ينطلق اليوم الموسم الرمضاني لعام 2022، ويحمل معه كما ضخما من المسلسلات العربية، بما فيها المسلسلات السورية الكاملة، أو المشتركة (السورية-اللبنانية).

يقترب عدد المسلسلات السورية من العشرين عملا دراميا، أُنتجت في ظل ظروف معيشية واقتصادية صعبة للغاية، وتغيرات كبيرة يشهدها المجتمع السوري منذ سنوات.

الكم على حساب النوع؟

النقاط السابقة ترتبط ارتباطا وثيقا بخلق أعمال فنية بسوية عالية، والتي تحتاج بدورها إلى الاستقرار ومن هنا يأتي التساؤل، هل يأتي إنتاج هذا العدد من المسلسلات السورية في موسم دراما رمضان 2022، وفي ظل هذه الظروف، ضمن “الكم على حساب النوع”؟

السؤال يُطرح لأن ظروف الإنتاج في سوريا اليوم ليست سوية بطبيعة الحال، لكن الحديث عن سوية الإنتاج ونظرية “الكم على حساب النوع” من هذه الزاوية، ليس بالضرورة أن يكون صحيحا بالمطلق أيضا، إذ يرى المخرج السوري فارس الذهبي، أنه لا علاقة لظروف الإنتاج بالكم المطروح في السوق هذه السنة. ويُرجع الذهبي في حديثه مع موقع “الحل نت” الأمر إلى وجود تركيز كبير من قبل المنتجين على خلق حالة وهم بخروج سوريا من أزمتها.

وأضاف “نتمنى جميعا خروج سوريا من مأزقها، ولكن بتأمل بسيط سريع، نكتشف أن سوريا الدولة التي يعيش 80 بالمئة من أهلها بلا عمل وسط حصار هائل وخراب شامل للبلاد، تلك البلد التي تعيش على المساعدات من حبة القمح و حتى الوقود والمعدات الطبية، لا تنتج شيئا سوى الدراما التلفزيونية”.

وتساءل الذهبي “هل يعزى هذا إلى ضرورات العرض والطلب، أم إلى إلحاح معين من قبل صناع الإعلان وغرف الاستشارات الإعلامية، لضخ الوهم للناس وإشعارهم بأن كل شيء على ما يرام، بينما الحقيقة أن ليس هنالك من شيء في سوريا على ما يرام”.

فيما ترى الممثلة عزة البحرة في حديث مع موقع “الحل نت” بأن الكم ليس دليلا على جودة النوع، لأن الأمر يتعلق بالنص وشركة إنتاج تحترم نفسها، ومخرجين مهمين، وهذه عناصر أساسية لإنتاج أعمال على سوية جيدة، وفق تعبيرها.

وأضافت “لا يمكن لأحد حاليا الحكم على أعمال الموسم الرمضاني الحالي، آلية العمل في الإنتاج وكيف تتم والتعامل مع الممثلين ومواقع التصوير، هي عوامل تساهم في الحصول على عمل محترم”. وبالإضافة إلى الظروف المعيشية والاقتصادية هاجر عدد كبير من فنانين وفنيين الدراما السورية، وهو أمر أضر بالصناعة نفسها أيضا.

وفي هذا الصدد قال الذهبي لموقع “الحل نت”، “حتى الدراما التي تعاني نقصا هائلا في الكوادر الفنية التي هاجر أكثر من نصفها ونزح إلى ملاعب درامية جديدة، بعض المنتجين يحاولون المضي قدما في عملية الإنتاج، لأنها ببساطة مهنتهم التي يعيشون منها، رغم كل المحاذير والمحددات التي تحيط بمواضيع الدراما، التي بات وضعها اليوم ونحن في موسم 2022، أسوأ مما كانت عليه قبل عشر سنوات”.

نقطة المنتجين التي ذكرها الذهبي في إجابته على أسئلة موقع “الحل نت”، أشارت إليها أيضا الممثلة عزة البحرة، إذ قالت “الشركات تريد الإنتاج والعمل، لا نعلم من بين كل هذه الأعمال إن كان هناك أعمال جيدة أم لا، الوضع في سوريا سيء جدا والناس مضطرة للعمل بصرف النظر عن النوعية والسوية الإنتاجية، وفي المقابل هناك شركات إنتاج لديها المال وليست مهتمة بالسوية أو الإنتاج المتميز، تعمل لأن الأعمال تسوق وتباع وتعرض وهذا المطلوب. من يصر من شركات الإنتاج الحفاظ على السوية العالية تحاول ضمن الظروف الحالية الحفاظ عليه فعلا على الأقل أن يكون متوسط الجودة، وللأسف ليست كل شركات الإنتاج تفكر بالطريقة نفسها، الناس بحاجة للعمل في وسط الظرف السيئ، فنانين أم غيرهم”.

الكم دليل على التعافي؟

شهدت الدراما السورية منذ التسعينيات وحتى عام 2010، وفرة في إنتاج الأعمال الدرامية نتيجة عدة عوامل، جعلت منها رقما صعبا في خريطة الدراما العربية، ولم تكن تلك العوامل نتيجة رأس المال الخليجي الذي ساهم في الإنتاج فقط، بل وجود فنيين وفنانين نجحوا في هذه الصناعة.

وفي ظل حدوث مقاطعة قنوات عربية للدراما السورية خلال السنوات الماضية، تراجعت سوية الإنتاج، خاصة مع هجرة الفنيين والفنانين من البلاد، ما أدى إلى ظهور أعمال فنية بسوية فنية سيئة بحسب نقاد وآراء سوريين.

وإحدى التساؤلات التي يفرزها كم الإنتاج للموسم الرمضاني الحالي “هل يكون هذا العدد إشارة إلى تعافي الدراما من أزمتها”؟ رغم أنه من المنطق أن تكون إنفراجة الأزمة مرهونة بتغيير حقيقي على الأقل.

ويرى المخرج السوري فارس الذهبي أن سوية الإنتاج مرتبطة بالعقول التنويرية، وليس بكم الأعمال المطروحة في السوق، أو في كم الأموال المهدورة.

وأضاف “برأيي بدأ انهيار الدراما السورية منذ وفاة المنتج الرائد أديب خير، واستمر الانهيار حتى أنجز تماما بوفاة كل من شوقي الماجري وحاتم علي، وانكفاء عدد كبير من الأسماء المهمة خارج سوريا”.

ووفق رأي الذهبي “استلم دفة الإنتاج والتوجيه عدد من الرواد الجدد، هم ليسوا بأصحاب مشاريع، أو رؤى فنية، أو استبصار فني، هم ببساطة رجال أعمال، يبحثون عن استمرار دوران العجلة، والجميع يتفهم هذا بسبب سوء الأحوال في عموم المنطقة، ولكن الجميع يتحسر كذلك، وأول المتحسرين هو الجمهور”.

من جهتها أشارت الممثلة السورية عزة البحرة إلى وجود “استسهال” في عملية الإنتاج، “الشركات تريد الإنتاج فقط بغض النظر عن السوية الفنية”.

عملية الإنتاج لا تتوقف فعليا على وجود رأس المال اللازم (وهو شرط أساسي بالطبع)، لكن الأعمال الفنية عموما تنبع من المجتمع أيضاً، وهو ما يؤكده فارس الذهبي لموقع “الحل نت”، إذ قال “إن الدراما السورية هي وليدة المجتمع السوري، وإن كان المجتمع السوري مريضا فلا يمكن مطلقا إيجاد مفرز فني صحي، الجو بكامله مشحون، وخائف، ومترقب. الجميع يترقب الانفراج، لذلك هذه السنوات هي سنوات الضياع، لا تحسب مطلقا. من سوء حظنا أننا نعيش هذه السنوات، الفنانون لا يجدون فرصا حقيقية”.

ويرى الذهبي أن المطلوب في هذه السنوات هو البقاء على قيد الحياة بالنسبة للدراما السورية ريثما تحصل الانفراجة.

في المحصلة لا يمكن الحكم على أي مسلسل درامي وعمل فني قبل مشاهدته، إلا أن الواقع الحالي في سوريا وعلى كل المستويات يفتح دائما باب التساؤل حول صناعة الدراما السورية وإلى أين تمضي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.