701، في 11 آب/أغسطس 2006، الداعي إلى وقف كلّ العمليات القتالية بين لبنان و“إسرائيل“.

وفي آذار/مارس 2019، زار وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، لبنان، والتقى الرئيس اللبناني ميشال عون، ورئيس البرلمان نبيه بري، ورئيس الحكومة آنذاك سعد الحريري، وتناقش معهم في عدة مواضيع منها ترسيم خط الحدود البحري بين لبنان وإسرائيل.

وفي أيار/مايو 2019، زار ساترفيلد لبنان مرتين في غضون أيام، والتقى كل من سعد الحريري وبري ووزير الخارجية اللبناني حينها جبران باسيل، وأبلغهم قبل مغادرته بيروت إمكانية إجراء مفاوضات غير مباشرة، تشمل الحدود البرية والبحرية بين لبنان وإسرائيل.

وفي 1 تشرين الأول/أكتوبر 2020، أعلن بري التوصل إلى “اتفاق إطار” لإطلاق المفاوضات بين بلاده وإسرائيل لترسيم الحدود، وفي 14 تشرين الأول/أكتوبر 2020 انعقدت الجولة الأولى من المفاوضات غير المباشرة بشأن ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، برعاية الأمم المتحدة ووساطة الولايات المتحدة.

وفي 28 تشرين الأول/أكتوبر 2020 انعقدت الجولة الثانية، ووصفتها وزارة الخارجية الأميركية بأنها “مثمرة“، وفي 29 تشرين الأول/أكتوبر 2020 انعقدت جولة ثالثة قدم خلالها كل وفد طرحه ومطالبه أمام الآخر.

وفي 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2020 انعقدت الجولة الرابعة، ووصفتها الحكومة الأميركية ومكتب المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان، يان كوبيتش، بـ“المثمرة“، وفي 4 مايو/أيار 2021 اختتمت جولة خامسة من المفاوضات دون التوصل إلى اتفاق، ولتتوقف المفاوضات منذ ذلك الحين قبل استئنافها مؤخرا.

اقرأ أيضا: لمواجهة التهديدات.. نظمة دفاع صاروخية أميركية للإمارات والسعودية

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة