تلويح الدول الأوروبية بفرض عقوبات جديدة بالموازاة مع تصريحات إسرائيلية شديدة اللهجة؛ بات ينذر باشتعال أزمة إيران النووية من جديد، لاسيما في ظل التقارب بين موسكو وطهران واحتمالية أن يغذي هذا التقارب طموح إيران في تصنيع القنبلة النووية التي طالما أثارت قلق الغرب ولوحت بتصعيد عسكري في المنطقة يطال المصالح الإيرانية. 

تداعيات الإنذار الأوروبي بدت واضحة من خلال التصريحات الإيرانية التي تقابلها حيث يحاول كل طرف تحقيق مكاسب من خلال رفع وتيرة التصريحات لكن هذا لا يعني نفي إمكانية أن نشهد ضربة غربية أو إسرائيلية قد تكون محدودة موجهة ضد إيران وذلك في حال أغلقت أبواب الحوار بين الطرفين ووصل التصعيد إلى مستويات عالية. 

القلق الغربي تفاقم في شباط/فبراير الماضي بعد تصريح مفتشي الأمم المتحدة بعثورهم على جزيئات يورانيوم بلغت درجة نقائها 83.7 بالمئة بمنشأة فوردو المحصنة. وجاء نشر التقرير بعد ساعات من تأكيد مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، أنَّ واشنطن تعمل مع حلفاء من بينهم إسرائيل لردع إيران عن تطوير سلاح، رغم أنَّه أكد أنَّ إدارة بايدن لا تزال تسعى إلى حل دبلوماسي للأزمة النووية الإيرانية. 

القلق تعزز أكثر بعد ورود معلومات عن بناء إيران موقع جديد تحت الأرض في جبال زاغروس ليحل محل مركز مكشوف لتصنيع أجهزة الطرد المركزي في منشأة نطنز النووية القريبة التي تعرضت لانفجار وحريق في تموز/يوليو 2020. 

رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي لوح في 23 أيار/مايو الماضي باحتمال اتخاذ “إجراء” ضد إيران مؤكدا “تقدمها في تخصيب اليورانيوم أكثر من أي وقت مضى”. وقال اللفتنانت جنرال هرتسي هاليفي في كلمة له بأن إيران “تقدمت في تخصيب اليورانيوم أكثر من أي وقت مضى… هناك تطورات سلبية تلوح في الأفق وقد تستدعي إجراء عسكريا”. 

التلويح بإعادة فرض عقوبات أوروبية على إيران يأتي ضمن سياق الضغط على طهران من أجل تحسين المفاوضات النووية وربما يكون هناك محاولة لإجراء جولة جديدة من المفاوضات وبالتالي فإن رفع وتيرة التهديدات تستبق هذه الجولة. كما تأتي في سياق عملية تبادل الأدوار بين الولايات المتحدة وأوروبا خاصة فيما يتعلق بالمباحثات النووية، وفقا لحديث الكاتب والمحلل السياسي فراس علاوي لـ”الحل نت”. 

تفاقم القلق الغربي تجاه عمليات تخصيب اليورانيوم ينبع بحسب علاوي من خوف الدول الغربية من دعم روسيا لإيران في الملف النووي وإنتاج أسلحة نووية، لاسيما مع التقارب بين البلدين وإمكانية حدوث تعاون نووي بينهما ينتهي أخيرا بإنتاج طهران قنبلتها النووية.

طريق مسدود؟

تبادل التصريحات بين طرفي النزاع يعني تزايد فرصة اللجوء إلى جولة مفاوضات جديدة فرفع سقف التصريحات عادة ما يسبق الجلوس إلى الطاولة المستديرة، علما أن إمكانية التوصل إلى اتفاق يرضي القوى الغربية أمر مستبعد في ظل الانشغال الغربي بالمعارك الدائرة شرقي أوروبا. 

رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، محمد إسلامي رد على تقارير غربية حول بناء منشأة نووية في جبال زاغروس غربي البلاد بوصفها “مزاعم وعملية نفسية”. وقال إسلامي لوسائل إعلام إيرانية على هامش اجتماع الحكومة الإيرانية الأسبوعي، إنّ “طهران تعمل وفق مقررات الوكالة الدولية للطاقة الذرية واتفاق الضمانات” الملحق لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. 

المسؤول الإيراني أضاف أن بلاده “عندما تريد ممارسة نشاط تتواصل مع الوكالة بشأنه وتعمل وفق المقررات”، قائلا في معرض ردّه على سؤال بشأن تقارير غربية حول إنشاء منشأة نووية في جبال زاغروس، إنّ “(إسرائيل) منذ سنوات يروج لهذه الخزعبلات والضجات، وهو عندما يضيق عليه الوضع في المنطقة ومحيطه يكثف هذه العمليات النفسية والمزاعم”، على حد تعبيره. 

العودة للاتفاق النووي الإيراني بصيغته في 2015 أصبحت مستحيلة لأن الولايات المتحدة تطالب بتغييره، ما يزيد احتمالية سعي طهران لعقد اتفاقات فردية مع الدول الغربية وروسيا لتخفيف العقوبات المفروضة عليها، بعد أن فقدت الأمل في العودة للاتفاق الشامل الذي يتضمن الولايات المتحدة والدول الغربية مجتمعة، وفقا لتحليل صادر عن موقع “بي بي سي”. 

طهران لا يمكن أن تكسب ورقة المفاوضات في الملف النووي الإيراني لأن واشنطن متمسكة بموقفها فيما يخص العقوبات التي تفرضها على طهران، كما أن فوز الجمهوريين بغالبية مجلس النواب الأميركي يُلغي أيّ احتمالية لتنازل الولايات المتحدة عن موقفها بخاصة وأن الطرف الجمهوري يعارض بشدة تقديم أية تنازلات لإيران. 

صحيفة “فايننشال تايمز” ألمحت إلى أن الشكوك بين الجمهوريين الأمريكيين تشير إلى أن أي اتفاقية جديدة مع إيران قد تكون قصيرة الأجل. فتوقف المحادثات النووية بين إيران والقوى العالمية أثار مخاوف من أن المفاوضات قد تفشل، مما يقضي بشكل شامل على الاتفاق النووي الموقع عام 2015. 

الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن، حاول التفاوض بشأن العودة إلى الاتفاق على أساس أن الولايات المتحدة سترفع العقوبات عن إيران وستعود طهران للامتثال الكامل، بما في ذلك خفض مستويات التخصيب من 60 بالمئة إلى أقل من 5 بالمئة. 

مع ذلك، لا تزال هناك عقبة رئيسية أمام إحياء الاتفاق وهي مطالبة إيران للولايات المتحدة برفع تصنيف ترامب لـ”الحرس الثوري” الإيراني كمنظمة إرهابية أجنبية، وتصر على أنه لم يكن مصنفا كجماعة إرهابية عند توقيع الاتفاق. لكن إسرائيل، التي ليست طرفا في الاتفاق، تدفع بأن “الحرس الثوري” الإيراني يجب أن يظل على القائمة. وفي واشنطن أصدر مجلس الشيوخ الأميركي الأسبوع الماضي، بأغلبية ساحقة قرارا غير ملزم يحظر على إدارة بايدن إزالة التصنيف الإرهابي عن “الحرس الثوري” مقابل إحياء الصفقة. 

بناء عليه، يوجد سيناريوهان للتعامل مع الموقف الحالي، الأول إذا لم تتم إعادة إبرام الصفقة، فمن المرجح أن تعود الولايات المتحدة إلى استراتيجية الضغط الأقصى بالتعاون مع الدول الغربية والعربية في الخليج. وهذا سيدفع طهران أكثر نحو روسيا والصين، وسترفع من قدرة برنامجها النووي، إلى مستوى صنع الأسلحة كحماية ضد ضربة عسكرية أميركية أو إسرائيلية. أما السيناريو الثاني يمكن أن يؤدي إلى رفع متزامن ومتبادل من قوائم الإرهاب  لتقليل التوترات والمساعدة في حل المأزق الحالي، وفقا للصحيفة. 

مؤشرات خطيرة

القلق الأوروبي من تنامي تطوير إيران لبرنامجها النووي ينطلق من التأثيرات المباشرة من مشاركتها في الحرب الأوكرانية ومساندتها للجيش الروسي حيث يرى مراقبون أن استخدام الصواريخ الباليستية من طراز “فاتح 110” ومسيرات “شاهد 136” يشكل بداية التصعيد المتدرج تجاه الإتحاد الأوروبي، وكذلك خروج إيران من المباحثات الثنائية مع الولايات المتحدة ومن بعدها مع المملكة البريطانية المتحدة. 

إيران دفعت ملفها النووي بطريقتين إضافيتين خلال الأشهر الماضية. ففي  أواخر كانون الثاني/يناير أعادت تشكيل مجموعات أجهزة طرد مركزي متطورة من طراز IR-6 في موقع فوردو تحت الأرض دون إخطار المفتشين مسبقا.  ومن المحتمل أن يسهل  التغير التقني على إنتاج يورانيوم مخصب بنسبة 90 بالمئة من اليورانيوم 235، وهو ما يعتبر الحد الأدنى  لتصنيع  الأسلحة. 

الباحث المشارك  في “المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية – أفايب” مصطفى النعيمي، يرى أن التقارب بين طهران وموسكو يعتبر مؤشرا خطيرا تجاه عدم التزام إيران بأي تعهدات قد توصلت من خلالها مع القوى الراعية للمباحثات إلى تطبيق أدنى المعايير فيها. مضيفا خلال حديثه لـ”الحل نت” بأن “الاستفزازات النووية الإيرانية المستمرة بخصوص رفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى قرابة 80 بالمئة يوحي إلى أن طهران ماضية في إنتاج أجهزة الطرد المركزي من طراز IR 6  و IR8 كما تدعي، وكذلك رصد وجود مواد انشطارية عالية التخصيب في مفاعل آراك وما تبعه من إطفاء كاميرات المراقبة للوكالة الدولية للطاقة الذرية إلا مؤشرات محقة للقلق الدولي تجاه نشاط إيران النووي”. 

لكن ما تداعيات الإنذار الأوروبي والرد الإيراني على التصعيد الغربي فيما يخص هذا الملف؟ النعيمي يرى أن الإنذار المبكر الذي يطلقه الاتحاد الأوروبي يأتي في سياق المتغيرات الدولية المتعلقة بزيادة أنشطة إيران في مفاعلاتها النووية، ولكن ربما لا تزال الولايات المتحدة تمسك بأهم ملف والمتمثل بعقوباتها تجاه إيران وبرنامجها المتمثل بآلية “سناب باك” والذي بموجبه تستطيع الولايات المتحدة إعادة وتعديل وإضافة حزم عقوبات في آن معا إذا لم تلتزم طهران بتعهداتها. 

طهران ليس لديها أية جدية بالعودة إلى المباحثات مع الولايات المتحدة أو غيرها، وبالتالي فهي تستثمر في عامل الوقت وإشعال المنطقة العربية بالنزاعات لإرباك من تصفهم بخصومها، وكذلك مشاركتها في تصدير السلاح إلى روسيا واستخدامه في أوكرانيا مؤشرات في غاية الأهمية. يتم البحث عن السبل الناجعة لمزيد من توريط إيران في تلك الحرب واستثمار تلك القرائن العسكرية التي تثبت تورط طهران في إشاعة الفوضى الخلاقة و ممارسة الضغوط القصوى على النظام الإيراني لجره مجددا إلى شروط جديدة في طاولة المفاوضات، بحسب النعيمي.

مقال تحليلي نشره موقع “ذا هيل” الأميركي، يرى أنه لا يوجد بالفعل اتفاق نووي إيراني، ولا احتمال لوجوده. رغم أن الموقعين الأصليين على اتفاق عام 2015 (الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وروسيا، والصين، والاتحاد الأوروبي، وإيران) حاولوا إحياءه في عامي 2021 و2022. رغم أن المفاوضين شعروا أن جهدهم قد يتكلل بالنجاح في مارس/آذار، وسبتمبر/أيلول من العام الماضي، لكنهم فشلوا في النهاية. لقد أدى تعنت إيران، إلى جانب دعمها للحرب الروسية في أوكرانيا وقمعها الداخلي، إلى استنزاف أي حماس غربي متبقي للتفاوض. 

ما دور تل أبيب؟

من المرجح أن إسرائيل ماضية في مشروع مواجهتها لإيران منفردة وتحاول أن تجمع مزيدا من المؤيدين لشن عملية عسكرية جراحية ومباغتة لاستهداف المفاعلات النووية الإيرانية. ورغم الأزمتين الداخليتين في إيران وإسرائيل إلا أن السياسة الخارجية الإسرائيلية ماضية تجاه استهداف فائض القوة الإيرانية في سوريا. 

الباحث مصطفى النعيمي يتوقع أن تتوسع “مروحة الاستهدافات والضربات خاصة بعد أن بتنا نلمح معالم انتقال إيران من التموضع الميليشياوي إلى التموضع العسكري والهيمنة على الدولة السورية بشكل شبه مطلق وكان ذلك ملاحظا من خلال الوفد الذي رافق الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى سوريا ومطالبتهم النظام السوري بضرورة الإيفاء بتعهداته بضرورة دفع الأموال المترتبة على مشاركتهم في الحرب على سوريا”.

الدور الإسرائيلي يعتبر دورا محوريا في ملف التعامل الغربي مع إيران فتل أبيب هي المحرك الأساسي للدول الأوروبية لمواجهة الخطر الإيراني، وتحاول دائما الضغط على الأوروبيين وعلى الولايات المتحدة من أجل التحرك ضد إيران. 

ملف إيران النووي على وشك الاشتعال مجددا وسط تبادل تصريحات تصعيدية والتلويح بفرض عقوبات بل وضغط الإسرائيلي على الغربيين لتوجيه ضربة عسكرية “جراحية” تطال المصالح الإيرانية. تل أبيب تلعب دور الدينمو الذي يحرك الأطراف نحو أحد السيناريوهين، توقيع اتفاق نووي يرضي الأطراف الغربية ومن بينها تل أبيب، أو معركة محدودة تغير قواعد الاشتباك. فيما يعزز الموقف الأخير تعنت المسؤولين الإيرانيين خاصة في ظل تقاربهم مع موسكو المنشغلة بغزو أوكرانيا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات