العديد من المناطق السكنية في سوريا باتت تعاني من التصدعات والتشققات والأضرار التي لحقت بأساسات بنائها، للعديد من الأسباب منها ما هو تقني نتيجة عملية بناء بعيدة عن المواصفات الهندسية، ومنها ما هو نتيجة لعمليات القصف التي طالت مختلف المدن خلال السنوات الماضية، وهذا ما جعل العديد من الأبنية آيلة للسقوط في أي لحظة ما يجعلها تشكل خطرا على ساكنيها.

ولكن في مقابل ذلك، فإن الأوضاع الاقتصادية المتردية، وعدم القدرة على بناء مساكن جيدة، أو التهجير إلى مناطق أخرى، دفع بالعديد من العائلات إلى السكن في أبنية قسم منها عشوائي في الأصل، والآخر أصبح عشوائيا وشبه مدمر، والقبول أحيانا بالخطر لعدم وجود أي بدائل أخرى.

العشوائيات والخطر بأي لحظة

في العديد من المناطق السورية، وخاصة في أطراف دمشق، اضطر الأهالي للسكن في أبنية عشوائية من حيث المكان، وطريقة البناء، ففي المنطقة الجنوبية من مخيم اليرموك بدمشق، توجد الكثير من هذه الأبنية، والتي بناها أصحابها على عجل ودون أي مقومات للسلامة مع مرور الزمن، وهذا ما جعل قسما منها اليوم في حال سيئة يوحي بانهيارها في أي لحظة.

مخيم درعا “وكالات”

عبدالله بكر، فلسطيني سوري، من سكان أطراف مخيم اليرموك الجنوبية، وهو أب لخمسة أبناء، يروي قصة سكنه لـ”الحل نت”، “يُعتبر الحي الذي نعيش فيه حي مخالفات سكنية، وأنا أعيش هنا مع أسرتي منذ أكثر من 40 عاما، وعندما أردت الزواج كان موضوع بناء غرفتين على سطح منزل عائلتي أمرا بسيطا، فبعد تأمين مواد البناء، ساعدني أبناء الحي ببناء الجدران والتي تمت خلال يومين، وفي اليوم الثالث قمنا بعملية صب السطح، دون الحاجة لوجود أعمدة، وخلال أسبوع كان المنزل جاهزا للسكن”.

ويضيف عبدالله، اليوم وبعد نحو 20 سنة على بناء هذا المنزل بدأت أشاهد العديد من التشققات في جدرانه، بعضها يتسع لدخول راحة اليد، ما جعلني أخاف من انهياره في أي لحظة، ولكنني كبقية سكان الحي في هذه الحالة قمت بإغلاق التشققات بالإسمنت، أعلم أن هذا غير نافع ولكن ليس لدي أي خيار آخر فلا مكان أذهب إليه مع عائلتي، أعلم أننا نعيش خطر الانهيار في أي لحظة”.

وفي هذا السياق، تواصل “الحل نت”، مع أحمد العيسى، وهو مهندس معماري، أوضح أن الأبنية العشوائية أو ما تُعرف بنظام البلديات بمناطق المخالفات، هي أبنية يتم إنشاؤها وفق نظام يُعرف محليا باسم “اللف” نسبة إلى بناء الجدران أو لفها بحجارة البناء “البلوك”.

وأضاف العيسى، أن هذه الأبنية تفتقر إلى وسائل السلامة من عدة نواحي أهمها، عدم وجود أعمدة بالنسبة للطوابق العليا، وعدم وجود أساسات صحيحة ترتكز على صخر طبيعي، أو صناعي في الطوابق السفلى، وهي أكبر نقاط ضعفها، فعند صب الأسقف يكون السقف أثقل وزنا من الجدران، لكن ما يمنحه بعض التوازن هو توزعه على جهات الجدران الأربع لكل غرفة، ولكن هذا لا يمنع بأي حال من انهياره بعد سنوات.

إقرأ:بيع العقارات في سوريا بالخسارة.. ما الأسباب؟

سكن خطر لكنه اضطراري

خلال سنوات الحرب، تعرضت أحياء كاملة للتدمير نتيجة القصف بمختلف أنواع الأسلحة، وهو ما دفع الكثير من العائلات للنزوح إلى مدن أخرى أو أحياء أخرى، وفي بعض الأحيان اضطروا للسكن في منازل تعرّض قسم منها للتدمير، وهجرها أصحابها، أو هاجروا إلى خارج البلاد.

رامي قاسم، من سكان ريف درعا الغربي، أربعيني يعيش مع عائلته المكونة ثلاثة أبناء في مخيم درعا للاجئين، بعد أن دُمر منزله نتيجة القصف في إحدى المعارك، يتحدث لـ”الحل نت”، عن واقع السكن الحالي له، “بعد أن قُصف منزلي وتهدم بالكامل، تنقلت عند أقاربي لنحو شهر، ثم نصحني أحد معارفي من مخيم درعا، بالانتقال للسكن في المخيم، فهناك العديد من البيوت التي هجرها أصحابها وغادروا إلى أوروبا، بعد أن تهدمت أجزاء منها، وبالفعل ساعدني بالعثور على منزل لم يبق منه سوى غرفة وجزء من المطبخ، فقمت بترميم المطبخ، ووضعت بطانيات لإغلاق النوافذ التي كانت قد سُرقت في وقت سابق، وأقمت فيه مع عائلتي”.

ويتابع قاسم، “بعد أن أقمنا لفترة بدأت بمحاولات للترميم قليلا في المنزل، فتمكنت من الحصول على نافذتين وضعتهما للنوافذ، وأجريت بعض الإصلاحات في المطبخ، ولكن مؤخرا بدأت تظهر تشققات في سقف الغرفة، ما اضطرني لاستشارة مهندس من أقاربي الذي أخبرني أن السقف متضرر نتيجة الارتجاج الحاصل بسبب القصف، وهو أمر خطير يمكن أن يؤدي لانهياره، لكنه اضطراري”.

انهيار وضحايا في حلب

يوم الثلاثاء الفائت، انهار بناء مكون من خمس طوابق في حي الفردوس في مدينة حلب، ما أدى لسقوط نحو 11 قتيلا من سكان المبنى بحسب تقارير صحفية محلية.

تعاني محافظة حلب، من وجود عدد كبير من الأبنية المتضررة، ففي شباط /فبراير الماضي، أعلن نائب مجلس مدينة حلب، أحمد رحماني، وضع 11 لجنة سلامة فرعية، لكل قطاع خدمي بهدف تقييم المنشآت، ووضع تقارير فنية شاملة لـ80بالمئة، من المباني التي تشكل خطورة، بهدف معالجتها، سواء بالترميم أو الإخلاء.

مخيم اليرموك “وكالات”

وبحسب رحماني، فإن جميع هذه المناطق عشوائية، وتفتقر للأسس الهندسية المعتمدة، وبالتالي تفتقد للسلامة العامة، كما صرح بوجود 21 منطقة مخالفات في مدينة حلب، تشكّل نسبة 40بالمئة، تقريبا من مساحة المدينة.

وفي آذار الماضي، كان مجلس مدينة حلب أخلى خمسة مبانٍ سكنية في حي الصالحين، إثر تصدعات “حديثة” فيها، بحسب ما نقلته في ذلك الوقت إذاعة “صدى إف إم” المحلية.

وبحسب تقرير نشره معهد الأمم المتحدة للبحث والتدريب عام 2019، شهدت محافظة حلب أكبر نسبة دمار في سوريا، بوجود 4773 مبنى مدمر كليا، و14680 مبنى مدمر بشكل بالغ، و16269 مبنى مدمر بشكل جزئي، ليبلغ مجموع المباني المتضررة 35722 مبنى.

قد يهمك:ركود في سوق العقارات السورية.. البائع مضطر والشاري مغترب!

اضطرارا وليس اختيار، تعيش الآلاف من العائلات السورية في المناطق العشوائية، وفي آلاف المباني التي دمر القصف خلال الحرب معظم أجزائها، فلا أوضاعهم الاقتصادية تساعدهم لتغيير واقعهم هذا، ولا الجهات الحكومية المسؤولة تعمل على تقديم أي دعم لهم، لتكون حياتهم معرّضة للخطر في أي لحظة

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.