يعيش معظم السوريين داخل سوريا في ظروف معيشية صعبة، حيث يحتاج أغلبهم إلى المساعدة، ويعتمدون على المساعدات أو الحوالات الخارجية، فضلا عن تدهور الخدمات العامة كالكهرباء، والمياه، ونقص المحروقات، والغاز، وارتفاع الأسعار بشكل شبه يومي، الأمر الذي ينذر بتزايد شدة الأزمات الاقتصادية في سوريا، مع استمرار سياسات الحكومة غير المدروسة، وعدم قدرتها على فعل أي شيء أصلا.

وشهدت الأشهر الماضية عدة تغييرات في أرقام الاقتصاد السوري الذي اتجه نحو التراجع مقابل قفزات هائلة في الأسعار، ولا يمكن التوقع إلى أين ستتجه بعد ذلك وكيف ومتى سيتم ضبطها. وعلى الرغم من تطمينات الحكومة السورية بوضع خطط، وحلول للسيطرة على الظروف المعيشية التي تنزلق أكثر فأكثر نحو الهاوية، فقد أصبح المواطن السوري مدركا تماما أن هذه التطمينات “غير مجدية”.

من خلال تصريحات رئيس “هيئة الأوراق المالية والأسواق المالية” في دمشق، عابد فضلية، قال فيها إنه من الصعب تحقيق “المطالب المحقة” في زيادة الرواتب وتحسين الدخل، لكن يمكن زيادة القوة الشرائية من خلال التوجه نحو الإنتاج السلعي الحقيقي الزراعي. ما يطرح التساؤل باعتباره اعترافا واضحا وصريحا بتدهور الأوضاع المعيشية للسوريين خلال الفترة المقبلة، خاصة وأن الإنتاج الزراعي لا يمكن تطويره في سوريا في ظل ضعف الحكومة، وغياب البنية التحتية المناسبة.

سياسات فاشلة

رئيس “هيئة الأوراق والأسواق المالية” في دمشق عابد فضلية، أشار في حديث لإذاعة “ميلودي إف إم” المحلية، قبل يومين، إلى استمرار دعم استيراد المواد الغذائية بشكل أوسع، “ما يعني أن مزيدا من القطع أصبح متوفر بيد الجهات المعنية، ووقف تمويل استيراد بعض المواد”، وفق زعمه.

وأكد فضلية، أن قائمة المستوردات التي تغطيها الدولة بالقطع الأجنبي تقلصت من 60 مادة، قبل ثلاث سنوات حتى تصل لحدها الأدنى اليوم، معتبرا أن “تقليص استيراد مستلزمات الإنتاج والمواد الأولية يؤدي إلى توقف الأنشطة الإنتاجية”.

ووسط تصريحات لمسؤولين في حكومة دمشق، التي تعترف بعدم قدرتها على وضع حد لهذا الغلاء، والتضييق المعيشي، وتدني الرواتب والمداخيل بشكل عام، خاصة بعد أن رفعت مؤخرا الدعم عن شرائح واسعة من السوريين. يرى الباحث الاقتصادي، رضوان الدبس، أن “هذا التصريح هو تصريح رسمي، أي أننا نسمع اليوم كلاما من مسؤول حكومي رسمي، فلا مجال للمواربة أو الأخذ والتعامل، وهو مسؤول مصرفي أو اقتصادي، لذلك يتحدث من ناحية طبيعة عمله، وعندما يصرح بصعوبة تحقيق الدخل وزيادة الرواتب إلا بزيادة الإنتاج الزراعي، فهو اعتراف ضمني من قبل الحكومة السورية، بأنها “مقصرة بعملية زيادة الرواتب وتقديم الدعم، وأن المواطن يتحمل هذا الضغط”.

وأردف الدبس، في حديثه لموقع “الحل نت”، أن المسؤول الحكومي يقر أيضا، بأن “المطالب محقة”، لكن الدولة لا تملك إمكانية زيادة الرواتب أو تحسين الوضع المعيشي، وهو ما يشبه إعلان العجز والإفلاس أو تحقيق شيء إيجابي على صعيد الواقع المعيشي في البلاد.

مضاربة بتقديم الحلول “الرنانة”؟

أما في إطار التوجه لزيادة الإنتاج الزراعي لتحسين الدخل، وصف الباحث الاقتصادي، رضوان الدبس، هذا التصريح الحكومي بأنه “متناقض”، مستغربا ذلك بالقول: “كيف يقدم مسؤول حكومي هكذا حل في حين أن الحكومة السورية رفعت قبل أسبوع فقط الدعم عن الأسمدة الزراعية، والمشتقات النفطية عن القطاع الزراعي، ما يعني أن هذه التصريحات، وبالتالي سينخفض الإنتاج الزراعي يوما بعد يوم”.

وعزا الدبس تضارب التصريحات الحكومية إلى وجود صراع بين المسؤولين في حكومة دمشق، وأن كل منهم يسعى لإظهار نفسه أنه يقدم حلولا للأزمات المتفاقمة في البلاد.

ووفق اعتقاد الدبس، فإن هذه التصريحات تشير إلى اعتراف الحكومة بشكل أو بآخر بعجزها عن تأمين أبسط مقومات الحياة اليومية للمواطنين، مما يشير أيضا إلى تدهور الأوضاع المعيشية في البلاد أكثر فأكثر، خاصة وأن الحكومة السورية ما زالت غير قادرة على إيجاد حلول لأبسط مقومات الحياة مثل الكهرباء، والمياه، والمحروقات، والغاز، والخبز وغيرها من أمور الحياة اليومية في البلاد.

قد يهمك: زيادات مستمرة.. لماذا ترتفع الأسعار يومياً بسوريا؟

رفع الدعم عن السوريين

لا تزال آثار قرار رفع الدعم الحكومي مستمرة باستبعاد فئات مختلفة من السوريين، إذ تقوم حكومة دمشق بين فينة وأخرى بإصدار فئة جديدة ليتم إلغاء الدعم عنها، وقد بدأت هذه العملية منذ شهر شباط/فبراير الماضي.

وفي آخر بيان لوزارة الاتصالات والتقانة السورية، حول استبعاد الدعم، أعلنت الوزارة يوم الأربعاء قبل أيام، أنه تم استبعاد المستفيدين من الخادمة المنزلية الأجنبية وأصحاب مكاتب استقدام الخادمات من الدعم الحكومي.

وفي مطلع شهر شباط/فبراير الماضي، أصدرت حكومة دمشق قرارا استبعدت فيه نحو 600 ألف عائلة، من الدعم الحكومي المقدم سابقا، وبيعها بعض المواد الغذائية الأساسية، والمشتقات النفطية بأسعار محررة، وغير مدعومة، وهو ما أثار استياء ورفضا واسعين لدى السوريين.

وبعد صدور القرار ادعى مسؤولون حكوميون، أن القرار جاء بعد دراسات تبين فيها، أنه جاء في الوقت المناسب لزيادة رواتب الموظفين، من خلال حصر الدعم بالفئات التي تستحقه، وإلغاؤه عن الفئات غير المستحقة، والذي يمكن بإلغائه عنهم تحقيق وفرة مادية لدعم رواتب الموظفين، وتحسين مستوى المعيشة، ولكن منذ ذلك الوقت والأسعار في ارتفاع مستمر، والأوضاع المعيشية في تدهور أكثر، حيث أن سوق السيارات في سوريا، شهد ارتفاعا في أسعار السيارات غير المشمولة بآلية “رفع الدعم”، بسبب زيادة الطلب عليها، بعد قرار الحكومة السورية رفع الدعم عن المواطنين من أصحاب السيارات من موديل 2008 فما فوق.

وفي نيسان/أبريل الماضي، حمل قرارات مفاجئة بإلغاء الدعم عن العديد من المواطنين بشكل مفاجئ، على الرغم من تأكيدات حكومية بعدم وجود إلغاء مفاجئ للدعم.

ونقل تقرير لـ”الحل نت”، عن أحد المستبعدين، أنه استبعد من الدعم دون تحديد السبب، مع العلم أنه يملك سيارة كيا ريو موديل 2004، وتحت 1400 سي سي، وكان مستوفيا كل شروط الاستحقاق للدعم خلال موجة الاستبعاد السابقة.

كما أصدرت وزارة الاتصالات والتقانة السورية، تعميما في حزيران/يونيو الماضي، بموجبه يتم استبعاد الصيادلة والمهندسين والمحامين والأطباء ممن مارسوا المهنة لمدة 10 سنوات من الدعم الحكومي، وفق البيانات الواردة من نقابات هذه الفئات.

ووفق تقدير خبراء اقتصاديين، فإن رفع الدعم عن شرائح من المجتمع السوري كانت تحمل “البطاقة الذكية” سابقا، وبيعها السلع بأسعار السوق هي جريمة إفقار لهم، لأن نحو 90 بالمئة، من السوريين حاليا يعيشون تحت خط الفقر حسب بيانات المنظمات الدولية.

وكان الباحث الاقتصادي معتصم عبد الحليم، أكد في وقت سابق لموقع “الحل نت”، أن قرار رفع الدعم الأخير سيقضي على الطبقة المتوسطة في المجتمع السوري، ويحولها إلى طبقة فقيرة جائعة تبحث عن “لقمة الخبز”، مضيفا، أن قرار رفع الدعم سيؤدي أيضا إلى رفع الأسعار، وأن متوسطي الدخل بعد رفع الدعم منهم، سيلجأون إلى رفع أسعار منتجاتهم لتعويض ما حُرموا منه، وبالتالي رفع الأسعار على الجميع، الحكومة أقرت بفشلها فعليا عبر هذا القرار.

وفي تطور جديد حول القطاع الزراعي، فقد أصدر المصرف الزراعي، قبل أيام، تعميما يقضي بالتوقف عن بيع الأسمدة للفلاحين بالأسعار المدعومة، وبيعها لهم بالأسعار الرائجة. وكانت أسعار الأسمدة قد ارتفاع قبل نحو أسبوعين بنحو 90 بالمئة، حيث تجاوز سعر طن سماد اليوريا، وفق التسعيرة الجديدة 2.4 مليون ليرة سورية، بعد أن كان بحدود 1.3 مليون ليرة، وتأتي هذه الزيادات في الأسعار نتيجة لقرار حكومي غير مدروس، حيث تم رفع سعر البنزين المدعوم بنسبة 130 بالمئة، بالإضافة إلى تهاوي الليرة السورية أمام القطع الأجنبي، خلال الأيام الماضية.

واعتبر اتحاد الفلاحين آنذاك، أن مثل هذه الإجراءات تساهم حكما في انخفاض الإنتاجية للمساحات المزروعة، وهو بخلاف التوجه الحكومي المعلن بتقديم الدعم، والتوسع في القطاع الزراعي.

زيادة معدل البطالة

في سياق متّصل، فإن نسبة البطالة في سوريا ارتفعت من 8 بالمئة في عام 2011، إلى 56 بالمئة في عام 2013، وبالرغم من عدم وجود إحصائيات رسمية لنسب البطالة خلال السنتين الأخيرتين لكنها بكل تأكيد تفوق الـ 60 بالمئة، بحسب آراء عدد من المختصين خصوصا بين الخريجين في الجامعات والمعاهد التقانية، مؤكدين أن العاطلين عن العمل هم من خيرة الكفاءات والخبرات القادرة على إيجاد المخارج، والحلول للمشاكل، والسير وإن كان ببطء نحو تحقيق الأهداف.

بحسب مراقبين اقتصاديين، يعتبر القطاع الزراعي في سوريا الأكثر تضررا. بينما كان يوظف القطاع الزراعي أكثر من 50 بالمئة، من القوى العاملة في سوريا، انخفضت النسبة إلى حوالي 10 بالمئة. ومنذ أن شهدت البلاد موجة جفاف شديدة دفعت عددا كبيرا من العمال الزراعيين في المنطقة الشمالية الشرقية من سوريا إلى الهجرة تحديدا نحو مراكز المدن بحثا عن فرص عمل جديدة، وسط غياب الدعم الحكومي لهذه الأزمة.

وعليه، وفي ظل الواقع المعقد والمتدهور في سوريا، لا يزال مستقبل السوريين غامضا ومجهولا. بينما تدعي الحكومة السورية إطلاق مشاريع وخطط تنموية واقتصادية وأن الأزمة السورية على وشك الانتهاء، فإن الواقع والظروف الحالية لا توحي بانفراجة في المستقبل المنظور، وهذا ما شهدناه خلال الأشهر الماضية، منذ الغزو الروسي لأوكرانيا وكيف انهار الاقتصاد السوري بشكل مهول جراء ذلك، وبالتالي مدى هشاشة الحكومة السورية أمام الأزمات عموما.

قد يهمك: محاربة المضاربين.. هل ينجح المركزي السوري في كبح تدهور الليرة؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.