من تركيا إلى أوروبا: لماذا لا يشعر السوريون المجنسون في تركيا بالرضا عن جنسيتهم الجديدة؟

يستعد حازم، الشاب السوري البالغ من العمر 29 عاماً، لخوض أولى رحلاته الجوية التي ستقلّه من مطار اسطنبول إلى مطار نيكولا تيسلا في العاصمة الصربية، بلغراد. هذه الرحلة ليست مجرد رحلة عابرة، بل تمثّل نقطة تحوّل في حياته؛ فللمرة الأولى، يستخدم حازم جواز السفر التركي الذي حصل عليه بعد سبع سنوات من العيش والعمل الشاق في تركيا، حيث كان يقضي أيامه في مصنع لإنتاج البلاستيك، يعمل لساعات طويلة تصل أحياناً إلى خمسة عشر ساعة يومياً بأجور أقل من نظرائه الأتراك.

على الرغم من حصوله على الجنسية التركية، وجد حازم نفسه محاطاً بتحدّيات عدة؛ إذ واجه تمييزاً وعبارات عنصرية زادت حدّتها في العامين الأخيرين، سواء في مكان عمله أو في الحي الذي يقطن فيه. حتى إن حمله للجنسية التركية لم يسهل عليه إيجاد منزل للإيجار، إذ لا يزال في نظر الكثيرين مجرّد “لاجئ سوري”. وفي ظل تلك الظروف، قرر حازم أن يبدأ رحلة جديدة بحثاً عن الأمان والاستقرار، متّجهاً نحو أوروبا بخطة مُحكمة ولكنها محفوفة بالمخاطر.

بناءً على نصيحة أصدقائه الذين سيشاركونه الرحلة، اشترى حازم طعاماً معلّباً وعبوات مياه استعداداً لرحلته الطويلة، التي لن تتطلب منه حمل ملابس؛ فهدفه ليس السفر العادي بل العبور من صربيا إلى المجر والنمسا وصولاً إلى ألمانيا، حيث يأمل في أن يصبح لاجئاً مرة أخرى. هذه الرحلة قد تكون الأولى والأخيرة له بجواز السفر التركي، الذي ينوي تمزيقه بمجرد الوصول إلى وجهته.

موقع “الحل نت” التقى بحازم في إسطنبول وهو على عَجَل قبل ركوبه سيارة الأجرة للذهاب إلى مطار إسطنبول،  يشاركه الرحلة أبناء عمومته الذين حصلوا، مثله، على الجنسية التركية، ولكنهم جميعاً يشاركونه الحلم نفسه: البحث عن حياة جديدة في أوروبا، بعيداً عن التمييز والصعوبات التي واجهوها في تركيا.

لاجئون سوريون يعبرون الحدود السورية/ التركية
اللاجئين السوريين في تركيا

تركيا ومسار تجنيس اللاجئين السوريين

في تموز/ يوليو من عام 2016، أعلن الرئيس التركي أردوغان، خلال خطاب في ولاية كليس التركية عن خطة الحكومة لمنح الجنسية التركية للاجئين السوريين المقيمينَ على الأراضي التركية. هذا الإعلان مثّل لحظة فارقة وكان بمثابة زلزال في المجتمع التركي، حيث استقبله السوريون بفرحة كبيرة، فيما أثار جدلاً واسعاً وهجوماً من المعارضة وشريحة كبيرة من الشارع التركي.

لكن سرعان ما توضّحت تفاصيل هذا القرار، حيث أكد مسؤولون في دائرة الهجرة التركية أن الخطة تستهدف بشكل أساسي “أصحاب الياقات البيضاء” أي الأشخاص ذوي الشهادات والخبرات العلمية والمهنية. بالإضافة إلى ذلك، حددت الحكومة التركية العدد بنحو 300 ألف سوري لتجنيسهم على أراضيها كجزء من الخطة المعلنة حتى ذلك الحين.

وفقًا لتصريحات السلطات التركية الصادرة في منتصف شهر نيسان/ أبريل الماضي، منحت تركيا الجنسية لنحو 230 ألف سوري خلال العقد الماضي، من بين أكثر من أربعة ملايين ونصف المليون لاجئ سوري مسجّل في البلاد.

ومع ذلك، تشكك المعارضة في هذا الرقم، مشيرة إلى أن العدد قد يتجاوز المليون. من خلال هذا الإعلان، سعى الرئيس التركي إلى تنظيم وضع اللاجئين السوريين داخل البلاد، مؤكدًا على أهمية دمج أصحاب الكفاءات مثل الأطباء والمهندسين في المجتمع التركي.

معايير وانتقائية في القرارات

لايعرف حازم حين سألناه عن سبب حصوله على الجنسية التركية الذي لا يحمل شهادة عليا ولا يتقن اللغة التركية بطلاقة ولا يملك إذن عمل رسمي، عن سبب حصوله وعدد من أبناء عمومته على الجنسية التركية، كان الجواب مفاجئاً. قبل حوالي عامين، تلقوا رسالة نصية من إدارة الهجرة تفيد بترشيحهم للتقدم للحصول على الجنسية. هذه الطريقة هي الوحيدة المتاحة للاجئين السوريين لتقديم طلبات الجنسية، وبعد عملية استمرت عاماً ونصف العام، منحت تركيا الجنسية لحازم وأبنائه الثلاثة.

من ناحية أخرى، يختلف وضع وسيم، الشاب البالغ من العمر 27 عاماً، عن حازم؛ فقد كان طالباً جامعياً وعمل لاحقاً في عدد من المواقع الصحفية التركية والسورية، مما يوضح سبب ترشيحه للجنسية في ضوء توجهات الحكومة التركية لتجنيس الأشخاص ذوي المؤهلات العلمية والمهنية، أو “أصحاب الياقات البيضاء”. على الرغم من الفوائد القانونية التي جلبتها له الجنسية التركية، يفكر وسيم في الانتقال إلى دولة خليجية أو إلى الاتحاد الأوروبي، مشيراً إلى أن الجنسية لم ترسخ شعوره بالانتماء الكامل لتركيا. يشعر بأنه، على الرغم من كونه مواطناً تركياً الآن، لا يزال يُعامل بتمييز وعنصرية في بعض الأحيان، مثل أي لاجئ سوري آخر في تركيا.

“لا توجد معايير واضحة وثابتة لمنح الجنسية التركية بشكل استثنائي للاجئين السوريين”، يقول غزوان قرنفل، المحامي السوري التركي في حديث مع موقع “الحل نت”. وأضاف قرنفل أنه بالرغم من أن العديد من المجنّسينَ، بما في ذلك أطباء وقضاة ومهندسين وحملة شهادات عليا، قد تم تجنيسهم، إلا أن العملية لم تتّبع معياراً أساسياً واضحاً يتمثل في أن يكون تجنيس اللاجئين السوريين يعكس بالفعل أثراً إيجابياً على الدولة التركية ويصبّ في مصلحتها. بدلاً من ذلك، كان التطبيق الفعلي لقانون “التجنيس الاستثنائي” عشوائيًا أكثر من كونه مستندًا إلى معايير محددة.

في عام 2012، أصدرت الحكومة التركية قراراً يسمح للأجانب بتملّك العقارات في تركيا. ومع ذلك، عند تطبيق هذا القرار، ظهرت تعليمات تحظر على مواطني بعض الدول، بما في ذلك السوريين، التملّك العقاري بشكل مباشر في تركيا. هذا الحظر يعود إلى مبدأ المعاملة بالمثل بين البلدين، وفقاً لقانون يعود تاريخه إلى عام 1939.

على الرغم من هذا، هناك قانون يسمح بالحصول على الجنسية التركية مقابل الاستثمار أو تملّك عقار في تركيا، الذي صدر عام 2017. ومع ذلك، لا يستفيد اللاجئون السوريون من هذا القانون بسبب الحظر السابق الذكر. بالإضافة إلى ذلك، فإن الفرصة للحصول على الجنسية التركية مقابل استثمار مالي يصل إلى نصف مليون دولار تكاد تكون معدومة للاجئين.

تمييز ومستقبل غامض

الصحفي السوري التركي، يحيى حاج نعسان، لا يميز بين الخوف الذي يشعر به السوريون المجنسون في تركيا وبين رغبتهم في مغادرة البلاد، حتى بعد حصولهم على الجنسية. يرجع هذا الخوف جزئياً إلى شائعات تروّجها بعض وسائل الإعلام التركية المعارضة، مثل تلك التي تفيد بإمكانية سحب الجنسية من السوريين المعارضين للحكومة السورية في حال التطبيع بين أنقرة ودمشق، ما يؤدي إلى تفاقم مخاوفهم من التسليم إلى دمشق بناءً على مواقفهم السياسية. وأشار الصحفي حاج نعسان إلى أن نسبة كبيرة من السوريين المجنسين قد غادروا تركيا بطرق غير شرعية نحو أوروبا، رغم غياب أرقام رسمية واضحة، مدفوعين بسوء الوضع الاقتصادي والاجتماعي وطموحهم لحياة أفضل. بدوره، يعتقد الخبير القانوني غزوان قرنفل أن الدافع وراء رغبة بعض السوريين المجنسين في إعادة تجربة اللجوء بأوروبا هو البحث عن معيشة مدعومة من الدولة، خاصة لأولئك الذين يجدون صعوبة في العمل أو تحقيق دخل كافٍ لحياة كريمة في تركيا. ويرى قرنفل أن المساعدات المقدمة من دول الاتحاد الأوروبي تجذب هؤلاء الأفراد، خصوصاً في ضوء الصعوبات الاقتصادية التي يواجهونها.

يتّفق مع هذا الرأي الصحفي يحيى حاج نعسان، مشيراً إلى أن الحوافز الاقتصادية في دول الاتحاد الأوروبي تدفع العديد من المجنّسينَ لاتخاذ قرار الرحيل، بالنظر إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة في تركيا. منظمات حقوقية أوروبية كانت قد حذّرت السوريين المجنّسين في تركيا من مواجهة عقبات قانونية في حالة طلب اللجوء بأوروبا، إذ قد يُحرمون من حق اللجوء بسبب حملهم لجنسية “بلد آمن”. كما أشاروا إلى أن التقنيات الحديثة في جوازات السفر التركية والاتفاقيات بين الاتحاد الأوروبي وأنقرة حول اللاجئين قد تعقّد موقفهم القانوني في حال عودتهم إلى تركيا.

“سأتنازل عن الجنسية في سفارة برلين”


في مقاطعة نيدرساكسن الألمانية، يعيش مروان، البالغ من العمر 35 عاماً، كلاجئ منذ بضعة أشهر بعد وصوله إليها عبر رحلة غير شرعية وحصوله على حق اللجوء. مروان، الذي عاش في تركيا لمدّة عشر سنوات وحصل على جنسيتها قبل ست سنوات، يحمل شهادة في الهندسة وعمل كمدرس للمرحلة الابتدائية، ويتقن اللغة التركية. لكنه بعد ذلك تنقّل بين مِهنٍ مختلفة قبل أن يقرر الهروب إلى ألمانيا هربًا من التمييز العنصري الذي واجهه هو وأبناؤه في تركيا، كما يقول.

القشة التي قسمت ظهر البعير في علاقته بتركيا كانت خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة في أيار 2023، حيث واجه مروان أسئلة عنصرية من جيرانه، مختار الحي، وحتى مشرفي الاقتراع حول سبب منحه الجنسية والمرشح الذي سيصوت له. في شوارع مرسين، المدينة الصغيرة التي كان يعيش فيها، شاهد لافتات تعد بترحيل السوريين إذا فاز مرشح المعارضة، في حين لم يرَ أن موقف الحكومة كان أفضل بكثير، إذ وعدت بالأمر نفسه.

على الرغم من أن الوضع الاقتصادي لـ مروان لم يكن سيئًا، إلا أن التجارب السلبية التي عاشها أبناؤه في المدارس والشوارع، والتي عاشها هو نفسه على مرّ السنين، دفعته لاتخاذ قرار بمغادرة تركيا. اليوم، ينظر مروان إلى حياته الجديدة في ألمانيا، حيث يشعر بأن القانون يحميه ويحمي أبناءه، بعكس ما كان عليه الحال في تركيا. يخطط الآن للتنازل عن الجنسية التركية من خلال محام في السفارة التركية في برلين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات