شهدت تركيا العام الماضي 2023، انخفاضاً في نسبة أعداد الأجانب المتزوجين مقارنة بالعام 2022، وفقاً لبياناتٍ حديثة صادرة عن “معهد الإحصاء التركي”. جاء السوريون والسوريات في المرتبة الثانية من حيث أعداد الأجانب المتزوجينَ من أتراك خلال العام الماضي.

وفق “معهد الإحصاء التركي“، شكّلت السوريات المتزوجات من الأتراك نسبة 11.3 بالمئة ، محتلاتٍ المرتبة الثانية بعد الاوزبكيات. فيما سجل الشباب السوري نسبة 19.2 بالمئة بين العرسان الأجانب المتزوجين من فتيات تركيات، محتلينَ المرتبة الثانية بعد الألمان.

مع ذلك، لا تُعتبر هذه الإحصائيات دقيقة بالكامل، نظراً لأن حالات الزواج والطلاق تتم في كثير من الأحيان خارج نطاق القانون التركي، أو ما يُعرف بالزواج العرفي “كتاب شيخ”، ولا يتم تسجيلها ضمن السجلات المدنية التركية (النفوس). ظاهرة زواج الأتراك من سوريات ليست جديدة، لكنها ازدادت بعد “الحرب السورية” واتخذت أبعاد استغلالية، نتيجة لعوامل متعددة منها الفقر والحاجة والبحث عن الاستقرار، بحسب ما أكده باحثون وحقوقيون.

عدد من السيدات السوريات يروينَ أن زواجهنّ من أتراك كان تجربة ناجحة وموفقة. بينما تصف أخريات التجربة بأنها كانت قاسية ومؤلمة، انتهت بالانفصال وفقدان حقوقهن، مُعزيات ذلك إلى رفض المجتمع التركي وعدم تقبله لهنّ كسوريات، وعدم تثبيت الزواج في الدوائر التركية بشكل رسمي وقانوني.

الدوافع والانعكاسات

دفعت الملايين من السوريين خلال الحرب الدائرة في سوريا منذ عام 2011 إلى البحث عن ملاذ آمن في دول مختلفة، بما في ذلك تركيا، بحثاً عن الاستقرار والأمان. نظراً للصعوبات الأمنية والاقتصادية، يجد العديد من السوريين صعوبة في العودة إلى وطنهم، مما يجعل الزواج من مواطني الدول المضيفة فرصة لتحقيق الاستقرار القانوني والاقتصادي.


وهذا ما أكده الدكتور طلال مصطفى، الباحث في مركز “حرمون للدراسات المعاصرة”. وفي حديثه لـ”الحل نت”، قال الباحث طلال إلى أن الزواج بين السوريات والأتراك يدفعه عدة عوامل؛ منها التقارب الثقافي بين البلدين الجارين والمشتركات العديدة في العادات والتقاليد، إلى جانب البحث عن الأمان والاستقرار، والحاجة إلى تحسين الأوضاع المعيشية في ظل ظروف الفقر وانعدام فرص العمل.

وأشار الدكتور مصطفى أيضاً إلى الجانب الديني كأحد أسباب هذه الزيجات، موضّحاً أن “عقد الشيخ”، الذي يعقد بحضور شهود ورجل دين، يُعدّ جزءاً من الثقافة السورية. على الرغم من ذلك، يُعتبر هذا النوع من الزواج غير قانوني في تركيا، ما يثير مشكلات تتعلق بالاعتراف والحقوق القانونية.

الظروف الاقتصادية الصعبة، البحث عن الأمان، والاستقرار القانوني هي بعض الأسباب التي تجعل الزواج من تركي أمراً جذّاباً للنساء السوريات

وضحى العثمان


بدورها ترى وضحى العثمان، الباحثة الاجتماعية ومديرة جمعية “رفقاً النسائية”، أن هناك عدة عوامل تدفع السوريات للزواج من الأتراك، مشيرة إلى أن آثار الحرب في سوريا خلقت ظروفاً قاسية، خاصة للنساء اللواتي أصبحن أكثر عرضة للتأثر بتداعيات الحرب. منها على سبيل المثال، الظروف الاقتصادية الصعبة، البحث عن الأمان، والاستقرار القانوني هي بعض الأسباب التي تجعل الزواج من تركي أمراً جذّاباً للنساء السوريات، خاصةً تلك التي فقدت الدعم الأُسري وتعيش في ظروف صعبة.

وأضافت العثمان، أن الانعكاسات السلبية لهذه الزيجات، خاصةً عندما لا تكون مسجّلة بشكل قانوني، يعرّض النساء لخطر الانفصال دون حماية قانونية لحقوقهن أو حقوق أطفالهن. هذه الزيجات يمكن أن تؤدي إلى شعور بالنقص والتهميش المجتمعي، وتعزز الخوف والقلق بين النساء من احتمال تخلّي الزوج عنهن. 

تجارب زواج  بين النجاح والفشل

زينب، التي تبلغ من العمر 25 عاماً، عاشت تجربة زواج قاسية مع شاب تركي انتهت بالطلاق بعد إنجابها طفلة، الآن هي في الرابعة من عمرها. تزوجت زينب من رجل تركي متزوج سابقًا وأكبر منها بكثير في السن، وكان زواجهما عرفيًا “كتاب شيخ”. رغم ذلك، كانت تأمل في العثور على الاستقرار والرعاية في هذا الزواج، خاصة وأنها كانت وحيدة في تركيا وتعاني من ظروف اقتصادية صعبة.

تشارك زينب مع “الحل نت”، أن الفتيات السوريات غالباً ما يُستغلن بحثًا عن الأمان والاستقرار، ونظرًا لكونهنّ بلا معيل، فهنّ يقبلن بالقليل. لكن سرعان ما تكتشفنَ الواقع المرير بعد الزواج.

وأشارت زينب  إلى أن الأتراك يميلون إلى دفع مهور أقل للسوريات مقارنة بالتركيات، وغالباً ما يُعطى جزءٌ صغير من المهر مع وعد بدفع الباقي لاحقاً، الأمر الذي يتهرب منه الزوج في كثير من الأحيان، كما حدث معها. وبعد الطلاق، تخسر الزوجة السورية كل حقوقها، بما في ذلك المهر المتفق عليه الذي لم يُدفع بالكامل، وذلك بسبب عدم تسجيل الزواج رسمياً وعدم وجود التزامات قانونية تُحتّم على الزوج الوفاء بها.

من ناحية أخرى، تروي زوزان، البالغة من العمر 33 عاماً، قصة حبها وزواجها من رجل تركي التقت به بعد وصولها إلى تركيا في عام 2011. على الرغم من أنه كان متزوّجاً ولديه ابنتان، إلا أنه أقنعها بأن زواجه غير مستقر وأنه بصدد الانفصال عن زوجته الأولى.

رغم تعرّض أوزان للعنف الجسدي من زوجها التركي وتقديمها شكاوى مدعومة بتقارير طبية، لم تجد زوزان العدالة من السلطات التركية لعدم اعترافهم بالزواج الثاني.

تقول زوزان لـ “الحل نت” إنها تزوجته عرفياً في انتظار أن ينهي إجراءات طلاقه، لكنها اكتشفت لاحقاً أنه كان يكذب وما زال يعيش مع زوجته وأطفاله. وبعد محاولة فاشلة للفرار إلى أوروبا، حيث نجت من غرق القارب، قررت العودة إليه بعد تواصلهما.

رغم تعرّضها للعنف الجسدي من زوجها وتقديمها شكاوى مدعومة بتقارير طبية، لم تجد زوزان العدالة من السلطات. ولكن بعد حملها وإنجابها لطفل، بدأ زوجها يحسن معاملته لها، واستطاعت أخيراً تسجيل زواجهما رسمياً في عام 2021، مما أدى إلى استقرار حياتها بعد انفصال زوجته الأولى عنه. 

بدوره أكد المستشار القانوني علي رشيد الحسن لـ”الحل نت”، بأن الكثير من السوريات يتزوجنَ بشكل عرفي “كتاب شيخ” رغم علمهنّ بوضع القانون التركي، مشيرا إلى أنه في تركيا لا يتم تثبت الزوجة الثانية بشكل رسمي وليس لها أي حقوق ولا تورّث، كون القانون المدني لا يسمح بتعدد الزوجات. وحول تزايد حالات الطلاق، يرى القانوني الحسن أن الأمر يرجع لكون عملية الزواج العرفي غير قانونية وغير معترف بها، وتكون فيها مهور السوريات قليلة مقارنة بالتركيات، لذلك يستسهل الزوج موضوع الطلاق حيث لا تقبل المحاكم التركية أي دعوى من الزوجة لتثبيت الزواج حتى لو أنجبت أطفالاً.

زواج السوريات في تركيا
زواج السوريين في تركيا

 في المقابل، هناك العديد من تجارب الزواج الناجحة والتي يتم تسجيلها بشكل قانوني، حيث تكون السيدة السورية هي الزوجة الأولى أو تزوجت برجل تركي مطلّق أو أرمل، بالتالي تحصل الزوجة على كافة حقوقها، سيما أن قسم كبير من الشباب الأتراك يتزوجون عن حبّ وقناعة وليس بنية الاستغلال.

وعن تجربة زواجها الناجحة، تقول الشابة كندا يلدز لـ”الحل نت”، أنها متزوجة من رجل تركي منذ عامين، حيث التقته صدفة وأحبا بعضهما بعد فترة تعارف، وتم الزواج عن طريق المحكمة بشكل قانوني ورسمي كون أن زوجها لم يكن متزوجا من قبل وهو ما سهّل عملية الارتباط. تتابع يلدز في حديثها أن زوجها أعطاها كافة حقوقها بل وسجل منزلهما بإسمها رغم أنها لم تطالبه بشيء، مشيرة إلى ضرورة نبذ العنصرية بين المجتمعَين السوري والتركي كونهما بلدين جارَين وتجمعهما الكثير من العادات والتقاليد، بل وصلات القرابة والنسب. 

فيما أوضحت الشابة إيلا باداك (35 عام) المتزوجة منذ 7 سنوات من شاب تركي، أن زواجها كان عن طريق الأهل “قسمة ونصيب” وتم تسجيل الزواج في المحكمة أصولاً ومنحها كامل حقوقها، معتبرة أن تجربتها في الزواج من شاب تركي ناجحة رغم وجود بعض المشاكل والمعوّقات التي تعانيها من قبل أهله والمجتمع التركي، فقط لكونها سورية مع أنها تركمانية الأصل وتتحدث التركية بطلاقة منذ كانت طفلة صغيرة وفق تعبيرها. 

كيف يُنظر للزواج الثاني في تركيا؟

يُعتبر الزواج في تركيا مدنياً ويجب إتمامه في البلديات فقط، بينما الزواج الديني، رغم كونه غير ممنوع، لا يُعترف به إلا إذا تم بعد إتمام الزواج المدني للراغبين في ذلك. قانون الزواج التركي يطبق على الأجانب المقيمين على أراضيه كما يطبق على المواطنين الأتراك، مبنيّاً على أساس التساوي بين الرجل والمرأة. 

هناك شروط يجب توافرها لإتمام إجراءات الزواج، مثل بلوغ سن الـ 18 لكلا الطرفين، وإحضار وثيقة إثبات العزوبية، بالإضافة إلى الشرط القاطع بعدم الارتباط بزواج آخر قائم، إذ يحظر تعدّد الزوجات ويُعاقب عليه قانوناً في تركيا، ولا تمتلك الزوجة الثانية أي حقوق قانونية أو الحق في الإرث طالما كان زواجها غير مسجّل قانونياً.

بالنسبة لأطفال الزوجة الثانية، يوضح الكاتب والصحفي التركي جلال ديمير لـ “الحل نت”، أنه يمكن تسجيلهم باسم الأب والأم بالتراضي دون الحاجة إلى عقد زواج قانوني معترف به. في حال رفض الزوج تسجيل أطفاله باسمه، ويحق للزوجة الثانية رفع دعوى قضائية ضده. تقوم المحكمة بإجراء اختبار “الحمض النووي DNA” وبعد إثبات النَسَب يتم تسجيل الأطفال باسم الأب والأم. ومع ذلك، لا تحصل المرأة على صفة الزوجة قانونياً، بل تُعتبر أمّاً عزباء لأطفال نتجوا من علاقة خارج إطار الزواج القانوني.

لماذا تختار السوريات الزواج من أتراك رغم عدم اعتراف القانون بزواجهن؟
لماذا تختار السوريات الزواج من أتراك رغم عدم اعتراف القانون بزواجهن؟

محاولات لتوعية السوريات

رغم أن الزواج الثاني غير قانوني، إلا أنه موجود اجتماعياً ومنتشر، كما يذكر ديمير. وفي بعض الحالات، يتسامح القانون مع العرف، مما يسمح للزوجة الثانية بالادعاء بأنها زوجة. لكنها لا ترث ولا تحصل على أي حقوق إلا إذا قرر الزوج بمحض إرادته تسجيل شيء باسمها.

في ظل انتشار ظاهرة زواج السوريات من الأتراك، والتي تتفاوت بين النجاح والفشل، يُثار التساؤل حول دور تجمع “المحامين السوريين الأحرار” في تركيا تجاه هذه الحوادث التي تجد فيها السوريات أنفسهن ضحايا للاستغلال بسبب الفقر والحاجة والرغبة في الاستقرار.

في حديث خاص لـ”الحل نت”، شرح سليمان القرفان، عضو مجلس نقابة “المحامين السوريين” في سوريا وتركيا، أنه في بداية اللجوء، كان السوريون يجهلون القانون التركي الذي يحظر تعدد الزوجات. هذا الجهل أدى إلى وقوع العديد من السوريات ضحايا للاستغلال. أوضح القرفان، أن النقابة بالتعاون مع رابطة “المحامين الأحرار” ومنظمات المجتمع المدني الأخرى، نظمت العديد من الندوات والورشات التي ركّزت على تعريف بالقانون التركي ونشر الوعي حوله، محذرة من خطورة الزواج العرفي في بلد يعتمد القانون المدني و يحظر تعدد الزوجات، مما يؤدي إلى فقدان الزوجة وأبنائها لجميع حقوقهم.

بحسب الحقوقي سليمان، ظاهرة الزواج من رجل تركي متزوج تقتصر حالياً على النساء السوريات اللاتي فقدن المعيل ويعشن في ظروف مادية صعبة، ما يدفعهن لقبول الزواج على الرغم من معرفتهن بعدم وجود ضمان قانوني لحماية حقوقهن الزوجية.

وأكد القرفان أن النقابة تواصل، بالتعاون مع الجالية السورية في عنتاب، تنظيم لقاءات توعية بغرض تعريف السوريين والسوريات بالقانون التركي ومخاطر الزواج خارج إطار القانون، خاصة بين القاصرين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات