بعد مساهمتها في زيادة استعصاء مسار الحل السياسي في سوريا، يبدو أن اللجنة الدستورية السورية، على موعد من انتهاء دورها، بعد أن مُنيت جولاتها الثمانية بالفشل، دون تحقيق أيّا من أهدافها التي أُنشئت من أجلها.

العديد من الخلافات ظهرت بين الوفود المشاركة في اللجنة، التي وقفت عاجزة أمام تحقيق أي خطوة من شأنها دعم الحل السياسي في البلاد، في حين تطال اللجنة انتقادات لاذعة بسبب هذا الفشل، انطلاقا من حاجة السوريين إلى رؤية حقيقية من شأنها الوصول إلى الحل السياسي، وبالتالي الوصول للتغيير الحقيقي المنشود.

مسارات جديدة؟

المبعوث الأممي إلى سوريا جير بيدرسون، طالب المجتمع الدولي بفتح مسارات جديدة للحل السياسي في سوريا، بما يتماشى مع قرارات مجلس الأمن، ما يشير إلى اعتراف بيدرسون، بفشل اللجنة عن تحقيق أيا من أهدافها.

وقال بيدرسون، في كلمة أمام مجلس الأمن الإثنين: “على المجتمع الدولي التحرك في مسارات أخرى تتعلق بقرارات مجلس الأمن الدولي وآخرها القرار 2254، والعمل على إعادة الأمن والاستقرار إلى سوريا“.

وأضاف: “نحن بحاجة لعملية سياسية تحرز تقدما ثابتا، وهذا ما نفتقده حاليا، وعملت مع أطراف خارجية لتكون جاهزة للقيام بخطوات حقيقية تجاه سوريا، وأدعو دمشق أن لا تضيّع هذه الفرصة” حسب قوله.

السياسية والباحثة الأكاديمية، وعضو اللجنة الدستورية السورية، الدكتورة سميرة مبيض، ترى أن تصريحات بيدرسون، هي بمثابة إعلان عن فشل المسار المسمى “خطوة بخطوة“، والذي سعى، بالتناغم مع توجهات دمشق، والمعارضة، لإجراء المصالحات بينهما، ووضع تعديلات بسيطة على الدستور السابق، لذر الرماد في عيون السوريين، وايهامهم بالتغيير، وإدراج المعارضة ضمن إطار المنظومة الحالية، وإخضاع المناطق الخارجة عن سيطرة القوات السورية.

قد يهمك: تطور علاقات دمشق وأنقرة بعد التدخل الروسي.. من الأمني إلى السياسي

وتقول مبيض، في حديث خاص مع “الحل نت“: “هذا المسار فشل لأن السوريين والسوريات أدركوا هذا التلاعب السياسي من قبل اللجنة المصغرة التي اختارها الطرفان، وعملت مع السيد بيدرسون وأدركوا مآلاته الكارثية، لذلك يسعى السيد بيدرسون اليوم لإيقاف المسار الدستوري، بحكم أنه فشل بالوصول للمصالحة وتشريع الوضع الحالي في سوريا، بالتوافق مع اللجنة المصغرة التي اختارها النظام والمعارضة“.

وتعتقد الباحثة السياسية، أن جميع المسارات السياسية السابقة للحل السياسي، تعمدت “التعطيل السياسي“، وذلك لفرض الأمر الواقع عبر تكريس قوى عسكرية على الأراضي السورية.

وحول ذلك تضيف: “نأسف، أن الأمم المتحدة التي ترفع شعارات حقوق الإنسان وحفظ الأمن، تظهر بشكل متناغم مع هذه القوى المسيطرة على الأراضي السورية، والتي تخل بأمن واستقرار المدنيين، وتقوم بترويعهم وترهيبهم. لا يمكن لأي مسار آخر، إلا أن يكون ملهاة جديدة، لشغل السوريين عن تحقيق هدف بناء دولة قانون ومواطنة، بعيدا عن هذه القوى الهمجية، وانتهاكاتها المستمرة لحقوق السوريين“.

وبرأي مبيض، فإن بيدرسون، يهدف من خلال دعوته لمسارات أخرى، إلى الهروب من المسؤولية من فشله في المرحلة السابقة وتقول: “عوضا عن أن يطرح مزيد من المسارات الفاشلة، يفترض بالسيد بيدرسون، التنحي والاعتذار من السوريين، لمحاباته لقوى ارتكبت بحقهم أبشع الجرائم الإنسانية“.

رغم دعوته لإنشاء مسارات أخرى للحل السياسي، أشار بيدرسون، إلى أنه دعا وزراء خارجية تركيا، وروسيا، وإيران، لدعم أطراف اللجنة الدستورية، معربا عن أمله في أن تتمكن اللجنة الدستورية من الالتئام مجددا في جنيف.

موسكو تدعم بيدرسون

خلال اجتماع وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، مع المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، غير بيدرسون، نفت روسيا أن تكون “فقدت اهتمامها” بالتسوية في سوريا.

وأعلنت وزارة الخارجية الروسية، الخميس الفائت، عن لقاء جمع بيدرسون، بلافروف في العاصمة موسكو. وقالت الخارجية، في بيان، إن الطرفين أجريا مباحثات موسّعة حول القضايا الراهنة على الصعيد السوري، مشيرا إلى أنهما أوليا “اهتماما خاصا”، لعمل اللجنة الدستورية السورية، وأكدا على أهمية الحفاظ على “حوار إيقاعي ومثمر”، في منصة التفاوض.

وقالت الخارجية في بيانها: “جرت مناقشة موضوعية حول الجوانب الموضوعية لتسوية سورية شاملة، مع التركيز على دفع العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، والتي تقودها سوريا، على النحو المنصوص عليه في قرار مجلس الأمن رقم 2254″.

وأكدت الخارجية الروسية، أنه تم خلال الاجتماع “إيلاء اهتمام خاص لأنشطة اللجنة الدستورية السورية التي تشكلت بقرار من المشاركين في مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي عام 2018”. وأشارت إلى أنه، “في الوقت نفسه، “تم تأكيد أهمية استمرار الحوار المنتظم والمثمر في منصة التفاوض هذه“.

مسار التطبيع مع دمشق

منذ حوالي شهر، كان من المقرر عقد الجولة التاسعة من المحادثات خلال شهر تموز/يوليو الفائت في جنيف، إلا أن حكومة دمشق أبلغت المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسون، أن وفده لن يكون مستعدا للمشاركة فيها “إلا بعد تلبية طلبات روسيا“.

إعادة روسيا، لإحياء المسار الأممي، رآه الخبير والمحلل السياسي الروسي، فاتسلاف ماتوزوف، خلال حديث سابق لـ“الحل نت“، أنه يأتي لتهدئة الرأي العام الغربي، بعد نجاح موسكو في وضع أنقرة، ودمشق على طريق إعادة العلاقات بين البلدين، والذي سيقود نحو إعادة دمشق، سيطرتها على أغلب المناطق التي خارج سيطرتها.

بما أن روسيا صاحبة القرار فيما يتعلق بمكان المحادثات، بحسب ماتوزوف، فإن دمشق لديها قناعة بأن المسار السياسي لن يفض إلى نتيجة، ولذلك صرح الرئيس السوري، في وقت سابق، أن الدستور “يعبر عن رغبات، وأخلاق، وتطلعات، وثقافة الشعب السوري كحل وسط بين مختلف الشرائح، والتيارات في المجتمع، وإذا تمت صياغته فإنه سيطرح للتصويت عليه بالقبول أو الرفض“.

وما يؤكد رؤية دمشق، وفقا لحديث ماتوزوف، هو أنه في أيلول/سبتمبر المقبل، سيعقد اجتماع في جنيف لمناقشة موضوع اللجنة الدستورية في الجلسات العامة للأمم المتحدة، بعد حوالي ثلاث سنوات من إنشائها، دون نتائج ملموسة.

اقرأ أيضا: ماذا وراء التصعيد الإسرائيلي-الأميركي ضدَّ إيران في سوريا؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.