“اشتريت بسكليت واستغنيت بشكل شبه نهائي عن المواصلات“، هو الحل الذي ارتأى إليه حسام آغا، وهو موظف يعمل في مديرية التربية بريف دمشق، وذلك بعد أن سئم من أزمة المواصلات المتكررة، من دول أي حل جذري.

أزمة لا تنتهي

في جولة على الشوارع في العاصمة دمشق، ستجد الازدحام الشديد على وسائل النقل القليلة، في ظل امتناع شريحة واسعة من السائقين عن العمل، بدعوى عدم تلقيهم مخصصاتهم الكافية من المحروقات، ومحاولة الحكومة ملاحقتهم وفرض العقوبات، ليجد المواطن نفسه غالبا في النهاية مضطر لطلب تكسي، أو المشي للوصول إلى وجهته اليومية.

ويقول آغا، في حديثه لـ“الحل نت“: “خلال الشهر الماضي، حوالي نصف الأيام قضيتها سيرا على الأقدام خلال رحلة الرجوع إلى العمل. عادة في الصباح تكون الأزمة بوتيرة أقل. في المساء لا تكاد تجد مكانا في وسيلة نقل. الازدحام الشديد ووسائل النقل قليلة“.

ويضيف: “منذ أسبوع قررت شراء دراجة هوائية، لاستخدامها في الذهاب إلى العمل، الوضع لم يعد يحتمل، نضطر لدفع نسبة كبيرة من الراتب الشهري للمواصلات ولا نجدها في الغالب، في كل فترة تخرج الحكومة بمبررات جديدة، إما بعدم التزام السائقين، أو بتأخر وصول النفط“.

ويشتكي السوريون من ارتفاع أسعار تعرفة المواصلات في دمشق، وعدم التزام السائقين بالتعرفة الحكومية، بحجة أزمة المحروقات المتكررة في البلاد.

قد يهمك: سوريا.. “كسر عضم” بين التُجّار والتموين في أسعار الفروج

وانتشرت مؤخرا الدراجات الهوائية في شوارع العاصمة دمشق، حيث أكد موقع “سيريا نيوز” في تقرير نشره الجمعة، أن الأهالي اتجهوا بشكل جماعي خلال الأسابيع الماضية لشراء “البسكليت” بهدف استخدامها كوسيل عن وسائل النقل المحلية.

أشار التقرير، إلى رواج مهنة بيع وصيانة الدراجات الهوائية، بسبب ندرة وغلاء خدمات المواصلات في سوريا.

تكاليف باهظة

حكومة دمشق، تحاول ضبط آلية عمل السائقين، حيث أكد عضو المكتب التنفيذي لقطاع النقل والمواصلات في دمشق، مازن دباس، أن مالكي أربعة آلاف وسيلة نقل عامة في المحافظة، سددوا رسوم تركيب جهاز تحديد الموقع البالغ 350 ألف ليرة سورية، في المصرف التجاري، وذلك بإجمالي وصل إلى 1.4 مليار ليرة.

وهدد دباس، بإيقاف تزويد المركبات التي ستخالف آليات العمل، بالمحروقات المدعومة حكوميا، مشيرا إلى أن المهلة التي منحتها المحافظة لدفع رسم الجهاز تنتهي أواخر الشهر الجاري، وبعده من المقرر أن تصدر إجراءات عن المحافظة، بخصوص الآليات غير الملتزمة، وخاصة أن عدد السرافيس، والباصات، والبولمانات يصل إلى 8500 آلية.

دباس أوضح، أن المحافظة تسعى لإلزام سيارات الأجرة في نظام تحديد المواقع خلال المرحلة القادمة، حيث سيتم إلزام جميع سائقي وسائط النقل العامة، الذين يحصلون على المحروقات المدعومة بتركيب الجهاز.

“لقد عرضتُ السيارة للبيع وسأتجه لمهنة أخرى”، يقول محمد أبو الحسن، وهو اسم مستعار لسائق تكسي يعمل في دمشق، مشيرا إلى أن مهنته كسائق تكسي أصبحت تجلب له المتاعب، فضلا عن أنه لا يستطيع العمل بسهولة خلال فترة أزمة المحروقات، التي أصبحت تتكرر كثيرا خلال السنوات الماضية.

ويقول أبو الحسن، في حديث مع “الحل نت“: “الحكومة تقر التعرفة بدون دراسة التكاليف، التعرفة الرسمية تأتينا بناء على أننا نحصل على مخصصات كافية من البنزين، لكن ذلك لا يعكس الحقيقة، في بعض الأوقات نضطر للوقوف ساعات طويلة على المحطات، للحصول على البنزين في وقت الأزمة، هذا الوقت هو من وقت العمل ولا أحد يعوضنا“.

ويضيف: “الزبائن يتذمرون من الأسعار وهذا حقهم ربما، لكن السائقين يتعطلون عن العمل لأيام، وفيما إذا قررنا شراء البنزين بالسعر الحر، فإن هذا سيعني أننا سنرفع التعرفة بشكل كبير، هذه المهنة أصبحت تجلب المتاعب، وأحاول بيع سيارتي والبحث عن مهنة أخرى“.

زيادة التعرفة

قبل أيام أعلنت محافظة دمشق، عن بدء تعديل تعرفة عدادات سيارات الأجرة العاملة ضمن المدينة، وذلك عبر إعادة برمجة العدادات بمقر فرع دمشق، في الشركة العامة لأعمال الكهرباء والاتصالات.

وأوضح عضو المكتب التنفيذي لقطاع النقل والمواصلات، مازن الدباس، في تصريحات نشرتها المحافظة، أنه تمت المباشرة بتعديل عدادات السيارات، حيث يحصل السائق بعد تعديل العداد على لاصقة توضع على الزجاج الأمامي تبيّن أن العداد تم تعديله.

وأشار الدباس، إلى أن السيارات (التكاسي)، التي لم تقوم بتعديل العدادات، سيوضع عليها لاصقات مكتوب عليها المبالغ الواجب دفعها من قبل الراكب، إضافة إلى المبلغ الظاهر على شاشة العداد الحالي لافتا إلى أنه يمكن الحصول على هذه اللاصقات من فرع مرور دمشق.

وحول تفاصيل الزيادة، أضاف دباس أن: “المبلغ الواجب دفعه من قبل الراكب إضافة إلى المبلغ الظاهر على شاشة العداد الحالي هو 500 ليرة، إلى شريحة العداد من 300 إلى 1000 ليرة، ومبلغ 1500 ليرة، إلى شريحة العداد من 1000 إلى 3000 ليرة، بينما المبلغ المتراوح من 3000 إلى 5000، يضاف إليه 3000 ليرة وفي حال ظهرت شريحة العداد من 5000 إلى 7000 ليرة، يتوجب على الراكب إضافة مبلغ 6000، وعند ظهور المبلغ المتراوح من 9000 وما فوق يتوجب على الراكب دفع مبلغ 8000 ليرة“.

وكانت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك السورية، حددت سعرا جديدا للبنزين، وفق قرار رسمي نشرته على صفحتها الرسمية على منصة “فيسبوك“، حيث أصبح ليتر البنزين الممتاز “أوكتان 90” المدعوم المسلّم على البطاقة الإلكترونية 2500 ليرة سورية، وسعر البنزين “أوكتان 90″ 4000 ليرة سورية، أما سعر ليتر من “أوكتان 95” فأصبح بـ 4500 ليرة للتر الواحد، وهذا ما فاقم الأزمة بشكل أكبر.

“تكسي الركاب”

في الآونة الأخيرة، نتيجة لأزمة النقل الخانقة في البلاد، انتشرت ظاهرة “تكسي الركاب“، أي يركب أربعة أشخاص التكسي ويتقاسمون الأجرة كاملة فيما بينهم، وأصبح الطلب على 100 ألف ليرة، حديث عادي بين أصحاب السرافيس والتكاسي، وهذا مبلغ الأجرة التي يحصل عليها صاحب التكسي على طلب توصيلة “مطار دمشق“، وبعض السائقين يتصيدون التسعيرة بطرق مختلفة.

وأضاف تقرير سابق لموقع “الساعة 25″ المحلي، بأن أصحاب السيارات الذين يعملون عبر التطبيقات سمعوا بهذه الأرقام الفلكية، وأصبحوا يهجرون الطلبات بذريعة عدم توفر البنزين، ومنهم من أصبح يتصيد زبائن التطبيقات خارج الطلبات المعتمدة من أجل التحكم بالأجرة على مزاجه، وعند مناقشة صاحب أي تكسي أجرة، يرد بكل بساطة “أدفع الأجرة وروح اشتكي” وهو يعلم جيدا أن الرقابة الحكومية غير مجدية.

هذا ويبدو أن وجود الأزمات لن يختفي من الحياة اليومية للسوريين، وسيبقى شبحا يطاردهم، خاصة ممن يعيشون تحت خط الفقر، والذين تشكل نسبتهم الآن، أكثر من 90 بالمئة، من السكان وفق ما أفادت به تقارير أممية.

وعلى الرغم من إطلاق حكومة دمشق، العديد من الوعود لإنهاء أزمة المواد النفطية المستمرة منذ أشهر، وذلك من خلال التأكيد على وصول ناقلتي نفط إلى الموانئ السورية من إيران، إلا أن ذلك لم ينعكس على الأزمة، حيث ما تزال مستمرة، فضلا عن الطوابير الطويلة على محطات الوقود في البلد، وبدلا من ذلك، شكّل وصول تلك البواخر الإيرانية، رافدا جديدا للسوق السوداء.

وساهمت أزمة المحروقات مؤخرا في شلل شبه كامل لوسائل المواصلات، في ظل عزوف معظم السائقين عن العمل، بدعوى عدم تلقيهم لمخصصاتهم من المحروقات، فضلا عن ارتفاع كافة أسعار السلع، والمواد الأساسية التي يعتمد إنتاجها بشكل أساسي على المحروقات والكهرباء.

حلم “مترو دمشق”

ومنذ عدة سنوات تتحدث الحكومة السورية، بين الفينة والأخرى، عن مشروع “مترو دمشق“، في محاولة منها لامتصاص الغضب الشعبي الناتج عن أزمة مواصلات غير مسبوقة تعيشها العاصمة منذ سنوات.

يعود تاريخ الحديث عن المشروع إلى عام 2007، فيما أعلنت الحكومة قبل أشهر، إن وفود خارجية من الصين، وإيران التقت مع الحكومة السورية. وذلك بهدف إعادة إحياء المشروع.

واتهم مسؤولون حكوميون مؤخرا، المواطنين بالمسؤولية عن عدم تنفيذ المشروع حتى الآن، وذلك بدعوى أن “المواطن لن يكون بمقدوره دفع ثمن تذكرة المترو” بحسب التصريحات.

قد يهمك: دمشق ترفع الدعم عن الشاي.. ماذا بقي من الدعم الحكومي؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.