أزمة الوقود في العراق، معركة تقرأ ظاهرها بين دولة تريد ضبط المسار، وبين متمردين على قراراتها من القطاع الخاص، لكن في حقيقة الأمر أن هذه “المعركة” في باطنها ما أكبر من هذا بكثير.

خلال الأيام الأخيرة، اعتاد العراقيون أن يصطفوا في طوابير طويلة، أمام محطات التعبئة، من أجل الحصول على الوقود، فيما اضطرت محافظات عراقية، إلى تقليص ساعات تجهيز الكهرباء من قبل أصحاب المولدات الأهلية، الذين بدأوا يشكون قلة التجهيز بـ “الكاز”، رغم المناشدات العديدة التي أطلقتها إدارات تلك المحافظات لوزارة النفط، التي لم تستجب بزيادة تجهيز منتوج “الكاز” لتلك المدن، في وقت، يشهد السوق السوداء، وفرة بالبنزين والكاز، مما دعا إلى طرح العديد من التساؤلات حول هذا “اللغز”.

قد يهمك: استمرار أزمة الوقود في العراق

وزارة النفط العراقية، عزت الأمر، إلى محاولات مقصودة من قبل أصحاب المحطات الأهلية، لغرض افتعال أزمة غير موجودة على أرض الواقع، وقد جاء ذلك في تصريح لها، في نيسان/أبريل الفائت، قالت فيه، أنها قضت على أزمة الوقود المفتعلة، كما أدانت التصرفات غير المسؤولة لبعض أصحاب المحطات الأهلية المخالفة، والتي تسببت في خلق حالة إرباك للمواطنين ولأجهزة الوزارة والدولة والإضرار بالاقتصاد الوطني.

من المسؤول؟

جهات متنفذة داخل الدولة، بدأت بتقليص كميات الوقود التي تزود بها محطات التعبئة، فبعد أن كانت الصهاريج، تُرسل يوميا لغرض تعزيز خزانات المحطات، أصبحت تُرسل كل ثلاثة أيام، بحسب ما تحدث به مصدر مسؤول، فضل عدم الإفصاح عن هويته، لـ “الحل نت”، محملا مسؤولية ما يجري من أزمات متتالية في ملف تزويد المواطنين بالوقود، لوزارة النفط العراقية.

هذه العملية، بحسب المصدر، يراد منها خلق أزمة محلية، لهدف تحقيق أرباح تذهب في جيوب المتنفذين داخل وزارة النفط والدولة العراقية، وذلك عبر تحجيم الكميات المرسلة للمحطات، وتهريب كميات أخرى بأسعار أعلى خارج البلاد، أو إلى إقليم كردستان، الذي تشهد أسعار الوقود فيه، ارتفاعا ملحوظا مقارنة مع محافظات العراق الأخرى.

وعن سر انتعاش السوق السوداء بالوقود، يقول المصدر، إن بعض الوزارات التي تستلم حصصها من وزارة النفط، تقوم ببيع الفائض منها، خارج السياقات القانونية، وهذا الأمر يعد إهدارا للمال العام، ويدخل في خانة الفساد؛ كذلك بعض المحطات الأهلية تقوم ببيع الوقود لأصحاب السوق السوداء، بأسعار أعلى مما يتم تزويد المواطنين به، وذلك بسبب خضوع المحطات، لرقابة الدولة العراقية.

بدلا من قيام الجهات المعنية في العراق، باتخاذ اجراءات من شأنها حل هذه الاضطرابات، من ثم التوجه لخطوات أخرى، سارعت وزارة النفط العراقية، في 23 آب/أغسطس الماضي، إلى اصدار بيان أعلنت فيه قرب توزيع بنزين “السوبر”، في جميع محطات البلاد، باستثناء إقليم كردستان.

الشركة العامة لتوزيع المشتقات النفطية التابعة للوزارة، قالت، إنها ستوفر البنزين “السوبر” المستورد عالي النقاوة في محطات تعبئة الوقود.

عالميا ينقسم البنزين إلى فئات متعددة، هي البنزين العادي (أقل من 95 “درجة النقاوة”)، والبنزين “المحّسن” عالي الأوكتان (95 درجة نقاوة)، وبنزين عالي الأوكتان، (98 درجة نقاوة)، حيث تختلف كل فئة عن أخرى في قوة وأداء المحرك لعمله، بأفضل صورة وبطريقة طبيعية.

محطات تعبئة الوقود في العراق، تقوم بتوزيع البنزين العادي والبنزين عالي الأوكتان (95)، باستثناء إقليم كردستان، الذي توفر محطات البنزين فيه “السوبر”، بالإضافة إلى هذين النوعين.

محاولات لرفع السعر

مراقبون لهذا الملف، اعتبروا الخطوة بأنها عملية “نصب واحتيال”، وذلك بعد أول يوم من توزيع المحطات للبنزين “السوبر”، حيث أحدث ضجة شعبية واسعة، واعتبرها الناس، محاولة للسرقة، عبر مسميات مختلفة؛ حيث أكد بعضهم خلال حديثه لـ “الحل نت”، بأن ما أعلن بشأن بدء توزيع الوقود “السوبر”، في محطات العراق، ليس إلا “ضحك على الذقون”، كون ما حصل هو استبدال كلمة “محّسن”، لـ “سوبر”، حيث لا فرق بينهما نهائيا.

فيما وجهوا، دعوة إلى المؤسسات الرقابية المعنية في هذا الأمر، الذي وصفوه بـ “الخطير”، والذي قد يتسبب بضغوطات أكبر على السائقين، خصوصا أصحاب سيارات الأجرة.

اقرأ أيضا: تهريب المشتقات النفطية وأزمة وقود في العراق

هذا القرار، بمثابة محاولة من قبل الدولة، لرفع أسعار الوقود تدريجيا، على المواطنين، وإيصاله إلى 600 دينارا عراقيا للتر الواحد، بدلا من الـ 450 دينارا، بحسب المراقبين.

مختصون اقتصاديون، استغربوا هذا القرار، حيث من المتوقع أن تبلغ خسائر وزارة النفط جراء دعم البنزين، إلى أكثر من 1.6 مليار دينار يوميا، بعد دخول الصنف الثالث من البنزين “السوبر”، وبينما يمكن تفهم دعم البنزين العادي كونه ينتج داخل العراق ولا يتم استيراده وأيضا، لكون زبائنه من الفقراء، إلا أن دعم البنزين “المحّسن” وشمول “السوبر” بالدعم الحكومي يعد أمرا مستغربا.

ومن المعروف أن الاستخدام الأكبر للبنزين العادي، لم يأت بسبب جودته، بل بفعل رخص سعره، حيث أن سعر لتر البنزين العادي يبلغ 450 دينارا للتر الواحد، أما المحسن فيبلغ 650 دينارا للتر الواحد، وبالرغم من هذا الفارق البسيط بين العادي والمحسن والبالغ 200 دينارا لكل لتر، إلا أن الفارق بين عدد مستخدمي العادي والمحسن كبير جدا، لدرجة أن كميات البنزين التي تباع يوميا في العراق 10بالمئة منها فقط، تباع كبنزين “محّسن”.

خطط سياسية مدرسة

تفقير المحطات بالوقود، يتم وفق خطة سياسية مدروسة، وآليات عمل وقرارات جديدة، من قبل شركة “المنتوجات النفطية”، لهدف رفع الأسعار مستقبلا، وفقا لرئيس “رابطة القطاع النفطي الخاص” مؤيد الزبيدي، خلال حديثه لـ “الحل نت”.

قبل مدة من الآن أنتجت أزمات الوقود تداعيات عدة اضطرت إلى خروج “شركة توزيع المنتجات” التابعة لوزارة النفط العراقية، للإعلام ونكران أزمة الوقود وتزييف الحقائق، بحسب الزبيدي، ويرى أن الأزمة مفتعلة بخطة من “شركة توزيع المنتجات النفطية” وفق كتب رسمية صادرة من الشركة، حيث قلصت المنتوج وافتعلت الأزمة، كونها تخشى رفع الأسعار مباشرة، خوفا من ردة فعل الشارع العراقي، لذلك شغلت الناس بهذه الأزمة المفتعلة، وعدم توفر المنتوج في كل المحطات.

الجانب الآخر، من تحركات شركة التوزيع، وفق الزبيدي، تمثل برفع أسعار الوقود على دوائر الدولة، ومنع تجهيز المحطات الأهلية وحصره بالمحطات الحكومية بسعر 550 دينار للتر الواحد، وذلك لغرض تعظيم واردات الشركة، كون المصافي في العراق لم تشهد أي تطوير منذ عام 2003 حتى الآن، لذلك تضطر الى استيراد منتوجات خفيفة (بنزين – نفط – كاز)، بنسبة 75 في المئة، فيما تغطي مصافي العراق بنحو 30 بالمئة فقط، مما عرض البلد للخسارة، وفق الزبيدي، لأن الاستيراد يتم بالعملة الصعبة؛ لذلك قررت الشركة تعويض الخسائر هذه، من خلال تشكيل لجنة للعمل على فرض رسوم وغرامات وتغيير أسلوب العمل، من خلال حكر منتج البنزين بالمحطات الحكومية، وتقليصه في المحطات الأهلية، التي تشكل 80 بالمئة من محطات البلاد مما تسبب بأزمة واضحة.

أزمة الوقود هذه، تضيّع ملايين العراق التائهة، حيث يحتل العراق المرتبة الـ 12 عالميا برخص أسعار وقود السيارات، حيث يبلغ سعر اللتر المباع في العراق أقل من السعر العالمي بنحو 65 بالمئة.

نحو 180 ألف برميل من أصل مليون برميل تستوردها الصين من العراق يوميا، و 17 بالمئة من صادرات العراق النفطية إلى الصين، عاد ليستوردها على شكل بنزين.

يستورد العراق 5 مليون لتر من الكاز يوميا، والذي ينتج من كل برميل نفط نحو 40 لترا منه، بلغ السعر العالمي 1.43 دولارا للبرميل، يستورد العراق أكثر من 10 ملايين لتر يوميا. هذه العملية تُكلفه 14.3 مليون دولار يوميا، فيما يبيع العراق اللتر بنحو 51 سنتا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.