بعد أن عرضت منصة “نتفليكس” العالمية، النسخة الكورية من مسلسل “لاكاسا دي بابيل” وكانت عبارة عن نسخ ولصق للنسخة الإسبانية، برزت تساؤلات عن جدوى إنتاج هكذا أعمال، وكذلك عن أمثال هذه الأساليب الإنتاجية من الأعمال العربية.

في الدراما العربية عشرات الأعمال التي اُقتبست بشكل أو بآخر من أعمال عالمية، ومنها من كان أيضا نسخ ولصق، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر في السنوات الأخيرة “العراب – نادي الشرق” نص رافي وهبي، عن الفيلم الشهير “ذا غود فاذر”، وغيره من أعمال حتى لم يذكر صناعها العمل الذي اقتبسوا منه.

 مؤخرا عرضت شبكة “شاهد” مسلسلا جديدا للفنان السوري قصي خولي، بعنوان “من إلى” وكانت خطوطه الدرامية الرئيسية مقتبسة من العمل الإسرائيلي “هيت آند رن” لكن المسلسل لم يمشي في نفس مسار العمل الأصلي، وذلك لأن الكاتب غيّر بالبناء الدرامي للحكاية.


السبب الرئيس لضعف هذا العمل والأعمال الشبيهة، بحسب الناقد الفني عمر بقبوق الذي أوضح في حديثه لـ “الحل نت” أن الاقتباس نوعين، نوع يقوم بنسخ القصة كاملة، وهذا يبدو أكثر نجاحا، بسبب عدم تدخل الكاتب بالبناء الدرامي، والآخر يقوم بنسخ القصة الرئيسية، وهنا يقع الكاتب في فخ العجز عن نقل الحكاية بالشكل الصحيح، خصوصا عندما يتم تحميل الحكاية لأيديولوجيا ما.


لماذا يبقى الاقتباس محليا

الكاتب في مسلسل “من إلى” قام باقتباس حكاية جيدة، ويمكن البناء عليها ولذلك بدأ العمل بشكل جيد ولكن عندما غيّر، ببنية الحكاية الأصلية انهار المسلسل تماما.

المشكلة في المسلسل كحال جميع الأعمال السورية – اللبنانية المشتركة، هي مشكلة نص، بحسب بقبوق، حيث أن الأداء عادة ما يكون جيد، ويبدو هناك تطور كبير إخراجيا وتقنيا في الدراما العربية، لتبقى المشكلة دائما في النص.


قد يهمك: المرأة في الدراما السورية.. بين الحضور التقليدي والخرق التجديدي


النص كان سيئا، لدرجة أن الكاتب بلال شحادات، تعامل مع التحول في شخصية البطل كميزة في العمل، في وقت يكون التحول في شخصية البطل هو الطبيعي، وهذا ما حول وليد (قصي خولي) إلى نمط درامي أو شخصية أحادية الجانب، ويعد التنميط مقبولا في الكوميديا، ولكنه ليس كذلك في الأنواع الأخرى.

لقد سقط مسلسل “من إلى” عندما فشل الكاتب ببناء شخصية بطل العمل، وهذه الرداءة في الأعمال الدرامية العربية أو الدراما المشتركة هي التي تبعدها عن منصات العرض العالمية، يقول بقبوق.

“من إلى” ينضم إلى سلسلة من الأعمال العربية عن مسلسلات عالمية، منها “أوركيدا” المستوحى من “لعبة العروش”، و “تشيللو” و”تانجو” وغيرها إلى جانب أعمال، أنتجت كنسخة عربية من الأعمال العالمية، ولم تنجح بشق طريقها خارج العرض العربي مثل مسلسل “سوتس بالعربي” الذي أنتجته منصة “أو إس إن”.


متاعب العرض العالمي

محدودية المنافسة، عرقل وصول الدراما العربية للمنصات العالمية، بحسب الصحفي المتخصص بالشؤون الفنية أنس فرج، خلال حديثه لـ “الحل نت” حيث يرى بأن هذه الأعمال، تبقى تنافس على المستوى المحلي، ودائما ما تستعير من الخارج تقنيات بالإنتاج والإخراج، تكون نوعا ما قديمة في الإنتاج العالمي، ما يمنعها من المنافسة.

حتى الأعمال العربية التي عرضت على منصات عالمية لم تكن عرض أول، وفقا للفرج، ودائما ما يكون العرض الأول عبر التلفزيون، نظرا لأن الجمهور في العالم العربي، لازال يركز على التلفزيون، في وقت أن الأعمال الأصلية التي أنتجت لهذه المنصات، حظيت بانتشار أكبر مثل “بنات الروابي” من إنتاج “نتفليكس”.

مؤخرا، توجهت المنصات العالمية، لاستهداف السوق في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأبرز هذه المنصات بطبيعة الحال هي “نتفليكس” التي قدمت “بنات الروابي” و “ما وراء الطبيعة” وفيلم “أصحاب ولا أعز” كإنتاجات أصلية، إلى جانب بعض الأعمال التي عرضتها كعرض ثان مثل “الهيبة”.


اقرأ أيضا: إنعاش الدراما السورية: هل يمكن إنتاج ما هو أكثر من بروباغاندنا لحكومة دمشق؟


إلى جانب “نتفليكس” ظهرت منصات عربية للمشاهدة حسب الطلب أبرزها منصة “شاهد” المملوكة لمجموعة “MBC” والتي لها باع طويل في صناعة الترفيه في المنطقة منذ أكثر من 25 عاما.

ما يميز “شاهد” عن غيرها من منصات العرض العربية، أنها تقدم خدماتها للجمهور العربي، حتى خارج منطقة الشرق الأوسط، وتحديدا في أوروبا، وعن دورها في نقل الإنتاج العربي للعالمية يقول فرج، إن دور هذه المنصات، هو تطوير آلية الإنتاج الدرامي، ليوازي ما نتابعه في المنصات الأجنبية من ناحية عدد الحلقات، وإيقاع العمل، وآلية التنفيذ التي تجعل الأعمال تطور لمستوى عالمي.

من مسؤولية هذه المنصات أيضا، تقديم العمل العربي بدبلجة وترجمة لعدة لغات، حتى يصبح متاحا للمشاهد غير العربي، لكن في حال بقيت هذه المنصات تقدم خدماتها فقط للناطقين بالعربية، سوف يبقى العمل العربي غير قادر على المنافسة عالميا، بحسب فرج.

العربي والتركي.. منافسة غير موجودة

ظاهرة أخرى من الاقتباسات الدرامية ظهرت في السنوات الأخيرة، عبر الأعمال المشتركة، وهي اقتباس الأعمال التركية، ليس فقط من حيث القصة، أو السيناريو والحوار، بل يمتد ذلك إلى عمليات الإنتاج عبر أطقم فنية تركية، واختيار مواقع تصوير في تركيا، من هذه الأعمال “عروس بيروت” المقتبس عن “كنة إسطنبول”، ومن أخرها مسلسل “ستيليتو” الذي بدأ عرضه مؤخرا عبر منصة “شاهد” وهو من تنفيذ شركة إنتاج تركية.

مع ذلك نرى الأعمال التركية، يتم دبلجتها لعدة لغات وعرضها في بلدان عديدة، ومؤخرا كشفت تقارير عن الشعبية الكبيرة للدراما التركية في إسبانيا، إلى جانب بعض دول الجوار التركي، ومنها طبعا دول الشرق الأوسط.

نجاح الدراما التركية في عبور الحدود المحلية وفشل العربية في ذلك رغم محاولتها نسخ أعمال تركية بالحرف والمشهد يوضح فرج ذلك، أن الدراما التركية طورت صيغة أكثر انسجام مع المجتمعات المحيطة بها، وخرجت عن الحكاية المحلية التي لا تهم غير المشاهد التركي.

الدراما التركية ركزت أيضا على الصيغة السياحية واستعارت النمط الهوليودي في الإثارة والإيقاع للعمل، إلى جانب التركيز على الصورة، فيما لازالت الدراما العربية تقدم الدراما من وجهة نظر محلية.

في الماضي كانت محلية الدراما العربية تبرر نفسها بافتقار المنطقة لوسائل التسويق الحديثة، وكذلك عدم وجود ميزانيات ملائمة لإنتاج أعمال ضخمة، ولكن مع ثورة التكنولوجيا ووجود منصات المشاهدة حسب الطلب، وجد المشاهد العربي أعمالا محلية من دول مثل تركيا وكوريا الجنوبية وبعض دول أمريكا اللاتينية تشق طريقها للعالمية، بميزانيات صغيرة جدا، ولا تقارن مع أعمال عربية تم ضخ ملايين الدولارات لإنتاجها، وبين مشاكل النص وعيوب الإخراج وضعف موارد الإنتاج وكذلك تركيز الدراما على تقديم مواضيع متمحورة حول بطل وبطلة وسيمين، تدور بينهم قصة حب بشكل أو بآخر، تكون كل هذه الأسباب وغيرها محقة في إبعاد الدراما العربية عن منصات العرض العالمية، حيث انتقلت صناعة الدراما عالميا منذ نهايات القرن الماضي، وبداية القرن الحالي إلى جانب أكثر عمقا من حيث الشكل والمضمون.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.