على وقع استمرار أزمة الشغور الرئاسي التي فاقمت من تردي الوضع الاقتصادي في لبنان منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، نتيجة الانقسام الحاصل على شخصية من يخلفه بين القوى السياسية، يستعد لبنان لجولة ثانية يجريها مبعوث الرئيس الفرنسي الخاص جان إيف لودريان، في إطار جهود فرنسية وعربية لإخراج البلاد من أزمته المركّبة، والتي فاقمت بشكل غير مسبوق من معاناة اللبنانيين الذين يأنّون تحت وقع الانهيار الاقتصادي الذي ضرب البلاد منذ العام 2019.

فبعد زيارته الأولى التي وصِفت بـ “الاستطلاعية”، والتي استمرت من 21 إلى 24 حزيران/يونيو الفائت، وفي ظل حراك عربي حثيث، عاد لودريان اليوم الثلاثاء إلى بيروت، حاملا معه مخرجات اجتماع اللجنة الخماسية الذي عُقد الأسبوع الماضي في قطر، بمشاركة الدولة المستضيفة إلى جانب السعودية والولايات المتحدة الأميركية ومصر وفرنسا، ممثلة بمبعوث الرئيس الفرنسي لودريان.

الدول الخمس، وجّهت رسالة تحذير عامة لجميع الأطراف اللبنانية بعدم عرقلة هذه الجهود لتأثيرها المباشر على مستقبل لبنان وازدهاره واستقراره، مشددة على ضرورة تطبيق الحكومة اللبنانية قرارات مجلس الأمن التابع لـ “لأمم المتحدة”، المرتبطة بالوضع في البلاد والقرارات الأخرى ومقررات دولية في هذا الشأن، ولا سيما تلك التي اعتمدتها “جامعة الدول العربية” والالتزام بالامتثال لـ “اتفاقية المصالحة الوطنية” التي تتيح المحافظة على الوحدة الوطنية والعدالة المدنية في لبنان.

جولة لإنهاء الشغور الرئاسي في لبنان

على هذا النحو، فإن جولة لودريان الثانية التي ستستمر يومين من 25 تموز/يوليو الجاري إلى 27 منه، بحسب ما أعلنت عنه السفارة الفرنسية في لبنان؛ هي جزء من مهمته في التيسير والمساعي الحميدة، بهدف قيام جميع أصحاب المصلحة المعنيين بتهيئة الظروف المواتية لبروز حل توافقي لانتخاب رئيس للجمهورية، وهي خطوة أساسية في إعادة تنشيط المؤسسات الدستورية التي يحتاجها لبنان بشكل عاجل للشروع في طريق الانتعاش.

فلبنان منذ أشهر من دون رئيس للجمهورية، بسبب إصرار “حزب الله” وحلفائه الشيعة في “حركة أمل”، بأن يكون المرشح لمنصب الرئاسة يتوافق مع أجنداتهم، معطّلين ترشيح أي شخصية من الأطراف المعارضة التي تصرّ هي الأخرى على أن يكون الرئيس القادم يتمتع بالحنكة السياسية وقادرا على خلق أجواء متوازنة، فضلا عن إمكانيته في إدارة الأزمة الاقتصادية مع “البنك الدولي” الذي يشترط إصلاحات جادة قبل تقديم المساعدة.

بالتالي فإن جولة لودريان الثانية، فتحت الباب على تساؤلات حول ما تحمله من خيارات، وما يمكن أن تُحدثه في سياق الأزمة، أو إحداث تغييرا في المشهد اللبناني، في ظل تمسّك الكتل النيابية بمواقفها، ولا سيما على ضفة “حزب الله” وفريقه السياسي.

فإن الطرفان الشيعيان “حزب الله” و”حركة أمل” رافضان حتى اللحظة البحث في أي مرشح للرئاسة سوى مرشحهم، رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية، بينما تُعدّ القوى المعارضة له أكثر ليونة من ناحية “التخلي” عن دعم ترشيح وزير المال السابق جهاد أزعور، وفتح الباب أمام التوافق على شخصية تتمتع بمواصفات سيادية ووطنية إصلاحية.

خيارات ضيقة ودور عربي حاسم

حول ذلك، يقول الخبير في الشأن السياسي اللبناني ربيع غصن، إن خيارات الزيارة ومفاعيلها هي خيارات ضيقة السبب؛ لأن هناك شروط في التعامل مع هذه الزيارة، متمثلة بتعامل الثنائي الشيعي المتمثل بـ “حركة أمل” و”حزب الله” الذين يتخذون من شخصية سليمان فرنجية نقطة انطلاق لعملية اصلاح.

المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي إلى لبنان جان إيف لودريان/ إنترنت + وكالات

ذلك لثقتهم الموجودة والمتبادلة مع هذه الشخصية، ولعمق العلاقة التاريخية ما بين الثنائي الشيعي وسليمان فرنجية، كما أنه يُعتبر محور أساسي في العلاقة مع سوريا، بالتالي هذه الشخصية يعتبرونها شخصية تناسب المرحلة والانطلاق في الإصلاحات التي ينبغي للبنان الدخول بها، وعملية التجانس مع رؤية المقاومة في مسألة الصراع مع خصومهم، يشير غصن.

كما يضيف في حديث مع موقع “الحل نت”، إلى أنه بالمقابل يرفض الوزن الأميركي في لبنان وصول سليمان فرنجية إلى الرئاسة لسببين أساسيين، أولا العلاقة مع سوريا، ثانيا العلاقة مع “حزب الله”، وبالتالي اعتقد أن الاميركيين يريدون رئيسا يدخل في الاصلاحات ويحاول أن يحسّن الواقع الاقتصادي اللبناني، لكن بشرط أن يكون بمرجعية “صندوق النقد” الدولي و”البنك” الدولي، فضلا عن إدارة تجارة الغاز المكتشف في شرق البحر المتوسط، والذي يمتلك لبنان حصة كبيرة منه.

غصن لفت إلى أن نجاح جولة أو مبادرة مبعوث الرئيس الفرنسي معقودة بنقطتين أساسيتين، الأولى إذا ما كان هناك تراجع من قبل المحور المعارض لسليمان فرنجية لأن يكون رئيسا، وفي المقابل أن يكون رئيس الحكومي من الطبق الآخر المتمثل بفريق المعارضة.

أما النقطة الثانية، فتتعلق بالتمحور العربي في دعم هذه المبادرة، فإذا كان هناك نوع من نشر الطمأنينة من قبل المملكة العربية السعودية بالتفاهم مع سوريا وبالتفاهم مع إيران لدعم مرشح على حساب آخر، أو للمضي في نُظم سياسية معينة في المرحلة المقبلة، فقد يكون هناك دعم لهذه المبادرة.

مؤشرات إيجابية تحملها زيارة لودريان

إلى ذلك، يرى الخبير في الشأن اللبناني، أن جولة مبعوث الرئيس الفرنسي، يمكن أن تحمل شيئا إيجابيا، بيد أنه من المستبعد أن تحمل حلّا كاملا، لذلك أن الحل متروك لتقدم الوقائع والأحداث في العالم، المتمثلة بالغزو الروسي لأوكرانيا، إذ إن له تأثيرٌ كبير، علاوة عن مجريات الصدام الروسي الصيني الأميركي، وغيرها من المجريات مثل الأزمة الإسرائيلية، بخاصة وأن لبنان تعتبر الدولة الأبرز في العالم التي تتأثر بالأحداث الإقليمية المجاورة وبالأحداث العالمية البعيدة.

البرلمان اللبناني/ إنترنت + وكالات

على هذا النحو، يأتي الدور الفرنسي بشأن إمكانية إيجاد مخرج للأزمة اللبنانية، بينما يبدو أن باقي الأطراف لا تزال تقف على مسافة واحدة من الأزمة دون إبداء أي جدّية في التدخل، وذلك بالنظر إلى معرفة أن حجم الهوّة بين الأطراف المتصارعة أكبر من أن تُردم.

يشار إلى أنه، في السابع من حزيران/يونيو الماضي، عيّن ماكرون وزير الخارجية السابق إيف لودريان، مبعوثا خاصا إلى لبنان للمساعدة في إيجاد حلّ توافقي وفعّال للأزمة اللبنانية التي تفاقمت، خصوصا بعد انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب/أغسطس 2020.

منذ أشهر، تدير لبنان حكومة تصريف أعمال وهي عاجزة عن اتخاذ قرارات ضرورية، في وقت تشهد البلاد منذ 2019 انهيارا اقتصاديا صنّفه “البنك الدولي” من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850، حيث يشترط المجتمع الدولي إصلاحات مُلحّة من أجل تقديم دعم مالي.

مع ذلك، ومع الحديث عن ضيق فُرص نجاح المبادرة، إلا أن اللبنانيين لا ينتظرون زيارة الموفد الخاص للرئيس الفرنسي إلى لبنان لمعرفة ما إذا كانت لديه مبادرة للخروج من أزمة الفراغ الرئاسي المستعصية أم لا فقط، وإنما ليتأكدوا أيضا مما إذا كانت الأزمة في بلادهم لا تزال تحظى باهتمام دولي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات