يبدو أن القادم يحمل الكثير من المتغيرات في المشهد السياسي المتأزم في العراق، فحالة التشظي والانقسامات السياسية غير المسبوقة في البيتين الشيعي والكردي، بدأت تطال المشهد السني أيضا، حيث تشهد الساحة السنّية في الفترة الأخيرة مزيدا من التعقيد، خصوصا بعد تصاعد مطالبات كتل سنية رئيسية، بإقالة رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي.

تحالف سياسي جديد

في الوقت الذي تزداد فيه التعقيدات داخل العملية السياسية؛ وفي خضم الصراع الدائر بين الكتل والأحزاب العراقية بهدف تشكيل الحكومة الجديدة، عقدت مجموعة من النخب السياسية والاجتماعية السنية، في آب/أغسطس اجتماعا في محافظة الأنبار استعدادا لتأسيس “مشروع سياسي جديد” ينطلق من المحافظة الواقعة غرب العراق.

ضم الاجتماع شخصيات سياسية سابقة، منها رئيس “حزب الحل” جمال الكربولي، ورئيس “المشروع الوطني” جمال الضاري، ورئيس “الحزب الإسلامي” نوري الدليمي، ووزير التجارة السابق سلمان الجميلي، ووزير الكهرباء الأسبق قاسم الفهداوي، ومحافظ الأنبار السابق صهيب الراوي، فضلا عن شخصيات عشائرية، منهم عواد الجغيفي، وفيصل الشوكة، وشخصيات أخرى.

المجتمعون أعلنوا عن تشكيل تحالف سياسي جديد يتكون معظمه من قوى تقليدية خسرت في الانتخابات البرلمانية الماضية التي جرت في تشرين الأول/أكتوبر 2021، سواء داخل المحافظة أو خارجها.

التحالف الجديد، دعا في بيان له عقب انتهاء اجتماعه الأول، في 21 آب/أغسطس الماضي، بمنزل وزير الكهرباء الأسبق قاسم الفهداوي، بمدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار، إلى احترام استقلال القضاء العراقي، ومعالجة المشكلات التي يعاني منها البلد، عبر الحوار لرسم خريطة طريق واضحة، ولإكمال الاستحقاقات الدستورية، وإجراء الإصلاحات الحقيقية والجذرية، وإيقاف الخطاب المتطرف.

رفض للتفرد بالحكم والمناصب

التحالف رفض أيضا، ما أطلق عليه سياسة تكميم الأفواه في محافظة الأنبار، من قبل بعض الجهات السياسية، تجاه الانتقادات الخاصة بالوضع السياسي أو الخدمي أو الأمني في المحافظة، في إشارة لرئيس البرلمان محمد الحلبوسي وحزب “تقدم”.

 الحلبوسي وحزبه “تقدم”، يسيطرون على أغلب المناصب الأمنية والإدارية في محافظة الأنبار، كما أن هناك اتهامات توجه له بمحاولة الاستحواذ على مقدرات المحافظة ومنع الأصوات التي توجه له النقد، عبر الاعتقال أو النفي لمناطق بعيد، بحسب وسائل إعلام محلية، والتي تناولت في أكثر من مناسبة، أخبارا تفيد بنقل مجموعة من الموظفين في محافظة الأنبار لمناطق بعيدة، لمجرد أنهم قاموا بانتقاد أداء الحكومة المحلية أو سلطة الحلبوسي وحزب “تقدم”.

لعل حادثة التعدي التي تعرض لها آمر الفوج السادس في شرطة طوارئ محافظة الأنبار العقيد عادل عبد اللطيف التبان، في حزيران/يونيو الفائت، والتي انتهت بتقديم استقالته من منصبه، خير مثال على ذلك، حيث تعرض للضرب من قبل مثنى الحلبوسي شقيق رئيس مجلس النواب مع عناصر من مرافقيه، أثناء محاولته تطبيق القانون على المركبة التي كان يستقلها الأخير، في أحد شوارع الفلوجة.

إن الاجتماع لا يمثل إعلانا لأي تحالف إطلاقا، وإنما هو بمثابة جلسة تشاورية لقوى وقادة سياسيين، ونخب اجتماعية وعشائرية وثقافية في المحافظة، بحسب حديث حكمت سليمان، أحد أبرز الشخصيات العشائرية البارزة، والذي شغل منصب معاون محافظ الأنبار الأسبق، لـ “الحل نت”.

قد يهمك: العراق.. فضيحة جديدة للحلبوسي وتذمر شعبي واسع


الاجتماع جرى للتداول والتباحث في الأزمة الحاصلة على المستوى العراقي، ومن ثم الإعداد لبدء اجتماعات تشاورية أخرى، بهدف خلق تحالف سياسي جامع في الأنبار، فالاجتماعات هذه ليست بالضد من رئيس البرلمان وحزبه المتنفذ في الأنبار، إنما هناك مشروع وأهداف في نية تقديمها، يقول سليمان، ولكن بالتأكيد سوف يتم التصدي لمحاولة حصر مساحة العمل السياسي، باتجاه سياسي واحد.

الحراك الجديد سيتصدى لأي محاولة تريد الاستفراد بالوضع السني، ومن أي اتجاه كانت، لكنه لم يخلق بالضد، إنما للتعبير عن وجهات نظر بناءة في المحافظة والعراق عامة، وفق لسليمان.

مواجهة لتحالف الحلبوسي؟

التحالف السني الجديد، يستهدف خريطة سياسية جديدة من التوازنات، وفقا لمدير “مركز العراق للدراسات الاستراتيجية” غازي فيصل، الذي تحدث لـ”الحل نت” معتبرا بأن هذا التحالف يسعى إلى مواجهة تحالف “السيادة” بزعامة محمد الحلبوسي ولتعزيز قوة الإطار التنسيقي.

يتكون تحالف السيادة من حزبي “تقدم” بزعامة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، و”المشروع العربي” بزعامة خميس الخنجر، ويمثل أغلب النواب السنة في البرلمان العراقي، والذي كان قد تحالف مع زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، ضمن “التحالف الثلاثي” المعروف بـ “إنقاذ وطن”، إضافة إلى “الحزب الديمقراطي الكردستاني” بزعامة مسعود بارزاني.

 التحالف كان يهدف إلى تشكيل حكومة بأغلبية سياسية، قبل أن يستقيل نواب التيار الصدري من البرلمان العراقي، بأمر من زعيمهم مقتدى الصدر، والاعتصام أمام مبنى البرلمان العراقي، أواخر الشهر الفائت.

 “الإطار التنسيقي” وفقا لمراقبون في الشأن العراقي، يهدف إلى تكوين كتلة سنية برلمانية لمنافسة “تحالف السيادة” مع احتمال التحالف مع “كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني”، في مواجهة “الحزب الديمقراطي الكردستاني”، وهذا الأمر سيعقد المشهد السياسي، ولن يؤدي إلى انفراج الأزمة، والجمود السياسي الذي عرض النظام السياسي، لخلل كبير وضعه في بداية النهاية والتفكك.

تشكيل تحالف جديد ينافس الحلبوسي

إيران والقوى الموالية لها في العراق تدعم تحالف سني جديد، يتصدى لنفوذ رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، حيث كانت غاضبة من دخول الأخير في التحالف السياسي مع الصدر، واعتبرت ذلك خطوة منه في تعزيز الانقسام الشيعي، بحسب مصادر “الحل نت”.

كما أن إيران ساهمت بجمع القوى السياسية التي خسرت في الانتخابات السابقة في محافظة الأنبار كخطوة أولى، وستدعم باقي القوى من المحافظات السنية الأخرى، بهدف تشكيل تحالف موسع للمشاركة بالانتخابات المقبلة، خاصة مع تواصل التأكيدات التي تفيد بحل البرلمان الحالي وإجراء انتخابات جديدة.

انتخابات برلمانية مبكرة، شهدها العراق، في 10 تشرين أول/أكتوبر الماضي، تصدرت نتائجها “الكتلة الصدرية”، التابعة لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بـ73 نائبا من أصل 329 نائبا، فيما حصل “حزب تقدم” بزعامة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي بـ37 مقعدا، أعقبتها كتلة “دولة القانون”، بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي ، بـ33 مقعدا.

تحريك الجمود داخل المشهد السني

التجمع أو التحالف الجديد، هدفه منافسة تحالف السيادة، أي أن وجود مثل هذا التجمع، سيستطيع تحريك الجمود داخل المشهد السياسي السني، بعد أن أخذ اتجاهات أحادية القطب، فيما يتوقع أن يكون هناك تعاون بين التحالف الجديد مع الإطار التنسيقي، وخصوصا أن الأخير، يمكن أن يكون أكثر نفعا للمكون السني في العراق، بحسب الباحث في الشأن السياسي علي البيدر، لـ “الحل نت”.

اقرأ أيضا: قانون الانتخابات في العراق.. أزمة برلمانية تتصاعد

وجود جماعات مسلحة في الإطار التنسيقي، بحسب الباحث، تشكل ضغطا على المجتمع السني، ويمكن إذا ما تحسنت العلاقات بين الطرفين أن تقل هذه الضغوط بشكل كبير.

تعليق الحزب

التجمع الجديد، لن يؤثر على وجود الحلبوسي وشعبيته داخل المشهد السني، بحسب قيادي في “حزب تقدم”، لـ “الحل نت”.

ما يشاع عن تفرد الحلبوسي بمقدرات المحافظة لا صحة له أيضا، كون تلك الأحزاب والقيادات السياسية فشلت في الانتخابات، ولم تعد لها شعبية في المحيط السني، وبدأت تثير هذه الاتهامات.


انشقاقات وشيكة في “تحالف السيادة” الذي يضم أغلب الزعامات السنية المشاركة في العملية السياسية، قد تحصل، وفق ما جاء في تقرير لموقع “العالم الجديد”، ما سيؤثر على “التحالف الثلاثي” الذي يهدف لتحقيق الأغلبية السياسية، ما يقلل من جدية رئيس البرلمان محمد الحلبوسي بالانسحاب من العملية السياسية، على إثر عودة رئيس اتحاد المعارضة العراقية علي حاتم السليمان. إن أي تصرف من هذا القبيل، لن يغير من واقع المشهد السياسي، بل سيعيد ذات السيناريو مع شخصيات أخرى تتصارع على منصب رئيس البرلمان.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.