أثار جدلا سياسيا وعشائريا.. ما قصة مسلسل “الكاسر” الذي أوقف بثه بالعراق؟

كما هو الحال في كثير من الحالات التي رافقت أعمالا درامية عديدة في العراق ما بعد 2003، أثار بثّ مسلسلٍ تلفزيوني بعنوان “الكاسر” في الأيام الأولى من شهر رمضان جدلا عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث رأى منتقدوه أنه يمسّ بتقاليد العشائر الأصيلة في جنوب البلاد، الأمر الذي أدى إلى تدخل الجهات الرسمية وإيقاف البث في الحلقة الثالثة من المسلسل.

أحداث المسلسل الذي يُعرض على محطة “يو. تي. في” المحلية، تدور حول الصراعات العشائرية وجرائم الثأر في جنوب العراق، الأمر الذي عدّه بعض العراقيين إساءة لأعراف العشائر العراقية وتقاليدها، حيث استنكر عراقيون تصوير أعمال درامية تظهر المجتمع الجنوبي على أنه دموي وفوضوي، ولا يأتمر بقوانين الدولة ويتمرد عليها، من أجل تحقيق مكاسبه وبسط نفوذه، وسط مطالبات بمقاضاة منتجي المسلسل.

وسط الانقسام حول المسلسل، بين رافض ومؤيد، حيث رأى البعض أن الهجمة على أحداث المسلسل غير منطقية، خاصة أن مناطق جنوب العراق تشهد باستمرار صراعات عشائرية دامية، بينما يعيش جزء كبير من مواطنيها تحت خط الفقر، دخلت الأوساط النيابية والسياسية والقَبلية على خط الجدل المثار حيال المسلسل الرمضاني، حيث طالبت جهات نيابية بإيقاف بثّه ومنع عرضه عبر جميع الوسائل المتاحة.

تهمة “الإساءة” والأعمال الفنية

منذ الحلقة الأولى للمسلسل، كان محمود الربيعي المتحدث باسم المكتب السياسي لحركة “عصائب أهل الحق” بزعامة قيس الخزعلي المصنف على لوائح الإرهاب، قد طالب بمحاسبة إدارة قناة تلفزيونية تبث مسلسلا يجسد قصة من قرية جنوبي العراق، قائلا إنه “كنت قد حذرت من الإساءة لأهلنا في الجنوب، ونبهت لضرورة التصدي لأي عمل درامي يمكن أن يثير غضب العراقيين في هذا الشهر الفضيل”.

اقرأ/ي أيضا: جولة أميركية ملحمية في إفريقيا.. هل تكبح الأجندة التوسعية لروسيا والصين؟

لكن إدارة القناة “يو تي في” التي تعرض المسلسل، كانت قد أكدت قبل العرض أن المسلسل ليس فيه إساءة، بحسب الربيعي، الذي أضاف في تغريدة نشرها على حسابه الرسمي في موقع “تويتر”، الآن قد تبينت الحقيقة فيجب إيقافه ومنع بثّه ومحاسبة إدارة القناة.

هذا وتعد تهمة “الإساء”، ذريعة في يد جهات تحاول التكسب من خلالها لصالح أجنداتها السياسية، وكثيرا ما تقف كعقبة في مسار أعمال فنية عديدة لاسيما تلك التي تتطرق للقضايا السياسية والاجتماعية والقَبلية منها، وهي ذاتها التي استخدمها الربيعي ضد المسلسل الذي بثّته محطة تلفزيونية تتبع لطرف سياسي مخالف للجهة التي ينتمي لها الربيعي.

في الأثناء، وفي أول موقف نيابي، طالب النائب مصطفى جبار سند، هيئة الإعلام والاتصالات العراقية بإيقاف عرض المسلسل باعتبار أن أحداثه مغلوطة وتشوّه الحقائق وتسيء إلى المجتمع الجنوبي وعشائره، حسب ما نشره عبر حسابه في “تويتر”.

بعد ذلك مباشرة، خاطبت كتلة “صادقون” النيابية، التابعة لحركة “عصائب أهل الحق”، هيئة الإعلام والاتصالات، لتأكيد قرار سحب رخصة قناة “يو تي في”، على إثر ما وصفته بالـ “الإساءة التي صدرت من القناة بحق أهل الجنوب” من خلال مسلسل “الكاسر”.

موقف قناة “يو تي في” من الهجمة ضد “الكاسر”

بمقابل ذلك، ردت قناة “يو تي في” في بيان على الاعتراضات التي طالت مسلسل “الكاسر” من بطولة الفنان العراقي غالب جواد، ووصفت القناة في بيانها الذي اطلع عليه موقع “الحل نت”، مضامين مسلسل الكاسر بأنها في إطار الغايات المهنية والدرامية، معتبرة أن أية أغراض أخرى غير موجودة “إلا في عقول أصحابها”، كما نددت القناة التي يملكها رئيس تحالف “السيادة” السياسي السني خميس الخنجر، بما وصفتها بالحملة التي تشنها جهات وشخصيات ضدها، مؤكدة أن العمل الدرامي غايته مهنية وليس لاستهداف أي فئة من المجتمع العراقي.

في سياق متصل، استنكرت بعض عشائر جنوبي العراق عرض المسلسل وقالت إنه يهدف إلى إظهارها منفلتة ووحشية، مضيفة أن هذه الأعمال تسهم في تضييع الحقائق وتناسي المواقف المشرفة للعشائر الجنوبية الأصيلة، بيد أن أبرز الفنانين في العراق كانوا قد حاولوا توضيح الأعمال الفنية وأنها لا تمثل بالضرورة استهداف الشخصية المثالية، وإنما هي نقد لحالة سلبية لا يمكن تعميمها.

اقرأ/ي أيضا: العراق على فوهة انفجار.. البرلمان يكسر إرادة الشارع بإقرار “سانت ليغو“

غير أن القصة لم تنتهِ عند هذا الحد، فقد توجه وفد من شيوخ عشائر جنوبي العراق في زيارة إلى مقر هيئة الإعلام والاتصالات الأحد الفائت، للمطالبة بالحد من التجاوزات التي تشمل العشائر الجنوبية عبر بعض القنوات، على حدّ تعبيرهم.

بعد الضجة من قبل سياسيين وأعضاء برلمان وفصائل مسلحة، قررت هيئة الإعلام والاتصالات، إيقاف بث مسلسل “الكاسر”، وحذف جميع حلقاته من منصات التواصل الاجتماعي، متوعدة المحطة الفضائية في حال عدم الالتزام بالقرار باتخاذ إجراءات قانونية بحقها.

رئيس هيئة الإعلام والاتصالات علي المؤيد، برر إيقاف مسلسل “الكاسر”، بالمطالبات النيابية والعشائرية، وقال المؤيد في تصريح لوكالة الأنباء العراقية الرسمية، أبلغنا قناة “يو تي في” بضرورة إيقاف مسلسل “الكاسر” بعد المطالبات النيابية و العشائرية العديدة التي وصلت الهيئة.

محاولات جر الفن للمساحة الطائفية

لكن نقابة الفنانين العراقيين، دافعت عن المسلسل لعدم وجود ما يسيء إلى قيم الشعب العراقي، وقالت النقابة في بيان اطلع عليه موقع “الحل نت”، إنها قامت بفحص مسلسل “الكاسر”، وتابعت الحلقتين الأولى والثانية، ولم تجد فيه ما يسيء إلى قيم الشعب العراقي وتقاليده، فيما دعت في بيانها، الجهات المعترضة وهيئة الإعلام والاتصالات إلى انتظار نهاية المسلسل بعد عيد الفطر، للبت في الأمر.

نقيب الفنانين العراقيين جبار جودي، عدّ الهجمة الحاصلة على المسلسل الرمضاني “الكاسر”، غير مبررة، معتبرا أنها محاولات يائسة لجر الفن والفنانين إلى “مساحة طائفية” هم والبلد في غنى عنها، وقال جودي، في تصريح صحفي لموقع “الترا عراق”، اليوم الأربعاء، إن قرار إيقاف بث مسلسل “الكاسر” في شهر رمضان قرار مجحف والنقابة رفضته بشكل قاطع”، مبينا أن “العمل الدرامي حاصل على موافقات النقابة قبل العمل وجرى الاطلاع على جميع تفاصيله.

جودي أكد أن المسلسل لا يحتوي على أية إساءة أو تجاوز لمكون أو عادات أو تقاليد في عموم العراق، وليس الجنوب فقط، مبينا أن هناك حوارات وتواصل يجري بين النقابة والجهات المعنية بالإيقاف للبت بالأمر، لإنهاء ما وصفه بالقرار المجحف.

كذلك دعا جودي، إلى إيقاف هذه الهجمات على الأعمال الرمضانية، والتريث في ردود الأفعال لحين اكتمال مشاهد كل عمل رمضاني، لاسيما وأنه لا يجب استباق الأحداث في كل موسم وتبويب الأمور في الخانة الطائفية، مشيرا إلى أن المشاهد العراقي له ذائقة وقادر على تقييم الأعمال لو أتم مشاهدتها إلى نهاية حلقات العرض، مبينا أن المنجرين للهجمات قلة ويجب عدم الذهاب في اتجاههم.

إلى ذلك، كان بطل المسلسل الفنان غالب جواد قد صرح قبل أيام من بث المسلسل بأن العمل لا يمثل أي جهة لا جنوبية ولا شمالية ولا غربية، بل هو عمل ريفي غير واقعي، غير أن الكثيرين يرون أن الهجمة التي انطلقت من حركة “عصائب أهل الحق” هدفها شحن الجماهير طائفيا ومناطقيا لأغراض سياسية.