اشتداد ظروف الحياة والمتطلبات المعيشية على السوريين، دفع بالكثير منهم إلى إيجاد حلول من خلال اللجوء إلى إنشاء المشاريع الصغيرة وكذلك المتوسطة.

أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة في سوريا يواجهون فرصا ضئيلة لإطلاقها بسبب تحديات التمويل التي تشكل أكبر عائق أمامهم. وذلك في الوقت الذي يقرّ فيه المسؤولين الحكوميين في سوريا بالصعوبات التي تواجه حكومة دمشق لتحفيز المشاريع الصغيرة والمتوسطة، نتيجة قلة الموارد المالية ضمن مساعيها المحدودة للتقليل من مستويات البطالة المرتفعة وتطويق تفشي الفقر.

ولعل المشكلات التي تواجه المشاريع تتنوع بين عدة جوانب كالمالية والإدارية والمحاسبية، إضافة إلى المشكلات التسويقية، بحسب حديث الخبير الاقتصادي، نعيم لومان.

مشاكل متعددة

يعاني 72 بالمئة من أصحاب المشاريع من مشكلات في التسويق والتي تتمثل بقلة الأماكن المخصصة للعرض وعدم القدرة على مواكبة تقلبات الطلب الشديد والافتقار إلى المواصفات والتصميمات وغياب رقابة الجودة وانخفاض القدرة التفاوضية على الأسعار، إضافة إلى مشكلات إنتاجية تتعلق بالحصول على المواد الأولية واستقطاب اليد العاملة المدربة.

لقد نسبت وكالة الأنباء السورية “سانا” إلى إيهاب اسمندر، مدير هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، قوله في وقت سابق، بأنه “قد تم إنجاز مشروع التعداد الشامل والتفصيلي للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، الذي يهدف إلى توفير إطار محدث ومتكامل للمنشآت الاقتصادية والاجتماعية لاستخدامه في مختلف المسوح الإحصائية الاقتصادية، وحصر القطاع غير المنظم والوقوف على وضعه الراهن”.

وأوضح أنه تم القيام بإجراء المقارنات المطلوبة مع السلاسل الاقتصادية السابقة، لقياس المؤشرات الاقتصادية المطلوبة، وتوفير البيانات المطلوبة لحساب مؤشر أهداف التنمية المستدامة. مشيرا إلى أنه تم إجراء دراسات معمقة حول حجم القوة العاملة تبعا للأنشطة الاقتصادية في المحافظات.

وتظهر إحصائيات الهيئة أنه تم تسجيل نحو 7608 مشروعات في معظم المحافظات، وكان لطرطوس واللاذقية النسبة الأكبر بنحو 26 في المئة لكل منهما.

وبلغ عدد المشاريع الصغيرة في طرطوس نحو 1999 مشروعا وفي اللاذقية نحو 1988 وذلك نتيجة لتفعيل آلية التسجيل المبكر فيهما إضافة إلى استقرار الأوضاع الأمنية، بينما حلت حماة في المرتبة الثالثة بواقع 1653 مشروعا وحلب رابعا بحوالي 1131 مشروعا.

وذلك في الوقت الذي تشير فيه بيانات لمنظمات ومؤسسات مالية دولية إلى أن 87 بالمئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، وهو ما تظهره إحصائيات عام 2021، فيما تقترب نسبة البطالة من 50 بالمئة.

فيما يشير مدين دياب، مدير عام هيئة الاستثمار الحكومية، إلى أهمية صدور قانون الاستثمار الجديد والتعليمات التنفيذية الخاصة به، والذي قدم حوافز ومزايا لمختلف المشروعات الاستثمارية ومنها المشروعات الصغيرة والمتوسطة.

وقال “ثمة حوافز جمركية تتضمن إعفاء مستوردات الآلات والتجهيزات ومواد البناء والآليات إضافة إلى تقديم حوافز ضريبية، تشمل أيضا مشاريع الإنتاج الزراعي والحيواني وفرز وتوضيب المنتجات الزراعية”. وأضاف “هناك حوافز غير ضريبية كالاستفادة من برامج الدعم المقدمة من صندوق دعم الإنتاج المحلي ومن هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة”.

شكوك

رغم شكوك الخبراء في جدوى ما تفعله دمشق، تبدو السلطات السورية متفائلة بقانون الاستثمار الجديد، كونه يتيح العديد من فرص العمل في كافة المجالات. وقد أشار محمد فياض، مدير صناعة ريف دمشق، إلى أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة تشكل دفعا مهما للاقتصاد، وتلعب دورا مهما في تحقيق تنمية اقتصادية شاملة.

ولفت إلى أن حكومة دمشق تعمل على إيجاد بيئة أعمال تمكينية لهذه المشاريع وتطوير سياسات دعمها وتعزيز تنافسيتها، عبر إصدار عدد من التشريعات الداعمة ومنها قانون الاستثمار الجديد، والذي يتضمن إنشاء مصارف للتمويل الأصغر، إضافة إلى خطة التوسع بإقامة المدن والمناطق الصناعية والحرفية.

بحسب بيانات منظمة الأمم المتحدة في تقرير صدر في أيلول/سبتمبر 2020 بلغ إجمالي الخسائر المالية التي مُني بها الاقتصاد السوري بعد ثماني سنوات من الحرب نحو 442 مليار دولار، في حين ارتفع الدين العام للبلاد ليتجاوز 200 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

في حين تؤكد البيانات الرسمية التي نشرتها وكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا” أن برنامج “دعم أسعار الفائدة”، الذي تعمل عليه وزارة الاقتصاد بالتعاون مع القطاع المصرفي، أنه لا يزال يسير ببطء شديد حيث لم يستفد منه سوى أقل من مئتي شخص في مناطق سيطرة حكومة دمشق.

وقد تركزت القروض الممنوحة بأسعار فائدة مدعومة على مشاريع صناعة النسيج والمصابغ والكرتون ومصابيح الألمنيوم، إضافة إلى إعادة تأهيل بعض المنشآت المتضررة في محافظة حلب المختصة بإنتاج الأدوية والنسيج الآلي والسجاد. في المقابل تركزت القروض الممنوحة بأسعار فائدة مدعومة في المجال الزراعي بشكل خاص على المداجن والأسمدة.

وكانت وزارة الاقتصاد السورية قد وقعت في 2019 اتفاقا مع البنوك المحلية يحدد آلية الاستفادة من البرنامج وترتيب آليات منح القروض.

تمثل المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة نسبة 90 بالمئة من المنشآت التجارية في العالم بحسب أحدث إحصائية للأمم المتحدة، ويعمل بها أكثر من 60 بالمئة من العمالة، وتشكّل حصتها من إجمالي الناتج المحلي العالمي ما مقداره النصف.

بينما تتنوع مخاطر العمل في المشاريع الصغيرة والمتوسطة، بين خطر فقدان السمعة التجارية التي تحقق لها النموّ والتوسع، والمخاطر الأمنية التي تتعرض لها مواقع المشروع على الإنترنت، فاختراق الموقع قد يشكّل خطرا ماليا أو يعطل عمليات سير العمل في المشروع، والمخاطر المالية والتدفق النقدي أكثر ما يشكّل ضغطا على المشروع الصغير ومخاطر المسؤولية التي لها علاقة بالموظفين والعملاء والممتلكات وغيرها من المخاطر.

وبيّن المحاضر في كلية الاقتصاد بجامعة “تشرين” ولاء زريقا، في تصريح لصحيفة “الوطن” المحلية، خلال وقت سابق، أنه بعد دراسة علمية، وتقييم ما بين واقع تطبيق ممارسات إدارة المخاطر في عشرات المشاريع الصغيرة والمتوسطة في سوريا، وبين أفضل الممارسات المتبعة عالميا، لوحظ وجود مستوى منخفض جدا من تطبيق أبعاد إدارة المخاطر في المشاريع الصغيرة والمتوسطة في سوريا، كما لوحظ وجود مستوى منخفض جدا في تحديد وتعريف المخاطر في هذه المشاريع، كما لا يوجد قوائم تحقق من المخاطر ولا حتى سجلات للمخاطر والتهديدات السابقة وسجلات الخطر في سوريا.

وأكد زريقا أن تحليل المخاطر وتقييمها بالنسبة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة يتم بشكل بدائي جدا، حيث يعتمد أصحاب ومشغلو المشاريع الصغيرة والمتوسطة على التجارب والخبرات الشخصية.

وأضاف زريقا إنه لا يوجد أي نوع من أنواع الرقابة على المخاطر وتطورها، وإنما هناك رد فعل للأحداث التي تظهر أمام المشروع وتعوق تحقيق أهدافه، داعيا إلى ضرورة الاهتمام بنشر ثقافة إدارة المخاطر في المشاريع الصغيرة والمتوسطة كعملية إدارية مضبوطة لها مجموعة من العمليات والأنشطة الفرعية التي تحقق العديد من الفوائد لهذه المشاريع بمختلف أشكالها، وتضمن لها النمو والاستمرارية من خلال التكامل مع بقية الأنشطة الإدارية الأخرى.

عقبات

أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة في سوريا، يواجهون عدة عقبات أمام فرص إطلاق واستمرارية مشاريعهم، بسبب تحديات التمويل التي تشكل العقبة الأبرز أمامهم، بالإضافة إلى بيئة الأعمال الحالية غير المشجعة بشكل كاف، وعدم استقرار اليد العاملة في السوق المحلي بسبب عمليات الهجرة الداخلية والخارجية، وارتفاع تكاليف الإنتاج، على الرغم من المحاولات المستميتة من الجهات المعنية لتسهيل مشاريعهم في سياق بحثها عن سبل تعزيز مساهمة هذا القطاع في إنعاش الاقتصاد السوري المتهالك. ونتيجة لذلك، نصف المشروعات الصغيرة والمتوسطة في سوريا متوقفة عن العمل، مما يعني أنها “فاشلة”.

ضمن سياق توقف نسبة كبيرة من المشاريع الصغيرة والمتوسطة في سوريا، تعترف الجهات المعنية في الحكومة السورية بالصعوبات التي تواجه خزينة الدولة لتحفيز هذه المشاريع، نتيجة قلة الموارد المالية ضمن جهودها المزعومة، والتي تدعي دوما أنها تسعى للحد من مستويات البطالة المرتفعة، واحتواء انتشار الفقر الذي اتسع نطاقه بشكل ملحوظ خلال السنوات الماضية.

وبيّن إيهاب اسمندر، مدير هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، من خلال ورقة العمل التي قدّمها في ورشة تنظيم سوق العمل لجهة المحدّدات الجديدة والتحديات التي تواجهه، والتي أقامها المرصد العمالي في نهاية الشهر الماضي، أن عوائق الدور التشغيلي للمشروعات الصغيرة تتلخص بوجود 40 بالمئة تقريبا من المشروعات المتوسطة والصغيرة متوقفة عن العمل، وفق ما نقلته صحيفة “البعث” المحلية.

واعتبر اسمندر، أن المشكلات التي تواجه المشاريع تتنوع بين عدة جوانب، كنقص التأهيل لدى عدد من العاطلين عن العمل وعدم قدرتهم على تلبية احتياجات المشروعات القائمة، إضافة إلى بيئة الأعمال غير المشجعة بشكل كاف حاليا، وعدم استقرار اليد العاملة في السوق المحلية بفعل عمليات الهجرة الداخلية والخارجية، وارتفاع تكاليف الإنتاج، التي تهدد برفع تكلفة فرصة العمل.

وأشار اسمندر خلال حديثه مع الصحيفة المحلية، إلى أن العدد الإجمالي للمشروعات متناهية الصغر بلغ نحو 299161 والصغيرة نحو 138074، أما المتوسطة فبلغ نحو 18410.

ونوّه اسمندر، إلى أن المشكلات التمويلية تتمثل في الاعتماد على مدّخرات الأسرة، والاقتراض العائلي غير الكافي وغير المنتظم (88 بالمئة من المشاريع في سوريا تعتمد على المدخرات الشخصية والقروض العائلية)، وضعف الضمانات المالية وغياب الدور الواضح لمؤسسة ضمان مخاطر القروض حتى الآن، وإحجام البنوك عن التعامل معها.

ضمن الإطار ذاته، نسبت الصحيفة المحلية إلى اسمندر قوله إن “مفهوم تمويل المشروعات في سوريا ينحصر عند الكثيرين بمنح المشروعات القروض، لكن مفهوم التمويل في الواقع أوسع من ذلك، فهو يشمل إضافة إلى الإقراض من فتح الحسابات المصرفية، والاعتمادات المستندية، إلى التحويلات، والتأمين، وقبول الودائع، إضافة إلى تقديم الاستشارات والخدمات المالية”.

وأوضح أنه يوجد في سوريا ثلاث مؤسسات معنية بتمويل المشروعات “المتوسطة، الصغيرة، متناهية الصغر”، وتسمى بنوك تمويل صغير بعد صدور القانون 8 لعام 2021، كما أصدرت بعض البنوك التقليدية منتجات مصرفية لمصلحة المشروعات، وإن كانت في معظمها لم تدخل حيّز التنفيذ بعد. وبالنسبة لبنوك التمويل الأصغر الموجودة حاليا، أشار اسمندر إلى (بنك الإبداع، بنك الوطنية، الأولى)، مع أن القانون النافذ حاليا لا يسمح بعمل مؤسسات تمويل غير مصرفية، لافتا إلى أن عدد الجهات المهتمة بتمويل هذا القطاع من المشروعات، لا يعتبر كبيرا في حال المقارنة بعدد مثل هذه المؤسسات في دول عربية أخرى.

وتظهر تقديرات دراسة “هيئة تنمية المشروعات”، أنه كلما زاد عدد المشروعات الصغيرة 1000 مشروع سيتراجع معدل البطالة في سورية بـ1 نقطة مئوية، كما ساهمت المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر بنحو 65 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لسوريا، كمتوسط السلسلة الزمنية 2010-2020، وتشغل المشروعات المتوسطة نحو 14 بالمئة من العاملين، وتشغل المشروعات الصغيرة 29 بالمئة. أما المشروعات متناهية الصغر فتشغل 23 بالمئة من قوة العمل السورية، وبالتالي يساهم القطاع بتشغيل 66 بالمئة من العاملين في البلاد.

وانطلقت في نهاية حزيران/يونيو 2020 “مؤسسة ضمان مخاطر القروض للمشاريع الصغيرة والمتوسطة”، برأسمال 5 مليارات ليرة سورية، ساهم فيه 6 مصارف عامة، و11 مصرفا خاصا، و3 مؤسسات تمويل صغير.

ويتمثل عمل مؤسسة ضمان مخاطر القروض، بتوفير الضمانات اللازمة التي تُتيح للمشروعات الصغيرة والمتوسطة الحصول على تمويل من المصارف، دون تحميلها أعباء إضافية، خاصة وأن المصارف تصنّف تمويل تلك المشروعات ضمن دائرة المخاطر.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.