زادت أزمة الكهرباء في العراق من الحاجة الملحة لاستعمال المولّدات الكهربائية الأهلية، لتجهيز المناطق السكنية، والمحال التجارية والأماكن العامة، والمطاعم والفنادق وغيرها بالطاقة الكهربائية، مما ساهم في ارتفاع نسبة التلوث في البلاد.
وبحسب الدراسات التحليلية والمراكز المختصة بتلوث البيئة، فإن الاعتماد على هذه المولّدات أسفر عن تلوث الهواء والتربة، من خلال ما تطرحه من غازات وانبعاثات سامة، نتيجة احتراق الوقود فيها. وهي انبعاثات تفوق المستويات المسموح بها، وفق معايير تلوث الهواء.
ومن أهم المواد الضارة، التي تبثّها المولدات، أول أوكسيد الكربون، وثاني أوكسيد الكبريت، وثاني أوكسيد النتروجين، وكبريتيد الهيدروجين، والهيدروكربونات، وكلها مواد مضرة جدا بصحة الانسان. ما يدفع كثيرين للحديث عن أن أزمة الكهرباء في العراق زادت من حالات السرطان بين المواطنين.
شكاوى المواطنين من المولّدات
مع استفحال أزمة الكهرباء في العراق، يشكو أهالي المناطق السكنية في بغداد من انتشار المولدات الأهلية، خاصة في المصالح التجارية والسياحية المختلفة، ويقول المواطن أبو أنمار، من سكان حي “الجهاد” بالعاصمة، إن “دخان المولدة التي أمام منزلنا أعمى أعيننا، وسمم رئتنا، ولوّث منازلنا، والشكاوي مستمرة من دون جدوى”.
ويضيف أبو أنمار، في حديثه لـ”الحل نت”‘، أن “الدخان المنبعث من تلك المولّد لا يمكن وصفه حقيقةً، وفي كل مرة يجتمع أهالي المنطقة ويقدمون الشكاوي لصاحبه، فيرد عليهم بلهجة تهديدية ومتكبرة”.
معتبرا، أن “اللوم والمسؤولية يقعان على عاتق مجالس البلدية وأمانة العاصمة، التي لا تقوم بجولات مراقبة ومتابعة. فلو أدت واجبها، وفرضت الغرامات بحق المقصرين، لما كان الوضع على ما هو عليه الآن”.
المواطنة، أم عبير، تناشد هي الأخرى الحكومة العراقية، والجهات المسؤولة بمتابعة المولّدات الموجودة في المناطق السكنية. وتقول، في إفادتها لموقع “الحل نت”: “ليت إحدى لجان الكشف تأتي إلى حيّنا، لترى بعينها الدخان والغازات السامة التي نستنشقها صباحا ومساء”.
وتضيف: “هنالك أزمة كهرباء في العراق، والحكومة عاجزة عن توفير الطاقة، كما أنها عاجزة عن السيطرة على ملوثات الهواء. فما الدور الذي تلعبه الحكومة، أو أمانة بغداد في حياة المواطنين؟”.
تزايد حالات السرطان بسبب أزمة الكهرباء في العراق
ومن الناحية الصحية كشف الدكتور محمد النعيمي، أخصائي الأمراض السرطانية، عن “ازدياد حالات الأمراض السرطانية مؤخرا بنسبة ثلاثين بالمئة، بسبب الغازات السامة المنبعثة في الهواء، وبالأخص قرب المناطق السكنية. وذلك مرتبط بالتأكيد بأزمة الكهرباء في العراق”.
ويؤكد النعيمي، في حديثه لـ”الحل نت”، أن “انتشار المولّدات البدائية في الاحياء، وحتى المولدات الصغيرة داخل المنازل، التي تعمل على الوقود المرسل لكثير من الانبعاثات السامة، يؤدي لامتصاص التربة للدخان المتصاعد، واستنشاقه من قِبل الإنسان، مما يتسبب بضرر قاتل، فهذه المواد أشبه بمسرطنات”.
وتتفق الدكتورة، رؤى السعدي، اخصائية الأمراض القلبية، مع رأي النعيمي، فهي ترى، أن “هذه المولدات لا تخضع لتشغيل وصيانة فنيين، ومحركاتها لا تؤدي أداء جيدا، وعمليات احتراق الوقود فيها لا تتم بالشكل التام، فتُنتج كميات كبيرة من غاز أول أوكسيد الكربون، وتطلق كمّا كبيرا من دقائق الكربون إلى الجو”.
السعيدي توضح، في حديثها لـ”الحل نت”، أن التلوث الناتج عن أزمة الكهرباء في العراق لا يقتصر على المواد المسرطنة، فكذلك “الضوضاء الناجمة عن المولدات، تجعل الناس الذين يسكنون جوارها في حال من عدم الراحة الجسدية والعصبية، لذلك نرى ازدياد حالات الأمراض العصبية، والنفسية في الآونة الأخيرة”.
لي الأذرع وسط أزمة الكهرباء
صبحي القيسي، مختار إحدى مناطق بغداد، يشرح لموقع “الحل نت”، إن “أصحاب المولدات استخدموا مع الناس طريقة لي الأذرع، اذ لا يمكن الاستغناء عن أنشطتهم الاقتصادية، التي يجب إمدادها بالكهرباء، ولذلك لا بد من تحمل المولّدات، لأن أزمة الكهرباء في العراق تتجه من سيء الى أسوأ”.
ويتابع المختار: “يفترض من المجالس البلدية متابعة المولّدات، فكثير منها تبعث سموما قاتلة لأسباب عديدة، ومنها استخدام الزيت القديم، وعدم إخضاع المولّد للصيانة بين الحين والآخر، وكثير من الأمور الأخرى”.
ويؤكد: “لو كانت هناك متابعة من قبل الجهات المسؤولة، لما تهاون أصحاب المولدات في مراعاة الشروط الأساسية، التي تقلل إلى حد ما من الدخان الملوث للبيئة، المُسبب لأمراض كثيرة”.
مجالس البلدية تتبرّأ من المسؤولية وأصحاب المولدات يبررون
خضر العبيدي، عضو مجلس محافظة ديالى، بيّن أن “متابعة المولدات ضمن اختصاصات مدير الوحدة الإدارية، إذا كان قائم مقام أو مدير ناحية”.
العبيدي، في اتصال هاتفي مع “الحل نت”، قال إن “مسؤولية متابعة أصحاب المولّدات، وسط أزمة الكهرباء في العراق، لا تقع على عاتق مجالس البلدية، بل قائمي المقام هم من لهم الحق بالمحاسبة، والمتابعة والمراقبة”.
ولكنّ أبا محمد، وهو صاحب مولّدة أهلية في إحدى المناطق ببغداد، يشكو هو الآخر من الجهات الحكومية.
ويقول أبو محمد لـ”الحل نت”: “المواطن يطالبنا بتجهيزه بالطاقة، وسط أزمة الكهرباء في العراق، فيما المولّدات ذاتها بحاجة الى صيانة وكاز يخلو من الشوائب، فضلا عن أمور أخرى لا يكون المواطن على دراية بها، مثل الأدوات الاحتياطية، التي يحتاج إليها المولّدة، وأجور العامل الذي يسهر على تشغيله وإطفائه. الجميع يضع اللوم علينا، رغم أن هناك واجبا يقع على عاتق الحكومة، من خلال تجهيزنا بحصص الكاز، التي تعلن عنها مجالس المحافظات، ولا تصلنا في أغلب الأحيان، ما يجعل العبء كبيرا علينا”.
وعن سبب عدم قيام أصحاب المولدات بأعمال الصيانة الضرورية يقول أبو محمد: “القصور سببه وزارة الكهرباء، وعدم قدرتها على تأمين الطاقة للبلاد، ما أدى إلى اضطرارنا لتشغيل المولّدات فوق طاقتها بأضعاف. فيصبح من المتعذر السيطرة على ما تبعثه من غازات سامة”.
حديث صاحب المولّدة، يشير إلى أن المشكلة ليست فقط في إهمال مالكي المولدات، بل هي مشكلة بنيوية، بسبب أزمة الكهرباء في العراق، وعجز الحكومات العراقية المتعاقبة عن حلّها.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
اشترك الآن اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك كل جديد من الحل نت
مقالات ذات صلة
الأكثر قراءة

وعود حكومية بلا تنفيذ.. هل توقفت بوادر حلول الأزمات السورية؟

وزير النقل السوري يتحدث عن آليات جديدة لتسعير السيارات.. ماذا قال؟

وزير الداخلية السوري: التعاون مع روسيا يخدم دمشق

وزارة الداخلية دفعت محمد الشعار إلى تسليم نفسه.. ماذا قالت؟

وثّقَ تعذيب السوريين بسجون الأسد.. تفاصيل جديدة عن “قيصر”

واشنطن تتحدث عن سحب قواتها من سوريا.. و”قسد” تؤكد عدم تلقيها خططا رسمية
المزيد من مقالات حول تقارير

منذ مطلع العام ..ارتفاعٌ في معدل الانتحار في عموم سوريا

لماذا تختار السوريات الزواج من أتراك رغم عدم اعتراف القانون بزواجهن؟

تفاقم أزمة الدولار.. الانهيار وطَهرنَة القطاع المصرفي العراقي؟

الصين تكشف سر امتناعها عن الاستثمار في سوريا

يربط العراق والأردن.. ما أبعاد مشروع مواصلات سيناء الحديد؟

تلويح أوروبا بإعادة فرض العقوبات ضد طهران.. هل ينذر بإشعال أزمة النووي؟

ما مستقبل المجتمع الإيراني مع تنامي ظواهر الإجهاض وهجرة الشباب المتعلم؟
