تعتبر مسألة إنعاش الدراما السورية شديدة الأهمية بالنسبة لحكومة دمشق، وعلى مختلف الأصعدة، الاقتصادية والثقافية، بل حتى السياسة. إلا أن ورشة “الدراما السورية..صناعة فكر ومسؤولية مجتمعية”، التي نظمتها وزارة الإعلام السورية في دمشق، بالتعاون مع لجنة صناعة السينما، مطلع آب/أغسطس الجاري، لم تحمل أي مؤشرات مبشّرة لصناعة الدراما السورية، وهو ما عكسته السجالات التي شهدتها الورشة بين بعض القائمين عليها والفنانين المشاركين، وعدم خروج الورشة بأي توصيات.

وكانت الورشة، التي حضرها رئيس الوزراء في حكومة دمشق حسين عرنوس، قد سجلت انتقادات حادة من بعض الفنانين للحكومة، واتهامات لها بفرض رقابة صارمة على النصوص، مما يمنع إنعاش الدراما السورية، وعودتها للتفوق على مستوى الدراما العربية.

وقال الممثل السوري فراس إبراهيم، موجها حديثه لعرنوس: “كلامك يبقى خطابا، ونحن تعودنا على الخطابات، ونحتاج لحلول جريئة”. وأضاف: “هناك أمم تنهض بخمس سنوات، ونحن مازلنا نتعلق بشماعة المسلحين، وبست ساعات قطع كهرباء، وبطوابير على البنزين. نحتاج إلى حلول وليس لنقاشات وحوارات فقط”.

ماذا قدّم رئيس الوزراء لإنعاش الدراما السورية؟

وخلال الجلسة، قال حسين عرنوس، إن “الحكومة لن تدخر جهدا في تقديم الدعم الممكن، بهدف إنعاش الدراما السورية. وهي على استعداد تام للبحث في جميع التسهيلات المالية الممكنة، لخفض تكاليف الإنتاج، وتعزيز تنافسية المنتج الدرامي، سواء من خلال الإعفاءات الجمركية والمالية، أو من خلال تقديم تسهيلات ائتمانية ومصرفية مناسبة، ومتابعة مخرجات الورشة”.

ومعترفا بالصعوبات، التي تعترض إنتاج الدراما، أضاف عرنوس: “لا شك أن ثمة صعوبات تعتري العمل الإعلامي بشكل عام، وصناعة الدراما بشكل خاص، ونأمل أن تكون الورشة فرصة حقيقية لتحليل واقع هذه الصناعة، وتحديد أهم الصعوبات التي تعاني منها، ووضع مقترحات تجاوزها بشكل موضوعي وعملي، وفق خطة عمل واضحة وشفافة”.

من جانب آخر، دعا عرنوس من غادر البلاد من الفنانين للعودة إلى الوطن، والمساهمة في إعادة الإعمار، وإنعاش الدراما السورية.

ولم تكن الدراما السورية بمعزل عن تأثيرات الحرب السورية، التي تسببت بتراجع البلاد على مختلف الأصعدة، لتنحسر معها صناعة الأعمال التلفزيونية، التي كانت تتميز بها سوريا.

ما أسباب تراجع الدراما السورية؟

ثمة أسباب مجتمعة أدت إلى تراجع الدراما السورية، منها هجرة الممثلين والمنتجين والكوادر العاملة في هذا المجال، لأسباب سياسية، متعلقة بالموقف من الاحتجاجات السورية؛ أو لأسباب اقتصادية، بعد تدهور الوضع المعيشي والاقتصادي؛ فضلا عن إصرار حكومة دمشق على توظيف الدراما في خدمة رواياتها عن “حرب كونية”، و”مؤامرة” تتعرض لها البلاد.

وفي هذا السياق، يقول كاتب الدراما السوري المعروف فؤاد حميرة: “لا إبداع دون حرية”. مضيفا، في حديثه لـ”الحل نت”، أن “الحرية سبيل إعادة الألق لسوريا كلها، وليس الدراما فقط”.

ويتابع حميرة: “لا يمكنك ترميم جانب، وترك باقي الجوانب في حالة خراب”، في إشارة منه إلى أن “إنعاش الدراما السورية يعدّ أمرا شبه مستحيل في الظروف الحالية، التي ما زالت تعيشها البلاد”.

وبجانب ذلك، أسهمت مقاطعة بعض القنوات العربية للمسلسلات السورية في تراجع الإنتاج الدرامي. وقد عزت الممثلة جيني إسبر، تراجع الدراما السورية، خلال سنوات الحرب الأخيرة، إلى “انسحاب الشركات المنتجة الخليجية”. قائلة، في تصريحات لوسائل إعلام محلية: “مصدر إنتاج الدراما السورية كان أغلبه الأموال الخليجية”.

وأضافت: “كانت الأعمال تُعرض على المحطات الخليجية، وبعد الحصار صار هناك ضعف بالإنتاج والكوادر. والدراما السورية في الوقت الحالي تمر بمرحلة صعبة، إذ تحاول إعادة بناء أسماء جديدة”.

انقسام الوسط الفني

من جانبه، يعتبر نعمان حاج بكري، الممثل التلفزيوني والمخرج المسرحي السوري المعارض، أن “انقسام الوسط الفني، بعد اندلاع الاحتجاجات السورية، إلى شق مؤيد للاحتجاجات، وآخر ضدها، هو من أهم أسباب تراجع الدراما السورية”.

ويذكر، في حديثه لـ”الحل نت”، أسماء بعض الفنانين، الذين اضطروا لمغادرة سوريا، بسبب موقفهم المعارض، ومنهم جمال سليمان، وفارس الحلو، ومكسيم خليل، وعبد الحكيم قطيفان، وواحة الراهب، وعبد القادر الملا، ولويز عبد الكريم، وريم العلي، وسوسن أرشيد، وغيرهم من الفنانين.

وهنا يشير حاج بكري، إلى “دخول عدد من الذين يسمون بالفنانين إلى الوسط الدرامي، دون أن يكون لديهم أدنى موهبة أو حرفية، وغالبا هم من المحسوبين على دائرة النظام”، حسب تعبيره. مستبعدا أن يسهم هؤلاء في إنعاش الدراما السورية.

ومن بين الأسباب الأخرى التي أدت إلى تراجع الدراما السورية، حسب حاج بكري، أن “كل المسلسلات التي أنتجت بعد الثورة كانت تخدم رواية حكومة دمشق”. مضيفا: “وظّف النظام الدراما لنكران الطرف الآخر (المعارضة) وتشويه صورته، وتحمليه مسؤولية خراب البلاد”.

وتابع، بأن “بعض المسلسلات كانت تتجاهل تماما المأساة السورية. وعموما لم تعالج الدراما ما حدث في سوريا، إلا من وجهة نظر واحدة، وهذا ما أدى إلى انحدارها”.

ما حظوظ عودة الدراما السورية إلى المنافسة؟

وتسعى حكومة دمشق جاهدة لإنعاش الدراما السورية في الوقت الراهن، لأسباب سياسية، متعلقة بترويج رواية “عودة سوريا إلى ما كانت عليه قبل الحرب”، واقتصادية وسياحية.

والسؤال: هل تتجاوز الدراما السورية أزمتها، وتنهض مجددا، وخاصة مع انحسار العمليات العسكرية في رقعة محدودة أقصى الشمال السوري؟

مجيباً على هذا السؤال، يقول ممثل سوري معروف لـ”الحل نت” إن “الفرص معدومة لإنعاش الدراما السورية، لأن حكومة دمشق تتعامل مع الدراما بالطريقة ذاتها، التي تتعامل فيها مع كل الإشكاليات الحالية التي تواجهها”.

الممثل، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، لأن “الضرب بالميت حرام” حسب تعبيره، أضاف أن “حكومة دمشق تريد إنعاش الدراما السورية، دون أن توفر لها مقومات النجاح، وخاصة اللوجستية، تماما كما تتعامل مع القطاع الصناعي والزراعي، وغيرهما من القطاعات”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.