على الرغم من أن الاغتيالات السياسي لم تغب عن لبنان، منذ أن بدأت تأخذ منحى تصاعديا عام 2005، عندما اغتيل رئيس الوزراء رفيق الحريري، وهي اللحظة التي أدخل فيها “حزب الله” البلاد بإقدامه على تلك الخطوة، في أزمة سياسية كارثية لما تسببت به الحادثة من انقسام الأحزاب إلى موالاة ومعارضة، حظي كل منهما بدعم أطراف إقليمية؛ يبدو مجددا أن “حزب الله” بحسب الاتهامات الموجهة إليه، لا يبالي من إعادة البلاد إلى ذات المربع، وسط أزمة سياسية واقتصادية حادة.

إلا أن هذه المرة، قد يكون المشهد أكبر مما عاشته لبنان لحظة اغتيال الحريري ومن خلفه، بما يهدد تحالف “حزب الله” التاريخي مع المسيحيين، ويدخل البلاد في فوضى لا يمكن توقع ما ورائها، بخاصة في الوقت الحالي الذي تشهد فيه البلاد أزمة الشغور الرئاسي، حيث يعيش لبنان من دون رئيسي للجمهورية منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بسبب انقسام القوى السياسية حول المنصب، وذلك إلى جانب الأزمة الاقتصادية التي أنهكت البلاد واللبنانيين منذ عام 2019.

إذ انتشر فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر تدريبات لمقاتلين ملثمين بلباس عسكري يجرون اختبارا على إصابة الأهداف باستخدام بنادق رشاشة، وبحسب الفيديو، الأهداف كانت تحمل صورا لرئيسي “حزب القوات” اللبنانية سمير جعجع، و”حزب الكتائب اللبنانية” سامي الجميل، بالإضافة إلى علم إسرائيل. فكثيرين اعتبروا أن هدف نشر الفيديو هو تهديد جعجع والجميل بشكل واضح في هذه المرحلة الحساسة التي يمر بها لبنان.

تهديدات “حزب الله” تعمق أزمة لبنان

ذلك يأتي، بينما تستمر عملية الشغور الرئاسي بسبب تعنت “حزب الله” بالمنصب، فالفيديو المصور في منطقة نائية والذي انتشر على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أنه لعناصر ينتمون لـ “حزب الله”، الأمر الذي أثار مخاوف لبنانية من تحول الحزب الشيعي الموالي لإيران، إلى تصفية خصومه جسديا، بعد أن عجز عن تصفيتهم سياسيا، حيث إن الفيديو شمل رسائل تهديد واضحة ومباشرة، وذلك في وقت يبحث فيه المجتمع الدولي والإقليمي إمكانية التوصل لحل ينهي الأزمة في البلاد.

المخاوف من تحول “حزب الله” إلى مرحلة الاغتيالات السياسية، أججتها آخر عمليات الاغتيال التي طالت أحد كوادر ‎حزب “القوات اللبنانية” الياس الحصروني في التاسع من الشهر الجاري، وهي الحادثة التي سجلت على أنها حادثة سير طبيعي، قبل ‎أن يكتشف أهله بعد أيام على وفاته ودفنه، أن الحادث مدبر، وجرى الإعداد له بحرفية، وأن “حزب الله” المتهم في مقتله.

ما زاد من جدية المخاوف، هو أن اختيار جعجع والجميل لم يكن أمرا عبثيا، كما الأمر مع الاتهامات الشعبية لـ “حزب الله” بأنه من يقف وراء الفيديو الذي حمل رسائل تهديد مباشرة تنذر بتحول البلاد إلى مستنقع دم جديد، فالاتهامات استندت على مواقف زعيم حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، ورئيس حزب “الكتائب اللبنانية” سامي الجميل، الذين تصدرا جبهة المعارضة لـ “حزب الله” مؤخرا، بخاصة فيما يتعلق بملف رئاسة الجمهورية، حيث تمكنا من خلط أوراق الحزب وتعطيل مشاريعه خلال العامين الماضيين.

فتلك المعارضة الشرسة، حالت دون تحقيق “حزب الله” لمشروعه، حيث عجز حتى الآن عن إيصال مرشحه زعيم تيار “المردة” سليمان فرنجية إلى قصر بعبدا كرئيس للجمهورية. فـ “حزب الله” يسعى بكل وسائل الضغط، بما فيها تعطيل الاستحقاق الرئاسي وترك اللبنانيين يأنون تحت الأزمة الاقتصادية التي تتطلب رئيسا عمليا وذو خبرة تكفي لإخراج البلاد منها، لأن يكون فرنجية خلفا لحليفهم السابق ميشال عون.

خشية عودة لبنان إلى مربع رفيق الحريري، تأتي على وقع تصاعد التوتر بين المكون المسيحي و”حزب الله”، إثر انقلاب شاحنة محملة بالأسلحة والذخائر تابعة للحزب في منطقة الكحالة الواقعة بقضاء عالية في محافظة جبل لبنان ذات الأغلبية المسيحية، حيث أثارت الحادثة صدامات مسلحة محدودة بين عناصر من الحزب وأهالي المنطقة الذي كانوا يحاولون كشف ما بداخل الشاحنة، الأمر أعلن بدء مرحلة جديدة بين القوى المسيحية و”حزب الله”، بعد مرحلة طويلة من التحالفات السياسية التي مثلت فيها الأحزاب المسيحية ما يسمى بـ “الغطاء المسيحي” لـ“حزب الله”.

“حزب الله” لا يكترث للبنان

هذا الوضع المشحون في لبنان، والمخاوف المتزايدة بين اللبنانيين انفجار البلاد في لحظة أي رصاصة قد توجه لزعيم سياسي أو اجتماعي، اعتبره الباحث في الشأن اللبناني مكرم رباح، بأنه نتيجة عدم اكتراث “حزب الله” لما يعانيه لبنان، مقابل تمسكه بمصالحه، لذلك أن الحزب لا يراعي مصالح السلم الأهلي اللبناني، وهو ما يفسر أن الحزب مستعد لفعل أي شيء.

لبنانيون يتهمون “حزب الله” بمحاولة اغتيال جعجع والجميل/ إنترنت + وكالات

رباح أشار في حديث لموقع “الحل نت” إلى أن، “حزب الله” حتى وإن لم يقدم على هكذا خطوة وهي اغتيال جعجع والجميل أو ما شابهها، كما فعلها في السابق، إلا أنه يريد أن يرسل رسالة واضحة إلى كل الأطراف اللبنانية، تحديدا المكون المسيحي من بين تلك الأطراف، خصوصا ما بعد حادثة الكحالة؛ بأن السلاح هو الطريق الوحيد للتعاملات.

ذلك لأن “حزب الله” فعليا لا يكترث ولا يهتم للغة الحوار بما يخص الحديث عن سلاحه وتأثيراته، بل أنه لا يؤمن بالحوار في أي من المواضيع السياسية الأخرى، حسبما يقول الخبير والباحث في الشأن اللبناني، مبينا أن ما أظهره فيديو اغتيال جعجع والجميل من رسائل، يؤكد أن القضية أبعد من أنانية سياسية.

فـ “حزب الله” بتكوينه وتركيبته وعقيدته القتالية والسياسية هو حزب يؤمن بالقوة، كما يشير رباح، ويبين أن، لبنان بالنسبة لحسابات “حزب الله” هو سوى ممرا للحصول على السلاح والعتاد وتهريب المخدرات، وهو ما تؤكده عدم مبالاة الحزب للعلاقة بين الإسلام والمسيحيين بشكل عام في لبنان، وليس على مستوى الشيعة والمسيحيين فقط.

كما لا يهتم “حزب الله”، وفق رباح، إلى اتفاق “مار مخايل” السياسي الذي عقد عام 2006 مع “التيار الحر”، واستمر لأكثر من 16 عاما كونه تحالفا استراتيجيا بين المكون المسيحي و”حزب الله”، استطاع أن يرسم سياسات البلاد، حيث اعتبر الخبير والباحث بالشأن اللبناني، أن الغطاء الذمي الذي كان يحصل عليه “حزب الله” يعد ساقطا كون كل تصرفات “حزب الله” وكل رسائله التهديدية تؤكد بان الموضوع يتجاوز السياسة.

في تاريخ الاغتيالات السياسية في لبنان

وسط ذلك، من المهم الإشارة إلى أن جعجع والجميل حتى الآن مهددين بالالتحاق بقائمة ضحايا الاغتيالات السياسية والحزبية الطويلة في لبنان منذ استقلاله، فحتى اليوم هناك حوالي 250 اغتيالا أو محاولة اغتيال تمت إحصائها في سياقات سياسية متعددة، وتصاعدت حدة هذه الاغتيالات عام 2005.

سمير جعجع مع بشير الجميل/ إنترنت + وكالات

إذ بدأت مع محاولة اغتيال ‎الوزير مروان حمادة، ثم اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، ‎وبعدها تجددت الاغتيالات لتتجاوز العشرين اغتيالا، وقد طاولت بالشق الأكبر منها، ‎سياسيين ومحازبين وصحافيين وأمنيين، والقاسم المشترك بين تلك الجرائم أن ‎الضحايا في أغلبهم من معارضي “حزب الله” وتحالفه الإقليمي.

للاغتيالات السياسية في لبنان تاريخ طويل، فعلى مدى سنوات طويلة، كانت ولا تزال لبنان مسرحا للعديد من الاغتيالات السياسية، بسبب طبيعة الصراعات السياسية داخل المجتمع اللبناني، ولاعتبارات أخرى، وحصدت هذه الاغتيالات رئيسي جمهورية وثلاثة من رؤساء الحكومة أثناء وجودهم في الحكم، كما طالت العديد من النواب والسياسيين ورجال الدين والصحفيين.

إلى ذلك، ومنذ أشهر، تدير لبنان حكومة تصريف أعمال وهي عاجزة عن اتخاذ قرارات ضرورية، في وقت تشهد البلاد منذ 2019 انهيارا اقتصاديا صنّفه “البنك الدولي” من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850، حيث يشترط المجتمع الدولي إصلاحات مُلحّة من أجل تقديم دعم مالي، ومن بين تلك الاشتراطات انتخاب رئيسا للجمهورية يحمل مؤهلة، وهو ما يرفضه “حزب الله” الذي يصر على رئيس يحمل على أكتافه أجندات الجزب وإيران.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات