نتيجة للأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها السوريون اليوم، خاصة وأن الرواتب والمداخيل في أدنى مستوياتها، اتجه الشباب وبعضهم طلاب جامعيون للعمل في “تنظيف البيوت”، بغية إعالة أنفسهم وأسرهم وتغيير واقعهم الاقتصادي الهش إلى مستويات تتناسب مع الواقع المعيشي الصعب في البلاد، وتشير حقيقة توجه الشباب إلى هذا النوع من العمل إلى انتشار البطالة، وعدم قدرة الحكومة السورية على إيجاد فرص عمل للشباب المتعطلين عن العمل.

“تعزيل” المنازل

مازن طالب جامعي، أوضح أنه شكّل ورشة لتنظيف البيوت من أصدقائه، وأسس صفحة لها على منصة “الفيسبوك”، وأشار إلى أن عمل الورشة نال استحسانا كبيرا خلال فترة قصيرة، نظرا لمهارة العاملين في التنظيف، وسرعتها بإنجاز ما تطلبه منها ربات البيوت، وفق ما نقلته صحيفة “الوطن” المحلية، اليوم الأربعاء.

ونوّه مازن، إلى أن أجرة “تلييف” الشقة تعتمد على مساحتها وعدد غرفها، وهي بين 35 ألف ليرة سورية، للشقة الصغيرة و70 ألف ليرة للكبيرة. وأشار إلى أن هذا العمل يدر دخلا جيدا للورشة، ويمكّن جميع أفرادها البالغ عددهم 6 شباب، من مواصلة دراستهم ومساعدة أُسرهم أيضا.

في حين أن أحمد، وهو شاب أربعيني، الذي وقف أمام محل في مدينة سلمية، وراح يكنسه ويجمع مخلفات المارة من علب السجائر الفارغة وعلب الكولا وأكياس الشيبس، مقابل ما يجود به صاحب المحل عليه من قطع نقدية، قال أن “العمل مهما يكن نوعه أفضل مليون مرة من مد اليد للناس”، وفق حديثه للصحيفة المحلية.

وأشار أحمد، إلى أنه يحمل مكنسته، ويتجول في شوارع محافظة حماة، وينظف أمام المحلات التي يعطيه أصحابها ما يكفيه لإعالة أسرته المكونة من ثلاثة أفراد وأمهم. مضيفا أن هذا العمل الحر الذي اختاره بملء إرادته، كونه لا يحتاج إلى رأسمال، ولا إلى أدوات ومستلزمات غير المكنسة، وهو أفضل بكثير من الوظيفة العامة وراتبها الشهري، على حد تعبيره.

قد يهمك: معاناة مستمرة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة في سوريا

“شطف الدرج”

ضمن السياق ذاته، خالد الشاب في الثلاثينيات من عمره، يطرق منازل الناس، ويطرح عليهم شطف الأدراج مقابل أي مبلغ يدفعونه له. وأشار إلى أنه يقوم بغسل الدرج بالتعاون مع الأهالي، حيث يقوم سكان كل شقة بتزويده بالمياه والقشاطات، ويكمل هو عملية شطف الدرج.

وبيّن خالد، أنه يرضى بأي مبلغ من كل أصحاب الشقق، فبعضهم يعطيه 1000 ليرة سورية وبعضهم 5000 ليرة. ولفت إلى أنه صار يشطف أدراج بعض الأبنية أسبوعيا، بناء على رغبة أصحابها الذين اتفقوا معه على ذلك.

وضمن هذا الإطار أرجعت الباحثة الاجتماعية ناريمان موسى باشا، عمل الشباب في هذه الأعمال إلى الظروف المادية الصعبة، وانعدام فرص العمل الجيدة، وتنامي البطالة في البلاد.

وأشارت باشا، إلى أن الخيارات الحكومية محدودة أو صعبة، أمام الشباب السوريين، والذين هم بحاجة إلى أي فرصة عمل تمكّنهم من إعالة أنفسهم، أو الإنفاق على أسرهم.

ووفق باشا، فإن “كل هذه الظروف أدت بالشباب إلى التوجه إلى أعمال أصبحت مألوفة في مجتمعنا وقد ولد بعضها خلال سنوات الحرب، ومنها: لجوء الأسر الفقيرة أو ربات بيوت، لحفر المحاشي أو تيبيس الملوخية، أو سلق باذنجان المكدوس، أو طهي الطعام في المنازل، أو جليسات أطفال أو عجائز”.

وأضاف التقرير المحلي، قد اضطر الشباب ومنهم جامعيون للعمل بمهن التنظيفات، أو الدهان، أو البيع على بسطات، أو بقطاف المحاصيل كالزيتون، والكرمة، والخضار وغير ذلك، لتأمين نفقات الحياة المعيشية الصعبة.

لكن، معظم هذه الأعمال موسمية، وهو ما يعني انقطاع مصدر دخلها غير الثابت، وأن مزاوليها بحالة بحث دائم عن عمل آخر في الشتاء مثلا، ورأت الباحثة الاجتماعية أن هذه الأعمال “مؤشر على تفشي البطالة وعدم قدرة الحكومة على إيجاد فرص عمل للشباب المتعطلين عن العمل، لمواجهة الغلاء الفاحش والظروف الاقتصادية الصعبة”.

انتشار مشاريع “الطبخ المنزلي”

خلال السنوات الماضية ونتيجة لتدهور الأوضاع المعيشية في سوريا، تنامت المشاريع المنزلية متناهية الصغر، من مختلف الأنواع، وكانت من بين أكثر المشاريع ظهورا وانتشارا، هي مشاريع المطابخ المنزلية، إذ لجأ العديد من السوريين، وخاصة النساء منهم إلى تأسيس أعمال منزلية بتكاليف منخفضة نسبيا للمساهمة في إعالة أُسرهم.

سحر (35 سنة) خريجة كلية الهندسة الميكانيكية، وموظفة في إحدى الدوائر الحكومية بدمشق، أفادت في حديثها السابق لوسائل الإعلام المحلية إلى أنه بسبب قلة الراتب الشهري، والحاجة إلى مصدر رزق آخر، أُجبرت على البحث عن عمل آخر فما كان لها إلا أن استغلت موهبتها في الطبخ أيضا، وبدأت بتأسيس مشروعها الخاص الذي جعلها تؤمن تكلفة الأدوية المزمنة لوالديها، ومتطلباتها الشهرية.

وتابعت سحر، “بدأت بالترويج لمشروعي عبر إحدى المجموعات على منصة “فيسبوك”، من خلال عرض ما أطبخه في المنزل وذلك قبل نحو عامين، وكان رأسمال المشروع ضئيلا جدا وهو ثمن طبخة واحدة فقط، واليوم مردودي الشهري يصل إلى نحو 750 ألفا، من دون وجود أي شريك لي في العمل”.

زيادة معدل البطالة

في سياق متّصل، فإن نسبة البطالة في سوريا ارتفعت من 8 بالمئة في عام 2011، إلى 56 بالمئة في عام 2013، وبالرغم من عدم وجود إحصائيات رسمية لنسب البطالة خلال السنتين الأخيرتين لكنها بكل تأكيد تفوق الـ 60 بالمئة، بحسب آراء عدد من المختصين خصوصا بين الخريجين في الجامعات والمعاهد التقانية، مؤكدين أن العاطلين عن العمل هم من خيرة الكفاءات والخبرات القادرة على إيجاد المخارج، والحلول للمشاكل، والسير وإن كان ببطء نحو تحقيق الأهداف.

وبحسب مراقبين اقتصاديين، يعتبر القطاع الزراعي في سوريا الأكثر تضررا. بينما كان يوظف القطاع الزراعي أكثر من 50 بالمئة، من القوى العاملة في سوريا، انخفضت النسبة إلى حوالي 10 بالمئة. ومنذ أن شهدت البلاد موجة جفاف شديدة دفعت عددا كبيرا من العمال الزراعيين في المنطقة الشمالية الشرقية من سوريا إلى الهجرة تحديدا نحو مراكز المدن بحثا عن فرص عمل جديدة، وسط غياب الدعم الحكومي لهذه الأزمة.

وعليه، وفي ظل الواقع المعقّد والمتدهور في سوريا، لا يزال مستقبل السوريين غامضا ومجهولا. بينما تدعي الحكومة السورية إطلاق مشاريع وخطط تنموية واقتصادية، وأن الأزمة السورية على وشك الانتهاء، فإن الواقع والظروف الحالية لا توحي بانفراجة في المستقبل المنظور، وهذا ما شهدناه خلال الأشهر الماضية، منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، وكيف انهار الاقتصاد السوري بشكل مهول جراء ذلك، وبالتالي مدى هشاشة الحكومة السورية أمام الأزمات عموما، وعدم قدرتها على تنامي اقتصاد البلاد وتوفير فرص العمل.

قد يهمك: تزايد محتمل لتدهور الأوضاع المعيشية في سوريا.. ما النتائج؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.